الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
العجز التوأم
يُعتبر مصطلح العجز التوءم من أكثر المصطلحات المتداولة في الاقتصاد الكلي، فما معنى هذا المصطلح؟ وما هو تفسير هذه الظاهرة؟ وهل عانت سورية منها؟
تعتمد الحكومات في معظم الدول النامية والمتقدمة على السياسة المالية كأداة لتحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية كتخفيض البطالة وتحقيق النمو الاقتصادي، ويترافق هذا في معظم الحالات بعجز كبير في الموازنة. ويُعرف عجز الموازنة بأنه المقدار الذي تتخطى به النفقات العامة للدولة الإيرادات العامة، وقد يحدث عجز الموازنة إما نتيجة انخفاض الإيرادات أو زيادة النفقات العامة أو كليهما معاً(Perry، 2014). عانت الولايات المتحدة خلال الثمانينيات من عجز كبير في الموازنة مع عجز كبير في الحساب الجاري، دفع هذا الاقتصاديين إلى دراسة ظاهرة الظهور المتزامن للعجزين في الاقتصاد والتي أُطلق عليها ظاهرة العجز التوءم.
ولكن ما هو الحساب الجاري؟ يشتمل هذا الحساب على كافة المعاملات التي تتضمن قيماً اقتصادية وتقع بين جهات مقيمة وجهات أخرى غير مقيمة، وينقسم إلى البنود التالية: السلع والخدمات، الدخل والتحويلات الجارية، وبالتالي يحدث العجز في الحساب الجاري عندما تتخطى القيم الاقتصادية المدفوعة للعالم الخارجي القيم الاقتصادية المتحصل عليها من العالم الخارجي، وباعتبار أن الميزان التجاري المعبر عنه بالصادرات والواردات هو أحد أهم مكونات الحساب الجاري فإن تخطي الواردات للصادرات يسبب العجز في الحساب الجاري.
بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، شهدت العديد من الاقتصادات الأخرى ظاهرة العجز التوءم، حيث واجهت ألمانيا والسويد على سبيل المثال في أوائل التسعينات ارتفاع في عجز الموازنة ترافق مع ارتفاع في عجز الحساب الجاري. ولم تكن الدول الأفريقية في معزل عن هذه الظاهرة أيضاً، حيث واجهت ارتفاع في عجز الموازنة والحساب الجاري في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. كما عانت باكستان من عجز في الموازنة واعتبر هذا العجز السبب الرئيسي للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها، وقد ترافق هذا العجز مع عجز في الحساب الجاري خلال العقدين الماضيين .
هل توجد حالة معاكسة حيث ممكن أن تعاني الدولة من فائض في الموازنة يترافق مع فائض في الحساب الجاري؟
بالتأكيد، كما يعتبر هذا المؤشر من المؤشرات الجيدة اقتصادياً، وتعتبر الصين من الدول التي عانت لفترات طويلة من فائض في كل من الموازنة والحساب الجاري.
وعلى الرغم من إطلاق مصطلح العجز التوءم إلا أن هذين العجزين يمثّلان مصطلحان مختلفان اقتصادياً، حيث يعبّر عجز الموازنة عن العجز المالي، وعموماً لا يعتبر عجز الموازنة مؤشراً جيداً اقتصادياً (يعتبر عدد كبير من المستثمرين المحافظين والسياسيين أنّه مؤشر سلبي للاقتصاد)، ولكن يوجد فريق من الاقتصاديين والسياسيين يعتقد أن ازدياد العجز نتيجة التوسّع في الإنفاق الحكومي ممكن أن يكون ذي نفع في حالات الركود، حيث يساعد على تمويل مشاريع البنى التحتيّة وبالتالي ازدياد معدلات التوظيف والمداخيل والإنفاق ودفع عجلة الاقتصاد للأمام. غالباً ما تموّل الحكومة العجز عن طريق إصدار سندات، يقوم المستثمرون بشراء هذه السندات وإقراض الحكومة الأموال مقابل الفائدة العائدة على هذه السندات.
أما بالنسبة إلى عجز الحساب الجاري فهو لا يمثل فقط تكلفة تدفع من قبل الدولة إلى الدول الأخرى، وإنما يمكن أيضاً الدول المصدرة للسلع والخدمات من السيطرة على الاقتصادات المستوردة، عن طريق تطبيق ضغط مالي وسياسي عليها. ولكن هناك وجهة نظر أخرى تعتبر أن عجز الحساب الجاري يجب أن يكون ملائم لدورة الاقتصاد. ففي حالات الكساد يساعد التصدير على خلق وظائف ومداخيل جديدة وهو ما يحتاجه الاقتصاد. أما في حالات التوسع من الممكن أن يؤمن الاستيراد منافسة في الأسعار مع المنتجين المحليين وهو ما يخلق ضبط تلقائي للتضخم. كما يمكن أن يكون هذا العجز نتيجة استيراد بعض المواد الأولية والتي سوف يتم إعادة تصنيعها وتصديرها مستقبلاً وبالتالي لا يعتبر أن أثره بسلبي.
بالتالي نشأت فرضية العجز التوءم نتيجة ترافق وتكرر حدوث هاتين الظاهرتين سوية، ولكن ما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة؟
بحسب فرضية العجز التوءم التي تستند إلى نموذج (Mundell-Fleming) الاقتصادي، إن عجز الموازنة هو الذي يؤثر ويؤدي إلى زيادة عجز الحساب الجاري، حيث أنه وفي حال حدوث عجز في الموازنة ستقترض الدولة من القطاع الخاص أو من دول أخرى، وبالتالي ستتناقص المدخرات الوطنية (العامة والخاصة)، ومع انخفاض المدخرات سترتفع أسعار الفائدة لجذب المدخرات القليلة مما يؤدي إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية وهذا يسبب زيادة الطلب على العملة الوطنية وبالتالي ارتفاع قيمتها، مما يجعل أسعار الواردات أقل من أسعار السلع المحلية فيزداد الطلب عليها وينخفض بالمقابل الطلب على الصادرات الوطنية، وتكون النتيجة ازدياد العجز في الحساب الجاري.
بينما تقترح فرضيات التكافؤ الريكاردي - والتي تخالف فرضيات العجز التوءم- أنه لا توجد أي علاقة بين عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري، لأن أثر التخفيض الضريبي الحالي أو زيادة الإنفاق (الأسباب المتوقعة لازدياد العجز) لا تغير من رغبات الاستهلاك والادخار لدى الأفراد، حيث يتوقع الأفراد العقلانيون أن التخفيض الضريبي الحالي أو إصدار السندات لتمويل زيادة الإنفاق سيشكلان عبء ضريبي على الدخل في المستقبل، وبالتالي سيزيد الأفراد من الادخار لمقابلة هذه العبء في المستقبل. إذاً سيعوض الانخفاض في الادخار الحكومي بزيادة مماثلة له في الادخار الخاص وبالتالي لن تتغير المدخرات الوطنية. وفي هذه الحالة لن يكون لعجز الموازنة تأثير على الحساب الجاري.
لنتساءل الآن ما مدى صحة هذه النظريات على أرض الواقع؟
ركزت معظم الأدبيات على مناقشة الافتراضين السابقين باعتبارهما يشكلان الافتراضان الأساسييان للعلاقة بين العجزين، لكن لا بد من الإشارة إلى أنه يوجد افتراضين آخرين بخصوص العجز التوءم، الأول يعتبر أن عجز الحساب الجاري هو الذي يسبب عجز الموازنة باعتبار أن انخفاض الصادرات الناتج عن عوامل أخرى غير عجز الموازنة يفرض على الحكومة زيادة الإنفاق كما يؤدي إلى انخفاض إيرادات الدولة نتيجة الضرر الذي يلحق بالاقتصاد. أما الثاني فيعتبر أن العلاقة سببية باتجاهين بين العجزين أي أن كل منهما يسبب الآخر ويتأثر به.
حالة سورية
عانت سورية من عجز في الموازنة ترافق مع عجز في الحساب الجاري ولكن هل كان ترافق هذه الظاهرتين محض صدفة أم أن أحدهما سبب الآخر؟
حاولت عدة دراسات عملية اختبار أي هذه الافتراضات هي الصحيحة بالنسبة إلى سورية، ولكن النتائج لم تكن حاسمة، حيث في دراسة نشرت عام 2006 تناولت سورية بالإضافة إلى عدة دول أخرى من الشرق الأوسط بينت النتائج أنه لا وجود لأي علاقة فعلية بين هذين العجزين وأن ترافقهما هو محض صدفة وهو ما يتفق مع المقترح المستند إلى فرضيات التكافؤ الريكاردي. بينما بينت دراسة أخرى عام 2014 تناولت أيضاً عدة دول منها سورية وجود علاقة بين عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري في سورية وأن عجز الموازنة هو الذي يسبب عجز في الحساب الجاري وهو ما يتفق مع التحليل المستند لنموذجMundell-Fleming.
هذا ويوجد اختلاف في نتائج الدراسات المطبقة على أي دولة والتي أظهرت أن هذه العلاقة غير حاسمة، ولكن يمكن أن نلاحظ أن هذه العلاقة غير ثابتة عبر الزمن وهذا ما أثبتته دراسة تناولت هذه العلاقة في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى قرنين، حيث اختلفت طبيعة العلاقة بين العجزين عبر الزمن وذلك تبعاً للتغيرات الاقتصادية الكلية الأخرى.
ما أهمية معرفة طبيعة هذه العلاقة واتجاهها؟
تعتبر هذه العلاقة مهمة بالنسبة إلى صناع السياسة المالية، ففي حال كان عجز الموازنة يسبب عجز الحساب الجاري فإن اتباع سياسة مالية تنطوي على عجز كبير سوف تؤثر سلباً على وضع الحساب الجاري وفي هذه الحالة على صناع السياسة وضع هذه النقطة في الحسبان حسب الخطة والأهداف الاقتصادية المراد تحقيقها. كما أن هذه العلاقة ما تزال تشوبها الشكوك حول طبيعتها واتجاهها وهو ما يستوجب البحث والتحليل العميق للوصول إلى نظريات ونتائج حاسمة تساعد على اتخاذ الإجراءات الاقتصادية المناسبة.
المراجع
Perry، Nathan (2014). Debt and Deficits: Economic and Political Issues. Tufts University: Global Development and Environment Institute.
El_Baz، Osama (2014). Empirical Investigation of the Twin Deficits Hypothesis: The Egyptian Case (1990_2012). Egypt: The Egyptian Center for Economics studies. No. 53428.
Eldemerdash، Hany; Maioli، Sara; Metcallf، Hugh (2014). Twin Deficits: New Evidence from a Arab World. Newcastle University Business School.
Ngangue، Ngwen; Tchouassi، Gerard (2015). Internal Deficit-External Deficit Nexus in Africa: 1960-2012. Canadian Center of Science and Education: International Journal of Economics and Finance. Vol. 7، No. 6.
Antonakakis، Nicolaos; Cunado، Juncal; Gupta، Rangan; Segnon، Mawuli(2016). Revisiting the Twin Deficits Hypothesis: A Quantile Cointegration Analysis over the Period of 1791-2013. University of Pretoria: Department of Economics