البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
الخلايا العصبية: سلوكيات متماثلة وآليات مختلفة
ترتبط الخلايا العصبية ببعضها البعض لتشكل الشبكات العصبية المسؤولة عن تصرفاتنا وسلوكياتنا. ولكن هل يعني ذلك بالضرورة أننا إذا قمنا بسلوكيات متماثلة فستكون آليات صنع هذه السلوكيات متماثلة أيضاً؟
سعياً وراء فهمٍ أفضلَ لآلية عمل الشبكات العصبية قام كلٌ من أكيرا ساكوراي (Akira Sakurai) وبول كاتز (Paul Katz) من معهد علوم الأعصاب في ولاية جورجيا، بدراسة أدمغة الرخويات البحرية، وعلى وجه التحديد الدود البزّاق (nudibranchs)، الذي يمتلك خلايا عصبيةً كبيرةً تُشكل دوائر وشبكات بسيطة والتي بدورها تنتج سلوكيات وتصرفات بسيطة وغير معقدة في آلياتها.
أثناء هذه الدراسة، تم فحص أدمغة هذه المخلوقات البحرية وكيفية صنعها لسلوك السباحة ووجدوا أنه على الرغم من أن دماغ نوعين مختلفين من هذه المخلوقات – الدود البزاق العملاق (the giant nudibranch) و الدود البزاق ذو الغطاء (the hooded nudibranch) – كانا يملكان نفس الخلايا العصبية، بل وحتى أن سلوكياتهم كانت هي نفسها، إلا أن طريقة ارتباط خلاياهم ببعضها كانت مختلفة.
وقام الباحثون بمنع بعض الاتصالات العصبية في الدود البزاق العملاق باستخدام مركبٍ شبه قلويّ سام (وهو عبارة عن سمٍّ لشلِّ الحركة كان يضعه السكان الأصليون لأمريكا الجنوبية على رأس سهام الصيد)، فقام بمنع دماغ الديدان البزاقة العملاقة من إنتاج نمط معين من النبضات التي من شأنها أن تسبب عادة سلوك السباحة لدى الحيوان. ثم قاموا بإدخال أقطاب كهربائيةٍ سالبة (electrodes) في خلاياه العصبية لخلق اتصالات اصطناعية بين خلايا الدماغ ولكن مع جعلها تحاكي الاتصالات الخاصة بالديدان البزاقة المقنعة. والعجيب أن الدماغ كان قادراً على إنتاج نشاط بديل متناغم ما من شأنه أن يصنع سلوك السباحة، وذلك يدل على أنه و باستخدام آلياتٍ دماغيةٍ مختلفة تماماً مازال يمكن لهذين النوعين أن ينتجا نفس السلوك (سلوك السباحة الخاص بهم). ونشرت هذه النتائج في مجلة (Current Biology) بتاريخ 19 حزيران 2017م.
ويقول كاتز، المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ بمعهد علوم الأعصاب في ولاية جورجيا: "من الطبيعي افتراض أن السلوكيات المتماثلة والمتشابهة في هيئتها تنتج عن آليات عصبية متماثلة". ويضيف قائلاً: "ولكن ما تظهره هذه الدراسة والدراسات السابقة أن التوصيلات العصبية في نوعين مختلفين من الرخويات البحرية تختلفُ اختلافاً كبيراً عن بعضها البعض، حتى وإن كانت خلاياهم العصبية وسلوكياتهم متماثلة، وبالتالي فإن تطور الدوائر العصبية الصغيرة يمكن أن يلعب دوراً في تطور سلوكيات الكائنات".
وتعدُّ نتائج هذه الدراسة هامةً لعدة أسباب. أولاً، لأنها تُظهر أنه وعلى مدى التطور الذي تعرضت له الكائنات، من الممكن أن يحافظ الكائن على القيام بالسلوكيات نفسها، ولكن بالمقابل فإنَّ الأساس العصبي الكامن وراء هذه السلوكيات يمكن أن يتغير من كائنٍ لآخر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأعمال الأخرى التي قام بها هؤلاء الباحثون ومختبر كاتز قد أكدت الاستنتاج القائل بأن الخلايا العصبية ظلّت محفوظةً كما هي، ولكنها تختلف في وظيفتها عبر الأنواع. وهو الأمر الذي سيؤثر على استقراء نتائج هذه الأعمال عبر الأنواع بشكل عام، فيتعين علينا توخي الحذر في افتراض أن الآليات العصبية ظلت مصانةً دون تغيّر، حتى وإن ظلّت مناطقُ الدماغ والسلوكيات الموجودة ثابتة.
كما قام الباحثون بنشر نتائج من عملٍ مماثلٍ في مجلة (Journal of Neurophysiology). وأفادوا أن التوصيلية العصبية بين نفس الخلايا العصبية في نوعين مختلفين من الرخويات البحرية تختلف بشكل مستقلٍ عن سلوك الكائن الحي والتاريخ التطوري له. مما يعني أن تشابهنا في سلوكياتنا وتصرفاتنا وحتى في تاريخنا التطوري لا يعني ابداً كون الوصلات العصبية في أجسامنا ترتبط بطريقة متشابهة أو حتى كونها تعمل بنفس الآلية.
المصدر:
الورقة البحثية: