كتاب > روايات ومقالات
مراجعة المجموعة القصصية "موت السرير رقم 12" لغسان كنفاني
تُقسم المجموعة القصصيّة المميّزة " موت سرير رقم 12 " إلى ثلاثة أقسام رئيسية كلّ قسم منها يحتوي على خمس أو ستّ قصص، ونرى في هذه المجموعة القصصيّة المحاور الرئيسيّة التي كان إبداع كنفاني منذ بدايته يحاول اكتشافها والتعمّق فيها، هذه المحاور هي: المحور الفلسطيني، المحور الواقعي، ومحور طرح الأسئلة الوجوديّة.
يحتوي القسم الأول على القصص التالية:
البومة في غرفة بعيدة:
أُعجبَ بصورة بومةٍ مبتلّة بماء المطر رآها في عدد كانون الأول من مجلة هندية، علّقها على أحد جدران غرفته العارية و راح يتأمّلها بسلام وغبطة، لكنّها أخذت تنظر إليه عندما آوى إلى فراشه نظرة إنسان خضع فجأة للحظة ما، نظرة إنسان عليه أن يختار بين الموت أو الهرب، وسألته .. هل تذكر ؟ لقد التقينا مرّة قبل الآن ..، فهل تراهُ يذكر ؟
شيء لا يذهب:
هو أحدُ ركّاب قطار مسافر إلى طهران، قرّر ألّا ينام لكيلا يسرقه أحد ليلاً، حذّره مفتش القطار من هذا، فتحَ هذا المسافر كتاباً لعمر الخيّام قيمته بالنسبة له هي أنّه أشير مرّة إلى رباعية فيه بقلم رصاص من قبل الفتاة التي احبّها في حيفا، تذكّر أنّهما كانا نوعين مختلفين من الأشخاص، هو لم يحمل بحياته بنجقية للجفاع عن وطنه، وهي كانت تقوم بعمليّات نسف، لقد كان يعرف أنه لا يستحقها، أخذ يعيد في ذاكرته آخر اللحظات التي أمضياها معاً، و كيف ينساها ؟ كيف ينساها وهي تلك المرأة التي تلاحقه منذ ثماني سنوات ؟؟.. فكيف افترقا ؟ ولماذا لا زالت تلاحقه؟
منتصف أيار:
رسالة يكتبها صديق إلى صديقه بعد اثني عشر عاماً من استشهاده، يعترف فيها له عن جبنه وعن العار الذي يلاحقه، يعترف أنّه تأخّر في اكتشافه معنى الحكمة القديمة القائلة " من أجل أن يعيش البعض يجب أن يموت البعض الآخر " .. فما قصّة هذين الصديقين؟
كعك على الرصيف:
يروي أستاذ مدرسة حكايته مع أحد تلاميذه الفلسطينيين الذي قابله للمرة الأولى في زاوية أحد الشوارع مقرفصاً مكبّاً على صندوقه الخشبي يحدّق إلى لمعان حذاء باذخ، وبعد أقلّ من شهر صادفه في إحدى المدارس التي يدرّس فيها حيث أصبح أستاذه، استدرّ التلميذ عطفه خلال عدّة حوادثو حوارات فبدأ بالغشّ لكي يعينه على النجاح، ولكن في أحد الأيام اكتشف أنه قد كذب عليه في أكثر من مناسبة، فهل كان التلميذ يتلاعب بعواطفه أم أنّه كذب ليخفي شيئاً ما؟
في جنازتي:
لا يخرج من مصيبة إلّا ليقع في أخرى، كانت حياته كلّها عذاباً وتعاسة، كانت حياته مريرة إلى أن قابل الإنسانة التي جعلت كلّ مر حلو وكل حزن سعادة، كان يدوس على أشواك درب جاف كأنه طريق ضيق في مقبرة، ثم حدث شيء جميل، كانت هي الشيء الجميل، ولكن كل سعادته انتهت عندما أخبره الطبيب أنه مصاب بسرطان الدم، احتار العاش المريض ..هل تقبل عشيقته إنساناً مريضاً ؟ هل يجب عليه أن يستجدي حبها؟ هل سيرى في عينيها معنى من معاني الرفض المغلف بالشفقة؟ هل ستقبل به فيكون حبها قائماً على أعمدة من الشفقة فحسب؟ هل سيكون بطلاً لمرة واحدة في حياته وينهي كل شيء بينهما ويتركها تبحث عن طريق آخر لحياة سعيدة؟
الأرجوحة:
يريد الزواج بغيداء، لذلك يقرر أن يصارحها بعلاقته مع ندى، فهو لا يستطيع أن يتصور المشكلة التي ستحدث لو عرفت غيداء بعلاقته تلك من فم إنسان آخر، ثم إنه ليس ملاكاً ومن الطبيعي برأيه أن يقترف مثل هذه الأخطاء، كما أنه يريد إنهاء علاقته مع ندى، إن علاقتهما على حافة الهاوية حسب اعتقاده، يظن أن كل شيء سيكون على ما يرام .. فهل يكون كذلك؟
أمّا القسم الثاني فيحتوي على القصص التالية:
موت سرير رقم 12:
يكتب مريض في أحد المستشفيات رسالة إلى صديقه أحمد يخبره فيها عن حادثة موت سرير رقم 12، يخبره فيها عن الفرق بين السماع بالموت وبين رؤيته، لقد عرف الفرق عندما رأى محمد علي أكبر يموت أمامه وهو ينظر في عينيه مباشرة، لقد كان محمد علي أكبر يرفض يُحذف أي حرف من اسمه، كان يحب أن ينادى ب " محمد علي أكبر "، كان محمد علي أكبر يضع بجانب وسادته صندوقاً خشبياً عتيقاً، ولم يكن أحد يعرف ما الذي يوجد داخل هذا الصندوق، ألّف المريض قصة من خياله عن محمد علي أكبر وعن محتوى صندوقه الخشبي أخبرها لصديقه ثم أنهى رسالته بعبرة أراد إيصالها لصديقه.
لكن القصة لا تنتهي هنا، بل يعود المريض ليكتب رسالة أخرى إلى صديقه أحمد ليخبره فيها عن القصة الحقيقية لمحمد علي أكبر وعن المحتوى الحقيقي للصندوق.
لؤلؤة في الطريق:
في نهاية عام ومطلع عام آخر قرّر حسن أن يروي على أصدقائه قصة حدثت منذ عام وكان هو أحد أبطالها، منذ عام قرّر صديق طفولته سعد الدين اللحاق به إلى دول الخليج، ولكنه لم يحصل فيما مضى الشهادات التي حصلها حسن، لذلك لم تتوفر له أمكانية كسب جيدة، بل لم يتمكن من الحصول على أية وظيفة، وعندما انتهى كل ما لديه من مال بعد فترة وجيزة أشفق عليه حسن وأعطاه سعر تذكرة عودة إلى بلاده، وعندما كانا يمشيان معاً باتجاه مكتب السفر رأى سعد الدين بائع محار فقرّر أن يشتري بثمن تذكر العودة محاراً إيماناً منه بأنه سيجد لؤلؤة ما في كومة المحار تلك .. فهل وجد مبتغاه أم أنه عاد خائفاً؟
الرجل الذي لم يمت:
لمح السيّد علي وجه السيّدة زينب في الجانب الآخر من السيارة، شعر بالقلق والخزي، اعتقد لوهلة أنه لن يحرك ساكناً إذا التفتت تجاهه ثم بصقت في وجهه. في يوم ما مضى قبل عشر سنوات كان يشعر السيد علي بسعادة طاغية إذ يرى السيدة زينب، ويأمل أن يخطب ابنتها لابنه يوماً ما رغم أنه صاحب الأرض وهي فلاحة بسيطة تستأجر عشر دونمات من أرضه. كل المشاكل بين السيد علي والسيدة زينب بدأت عندما قرر السيد علي بيع أرضه ليهودي.
العطش:
رجل كئيب يدور في مربع الجدران دون غاية، نجح منذ يوم بالاستمتاع بحياته مستعيناً بالموسيقى، لكنها ماعادت تعنيه اليوم، شعر أنه يحمل الجدران الأربعة ويمشي كإنسان من جبس، نسي هذا المسكين أن يعيش حياته لا حياة اخرى، انقطع عنه الماء منذ يوم فاكتشف أنه وحيد، اكتشف انه ملقى في فراغ.. كيف اكتشف ذلك؟
المجنون:
يقرفص وراء المنعطف بخمس خطوات واسعة، يضع كوعيه على ركبتيه ويركز ذقنه على راحتيه، ويغمض عينيه قليلاً، يقرفص هناك منذ لم يعد كلباً صغيراً، ينتظر الولد الأشقر الذي يصل إلى المنعطف، يضع الطعام له، ويركض إلى درج بيته .. ما حكاية هذا الإنسان؟
ثماني دقائق:
خرج السيد علي متعباً من عمله، استاجر سيارة تقله إلى منزله، وعندما وصل تفاجأ بأنه قد نسي المفاتيح في مكتبه، رآه البواب وعلم منه ذلك فاقترح عليه أن يقفز من الشرفة المجاورة إلى شرفته ويفتح له باب شقته من الداخل، وافق السيد علي عندما رأى ثقة البواب تيسير بنفسه لتبدأ مغامرة تيسير الذي سرعان ما بدأ يفقد ثقته بنفسه ويشك بقدرته على القفز من شرفة إلى أخر مجاورة.
أكتاف الآخرين:
في طريقه إلى المطعم شعر أنّه يسير في عالم جديد كل شيء فيه جديد، صارت الحياة ممتعة، حتى التنفس صار أمراً ممتعاً، كل ذلك لأنه امتلك القوة ليقول " نعم" عندما سألوه " هل تريد أن تترك الحزب؟"، لقد تخلى عن ذلك الارتباط الغبي الثقيل الذي يعيش معظم الناس دونه، ولكنه لا يكتفي بذلك الشعور الجميل، إنما يحقد على الناس الذين عاشوا طيلة فترة حياتهم يتمتعون بالراحة والسلام الداخلي.
ستة نسور وطفل:
يتنقّل مدرس موسيقا بين قرى ثلاث ليعطي دروساً في مدارسها، وفي أحد الأيام أخبره أحد الركاب عن قصة صخرة مدببة تنتصب فوق تلة صغيرة، وفي يوم آخر أخبره راكب آخر عن قصة أخرى لتلك الصخرة، وبعد فترة أصبح يعرف الكثير من القصص التي تروى عن تلك الصخرة، وألّف هو ذاته قصة مختلفة عن تلك الصخرة .. فما هي القصة الحقيقية لتلك الصخرة؟
القط:
كان جالساً في القهوة فخطر له فجأة أن يذهب إلى سميرة، دفع مقعده وقام إلى الطريق، وهو في طريقه إليها هجمت فكرة خبيثة على رأسه .. " تذهب إلى سميرة لأنه ليس ثمة مكان آخر تذهب إليه .. الفراغ هو الذي يأخذك إليها " ..ابتسم بكبرياء و طرد الفكرة من رأسه .." أنا ذاهب إليها لأنني أريد أن أذهب إليها " .. إنه يذهب إلى سميرة دائما"، حتى يوم توفي والده ذهب إلى سميرة، إنه يعتقد أنها الحقيقة المطلقة، وأنّه ليس ثمة حقيقة على الإطلاق سواها، لكنه في الأيام الماضية كان يفقد رغبته بسميرة حين يقرع بابها ويتم كل شيء دون أية رغبة، أما الآن فكل شيء على مايرام حسب اعتقاده، كان يعتقد أن كل شيء على مايرام إلى أن ظهر ذلك القط المسكين الذي كانت في عينيه نظرة استسلام غريب وانتظار.
الخراف المصلوبة:
كل الأبعاد التي امتدت أمام بصره بلا نهاية كانت تحترق في شمس الصيف الملتهبة، الغبار كان يصفع نافذة السيارة باتصال، كانت رحلة قاسية تشق طريقها وسط صمت الصحراء، لقد كان طبيباً من الأطباء الذين تم اختيارهم ليرافقوا بعثة الحج، وفجأة ظهر من العدم بدوي مع خرافه التسعة وسط الصحراء ،تباطأت السيارة ثم وقفت إلى جانبه، هبط الركاب من السيارة وذهبوا غليه ليطمئنوا عليه أو ربما بدافع الفضول، وفي النهاية أعطى هذا البدوي الضائع في الربع الخالي هؤلاء المثقفين درساً صغيراً .. ما هو هذا الدرس؟
اسم الكتاب : موت سرير رقم 12
اسم المؤلف : غسان كنفاني
تاريخ النشر : 1961
عدد الصفحات : 194