الهندسة والآليات > التكنولوجيا
الآن أصبح بإمكانك جعل السّوائل والحشرات تطفو في الهواء في منزلك
نذكر بدايةً أنّ تفاصيلَ بناءِ هذا الجهازِ نُشرت في مجلّةِ مراجعةِ الأدواتِ العلميّةِ Review of Scientific Instruments، ويمكنُ الاطّلاعُ عليها من خلالِ العنوان التّالي هنا.
Asier Marzo et al. TinyLev: A multi-emitter single-axis acoustic levitator، Review of Scientific Instruments (2017). DOI: 10.1063/1.4989995
ولكن ماهي طريقةُ عملِ هذا الجهاز؟
مبدأ عملِ الجهازِ
كنّا قد ذكرنا بأنّ الجهازَ يعتمدُ على الأمواجِ فوقِ الصّوتيّةِ، ونعني بذلكَ استخدامَ طاقةِ الأمواجِ فوقِ الصّوتيّةِ العاليةِ لدفعِ الجزيئات من كلِّ الاتّجاهاتِ بحيث تبقى عالقةً في الهواءِ. يُدعى هذا المبدأُ بالسّباحةِ الصّوتيّةِ acoustic levitation، ولكن ماهو هذا المبدأ بالضّبط؟
يعتمدُ مبدأُ السّباحةِ الصّوتيّةِ على استخدامِ موجتَين صوتيَّتَينِ لهما نفسُ التّردُّدِ والسّعةِ، ولكن باتّجاهينِ مُتعاكسينِ في توليدِ ما يُسمى بالأمواجِ الدّائمةِ (Standing Waves). تمتلكُ الأمواجُ الدّائمةُ عدَّةَ قممٍ، تتأرجحُ بين ضغطٍ منخفضٍ وضغطٍ مرتفعٍ، ويمكنُ استخدامُ هذه الأمواجِ في دفعِ جسمٍ ما إلى الأعلى عكسَ قوّةِ الجاذبيّةِ.
تعتمدُ تِقنيّةُ السّباحةِ الصّوتيّةِ على حجزِ الجسمِ، أي تعليقِهِ في عقدةِ الضَّغطِ – في المكانِ الأمثلِ الّذي يكونُ عندَهُ ضغطُ الأمواجِ الدّائمةِ ثابتًا لا يتغيّرُ على الإطلاق – فتقومُ الأمواجُ الدّائمةُ تحتَ الجسمِ بعملٍٍ مشابهٍ لمضربِِ كرةُ الطّاولةِ، أي تضربُ الجسمَ بشكلٍٍ ثابتٍٍ إلى الأعلى.
لماذا فضّلَ فريقُ البحثِ مبدأ السِّباحةِ الصّوتيّةِ؟
هنالك في الحقيقةِ عدّةُ طرقٍ تسمحُ للأجسامِ بأن تطفو في الهواء، أهمُّ هذه الطُرقِ هي السّباحةُ المغناطيسيّةُ، ولكن للأسف لا يعمل هذا المبدأ إلّا مع الموادِ المعدنيّةِ الّتي يمكن أن تتفاعلَ مع المغناطيس، ممّا جعلَ فريقَ البحثِ يميل إلى السّباحةِ الصّوتيّةِ مع أنّ قدرتها على الرّفعِ أقلَّ من المغناطيسيّةِ، ولكنَّها تعملُ مع طيفٍ أوسعَ بكثيرٍ من الموادِ والأجسام ابتداءً بالسّوائلِ وانتهاءً بالحيوانات الحيّةِ.
لكنّ أكثرَ ما يميّزُ هذا الجهازُ الجديدُ ليس مبدأ عمله وإنَّما بساطتَه الشّديدة، حيث تمكّنَ فريقُ جامعة بريستول من بنائِهِ باستخدامِ حسّاساتِ ركنِ السّيّارةِ، وعناصرِ التّحكُّمِ بالمحركِ وبطاقةِ أردوينو Arduino وهيكلٍ مطبوعٍ بطابعةٍ ثلاثيّةِ الأبعادِ.
أمرٌ هامٌّ آخرَ قام به فريقُ البحثِ، وهو بناءُ دليلِ تعليماتٍ من أجلِ هؤلاءِ الّذين يريدونَ تجميعَ جهازِ طفوٍ خاصٍّ بهم في المنزلِ أو المدرسةِ. إنّ الإرشاداتِ ستمكّنُ أيَّ باحثٍ من تجميعِ جهازِ الطّفوِ الخاصِّ به وإجراءِ التّجاربَ حولَ السّباحةِ الصّوتيّةِ. لذلك كانت النّتيجةُ النّهائيّةُ عبارةً عن جهازٍ آمنٍ للاستخدامِ ولا يتأثَّرُ بتغيّراتِ درجات الحرارةِ والرّطوبةِ ويستطيعُ العملَ لفتراتٍ طويلةٍ جدًّا من الزّمن مُتيحًا المجالَ لإجراءِ تجاربَ كانت غيرُ ممكنةٍ سابقًا.
نختم مقالنا بما قاله الباحثُ Asier Marzo من جامعة بريستول، قسمُ هندسة الميكانيك شارحًا من خلالِه أهميّةَ هذا الجهازِ والجديدَ الّذي قدّمه:
"إنّ جعل العيّناتِ تطفو في منتصف الهواء يستطيعُ تحسينَ تشخيصِ الأمراضِ عن طريق عيّناتِ الدّمِ واكتشافِ بنيةِ الجزيئات. عادةً ما تكونُ العيّنةُ على شريحةِ المجهر وتُضاءُ بواسطةِ أشعةِ إكس x-rays أو اللّيزر أو نوعٍ آخرَ من الإشعاعِ وبذلك يتمُّ تحليلُ الجزءِ المنعكِسِ من الإشعاعِ، لكن مهما كانت شريحةُ المجهرِ رقيقةً وشفافةً ستبقى تتداخلُ مع عيّنةِ التّجربةِ. بالمقابل إذا جعلنا الجسمَ يطفو في الهواء، فإنَّ جميعَ الانعكاساتِ ستكونُ من العيّنةِ وحدها."
"اُكتشِفتِ السّباحةُ الصّوتيّةُ خلالَ مئاتِ الدّراساتِ في تطبيقاتِ الكيمياء الصيدليّةِ والبيولوجيا والمادّةِ البَيولوجيَّةِ، كانت أجهزةُ الطّفوِ تاريخيًّا مقتصرةً على عددٍ قليلٍ من المخابرِ البحثيّةِ، لأنَّها كانت تحتاجُ للتّخصيصِ والحذرِ في المعايرةِ وتتطلَّبُ جهدًا كهربائيًّا عالٍ، لكن الآن ليس فقط العلماءُ وإنِّما الطُّلّابُ أيضًا سيستطيعونَ بناءَ جهازِ الطّفوِ الخاصِّ بهم في المنزل أو المدرسةِ لاختبارِ وتجريبِ تطبيقاتٍ جديدةٍ للطَّفوِ الصَّوتيِّ."
المصدر:
مصدر المقالة المنشورة: