الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل يبدو الفضاء حقًا بهذا الجمال والروعة؟
هناك الكثير من صور الفضاء الرّائعة والمنتشرة في التّلفاز والأفلام ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولكن هل يبدو الفضاء حقًا بهذا الجمال والروعة؟ هل هذا ما سنراه لو سافرنا إلى الفضاء؟
ٍحسنًا، نوعًا ما … دعونا نبدأ بإلقاء نظرةٍ على هذه الصّور الرّائعة للسُدم والنّجوم الوليدة، وبالطّبع لا يمكننا الحديث عن هذه الصّور الفضائيّةِ دون إلقاء نظرةٍ سريعة ّعلى الطّيفِ الكهرومغناطيسي!
يُعتَبرُ الضّوءُ شكلًا من أشكال الإشعاع الكهراطيسيّ الّذي يتألّفُ مِن مُركّباتٍ ذاتِ أطوالٍ موجيّة مُختَلِفة. تُمثِلُ هذه الصّورة الطّيف الكهراطيسيّ مُتضمّنةً كلَّ أنواعِ الإشعاع وتردداته. وكما تلاحظ عزيزي القارئ في الصّورة يقع الضّوء المرئيّ الّذي يمكن للعينِ البَشريّة إدراكهُ والاستجابة لهُ، ضِمنَ مجالٍ محدودٍ جدًّا في الطّيف الكهرومغناطيسيّ. لكنّ العُلماء بحاجةٍ إلى معلوماتٍ أيضًا عن الأمور الّتي لا نستطيع رؤيتها على طرفي هذا المقياس، من أمواج تحت حمراء وسينيّة وغيرها؛ لذلك يستخدم العلماء أنواعًا خاصّة من التّلسكوبات الّتي يمكنها رؤية هذه الأطوال الموجيّة الّتي لا نستطيع نحن البشر إدراكها بأعيننا. يقوم العلماء بتلوين هذه المعلومات بألوانٍ يمكننا رؤيتها مع الحفاظ على الألوان النسبيّة ثابتةً. إنّ هذا لا يعني أنّها ليست حقيقيّة، إنّ الأمر مشابه لعزفِ أغنيتك المفضلة على آلةٍ مختلفة بحيث تبدو لك مختلفة ولكنّها في الحقيقة ما زالت الأغنية ذاتها.
يمكن لتلسكوب هابل على سبيل المثال أن يرى الضّوء المرئيّ مثلنا نحن البشر، لكن باستخدام أدواتٍ متخصّصة يمكنه أيضًا أن يرى الأشعة فوق البنفسجيّة والأشعة تحت الحمراء. تلتقط حسّاسات الكاميرا الرّقميّة لتلسكوب هابل المعلومات على هيئة صورةٍ بتدرجات اللّون الرماديّ ... نعم! تلك هي صور هابل المذهلة … ليس لها لون.
يقوم علماء الفلك بجمع البيانات اللّونيّة لهذه الصّور وضبطها وفق الأطوال الموجيّة المعروفة، وبالجمع بين
البيانات اللّونيّة لعدّة صورٍ وجمع اللّقطات المختلفة مع بعضها البعض نحصلُ على صورةٍ كاملة.
تُعدّ هذه الصّورة مثالاً جميلًا حول هذا الموضوع إذ نرى صورتين مختلفتين لِأعمِدة الخلق الثّلاثة الّتي هي عبارةٌ عن مناطق ضمن سديم النّسر تتشكّل فيها النّجوم.
الصّورة على اليسار هي بالألوان المرئيّة، أمّا الصّورة على اليمين فهي صورةٌ بالأشعة تحت الحمراء. إنّ الرّؤية بالأشعة تحت الحمراء تُمكّّن العلماء من مشاهدة النّجوم المتشكّلة داخل أعمدة الخلق مباشرةً ، عبر الغاز والغبار الذي يمنعنا من الرّؤية.
لذلك فإنّ الفضاء يبدو مِثل هاتين الصّورتين معًا، ولكنّهُ أيضًا لا يبدو مثلهما تمامًا ... لأنّنا ولكي نحصل على صورةٍ للفضاء يجبُ علينا معالجةُ ما يلتقطهُ التّلسكوب الفضائيّ وإضافة العديد من الألوان الّتي تميّز البيانات المختلفة من أجل الحصول على هذه التّفاصيل الغنيّة.
ولكن، تجدر الإشارة إلى وجود نوعٍٍٍ آخر من صور الفضاء. الصّور المستخلصة فنيًا. إنّ هذه الصّور هي الأكثر إثارة، وهي أيضًًا تتطلّب تخمينًا أكثر. دعونا نأخذ هذه الصّورة لنظام ترابيست- ف1 كمثال.
تصدّر عناوينَ الأخبارِ العلميّةِ في بداية العام 2017، خبرُ رصدِ سبعةِ كواكبَ خارجيّةٍ بحجمِ الأرضِ تقريباً تدورُ حول نجمٍ أحمر خافت لم يرصدهُ علماء الفلك سابقاً بالرّغم من أنّهُ يقع على بعد 39 سنة ضوئيّة فقط.
لقد عثرَ الفلكيّون سابقاً على أنظمةٍ نجميّةٍ متعدّدة الكواكب، لكنّ الأمر الّذي يميّز هذا الاكتشاف الجديد هو أنّ الكواكبَ قريبة من حجمِ الأرض، وتدورُ بمدارات مناسبة البُعد عن النّجم ترابيست، لدرجةٍ تجعلنا نعتقد بوجودِ الماء السّائل على سطحها.
الكوكب ترابيست ف1 هو جزءٌ من النّظام النّجميّ ترابيست، وهذه الصّورة تظهر سطح هذا الكوكب، لكن كيف عرف العلماء كيف يبدو السّطح؟
حسنًا نحن لا نعرف بالطّبع كيف يبدو سطح هذا الكوكب، لأنّنا لا نملك بيانات واضحة حول هذا الكوكب إذًا، من أين جاءت هذه الصّورة؟
إنّ هذه الصّورة هي ما توصّل إليه العلماء مع مجموعةٍ من الفنانين. أوّلًا، استخدَم عُلماء الفلك تلسكوب سبيتزر لتقدير كتلة الكوكب، و كثافته، وتوصّلوا إلى أنّه على الأرجح كوكبٌ صخريّ. ثمّ، بدراسةِ ظاهرة العبور (عبور الكوكب من أمام نجمه المضيف)، استنتج العلماء بأنّ الكوكب يدور بالقرب من نجمهِ المضيف، وهو أقرب من عطارد للشّمس لدينا، وبالتّالي فإنّ نجمهُ سيبدو من على سطحه كبيرًا في السّماء. ولكن بما أنّ هذا النّجم هو قزمٌ فائق البرودة، لذلك من الممكن وجود مياهٍ سائلة على سطحه، لذلك أضافوا المياه إلى الصّورة أيضًا.
وأخيرًا، بما أنّ الكواكب الأخرى تدور في مدارٍ قريب من الكوكب ف1، فلا بدّ أن تكون مرئيّة بشكلٍ واضحٍ في سماء هذا الكوكب ليلًا. هذه هي قصّة هذه الصّورة الفنيّة الجميلة، وحتّى لو كانت هذه الصّور ليست دقيقةً بالضّبط فإنّها تعطينا معلوماتٍ حيويّةٍ عن الفضاء، وتجعلنا نتحمّس للعثور على أشياء جديدة في الفضاء.
ما هي صورتك الفنيّة المفضلة للفضاء والّتي ترغب أن تكون حقيقيّةً بكلِّ تفاصيلها؟ اطّلعنا عليها في التّعليقات أدناه .
المصادر: