البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
إجراء علاجي واحد ولا حساسية بعد اليوم
قد يكون العلماء على بعد خطوةٍ واحدةٍ من اكتشاف وسيلةٍ وراثيةٍ تعمل على "إيقاف" الاستجابة المناعية المسبِّبة للحساسية (الاستجابة التحسُّسية) بواسطةِ حقنةٍ واحدة. فقد طوّر فريقٌ من الباحثينَ عمليةً جديدةً نجحت في إسكاتِ الاستجابةِ التحسسية الشديدة عند الفئران، وذلك باستخدامِ خلايا جذعيةٍ صُمِّمت مع جينٍ يمكن أن يَستهدف خلايا مناعيةً معينة.
وكان التحدي الكبيرُ الذي واجهه باحثو الحساسيةِ السابقون هو أنَّ الخلايا المناعيةَ، المعروفة باسم الخلايا التائية (T-Cells)، تميل إلى تطويرِ شكلٍ من أشكالِ "الذاكرة" حتى يتمكن كلُّ شخصٍ منا من تطويرِ ردٍّ مناعيٍّ لمسبِّبِ الحساسية (the allergen)، وتعملُ خلايا الذاكرة على تكرار ذلك الردِّ المناعي مباشرةً وبسهولة عندَ تواجد المسبِّب مرةً أخرى في المستقبل. فما الحساسيةُ إلّا جزءٌ من هذا الردِّ المناعيِّ الذي يتكرّرُ مع تواجدِ المُسبِّب.
وكان مفتاحُ حلِّ القضية هو العثورُ على طريقةٍ لمحوِ إستجابةِ "الذاكرة" ضدَّ البروتينِ الموجودِ في مسببات الحساسية وبالتالي عدمِ تنشيط رد الفعل المناعي (اي الحساسية).
في معهدِ ديامانتينا بجامعةِ كوينزلاند (the UQ Diamantina Institute) تمكّنَ فريقٌ بقيادة الأستاذِ المساعد راي ستيبتو (Ray Steptoe) من التغلبِ على هذا التحدي، فيقول البروفيسور ستيبتو، شارحاً العمليةَ الجديدة التي طورها فريقه: "نحن نأخذ الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم (Hematopoietic Stem Cells (HSCs))، ونُدخِل فيها الجينَ المسؤول عن تنظيمِ البروتين المسبِّب للحساسية وبعد ذلك نضعها في المتلقي. فتقوم الخلايا المهندسَة وراثياً بإنتاجِ خلايا دمٍ جديدةٍ تُعبِّر عن بروتينٍ معينٍ وتستهدف خلايا مناعيةً معينة، لتعمل على "إيقاف" الإستجابة التحسسية".
وبحثت التحقيقاتُ السريرية الأولية للفريق في مسبباتِ حساسية ربوٍ تجريبية، ونجحت عمليتُهم الجديدةُ في إنهاء الاستجابة التحسسية الموجودة لدى فئرانٍ مخبريةٍ كانت تعاني من الحساسية. ونُشرَت نتائج بحثهم في مجلة (JCI Insight) بتاريخ 2 حزيران 2017. وعلى الرغم من أنَّ البحوثَ الأولية ركزت على نوعٍ محددٍ جداً من حساسية الربو، يعتقد البروفيسور ستيبتو أنه يمكن تطبيقُ العمليةِ على العديد من الاستجابات التحسسية الشديدة الأُخرى، مثل حساسيةِ الفول السوداني وسمِّ النحل وطعامِ البحر/المحار.
ويظلُّ الهدفُ طويلُ الأمد للبحث هو تطوير دواءٍ فعالٍ لعلاجِ أنواعٍ محددةٍ من أمراض الحساسية بواسطة حقنهٍ واحدة، ويشبه بدرجة كبيرة اللقاح (vaccine).
ويقول البروفيسور ستيبتو: "لم نصل بعدُ إلى الحد الذي يجعل هذا العلاجَ بسيطاً كمثل الحصول على جرعةِ دواء الانفلونزا، لذلك نحن نعمل على تبسيطه وجعله أكثر أماناً بحيث يمكن استخدامه عبر شريحة واسعة من الأفراد المتضررين".
وكان الفريق واقعياً حول الوقت الذي سيستغرقه هذا الاكتشاف لظهور نتائجَ وفوائدَ عمليةٍ للمرضى الذين يعانون من الحساسية، فقد يتطلب الأمر ما لا يقلُّ عن خمس سنوات (من تاريخ نشر الدراسة) من العمل المختبري قبل إمكانية إجراء التجارب البشرية. ولكن قد يعني هذا الاكتشافَ الجديد أنه وفي غضون 10 أو 15 سنة، سيمْكننا القضاءُ على الربو وغيره من الاستجابات المناعية المسببة للحساسية والقاتلة في بعض الأحيان وذلك بواسطة علاجٍ واحد، ولمرةٍ واحدة.
المصدر
الورقة البحثية