الطب > مقالات طبية
طلاب الطبّ بينَ مطرقةِ رغبةِ المريضِ وسندان الحاجة للتعلم
يعتبرُ ربطُ المعلوماتِ النّظريةِ بالتّدريبِ السريريّ لدى طلابِ الطبّ هو حجرُ الأساس في تمكينِ المعلوماتِ وبناءِ خبرةٍ عمليةٍ بسيطةٍ ضمنَ المرحلةِ الجامعيّةِ، ويتمُّ ذلك ضمنَ أروقةِ المشافي الجامعيّة التي تحتضنُ الطّلابَ بإشرافِ الأطباءِ الأختصايينَ والمدرسينَ وأساتذةِ الجامعةِ (من حملةِ شهاداتِ الدراساتِ العليا في الاختصاصِ الماجستير والدكتوراه أو الماجستير وحده) لتنميةِ مهاراتِ طبيبِ المستقبلِ من نواحيَ عدّةٍ ابتداءً من الفحصِ السّريريّ السّليمِ مروراً بالمقاربةِ والتّشخيصِ التفريقيّ وصولاً للتشخيصِ السّليم.
لكنّ هذه السلسلةَ تصطدمُ في أحيانٍ ليستْ بالقليلةِ بالمرضى ورفضُهم وجودَ طلاب الطبّ أو مشاركتهم بالإضافةِ لعدمِ السّماحِ لهم في بعضِ الأحيانِ بإجراءِ الفحصِ الجسديّ اللازمِ وهذا ما دفعَ بأساتذةٍ يعملونَ في جامعةِ دمشقَ* لإجراءِ دراسةٍ شملتْ ثلاثةَ مشافيَ جامعيةٍ في دمشقَ هي مشفى المواساةِ ومشفى الأسد الجامعيّ ومشفى التوليدِ الجامعي بعدد مرضى بلغ 400 مريضاً (125،100،175 موزعين على المشافي السّابقة بالترتيب) تمّ اختيارُهم عشوائياً بينَ شهريّ آذار ونيسان لعام 2011، وتمّ تصميمُ استبيانٍ خاصٍّ لهذه الدراسة تضمنتْ 46 بنداً متضمنةً مكانَ السّكن والحالة الاقتصادية والاجتماعية للمريض بالإضافة لموقف المريض اتجاه مشاركة طلاب الطب ومشاركتهم في الفحص السريري.
كان متوسّطُ أعمارِ المرضى في هذه الدّراسةِ 40.2 عاماً وكان 14.7% منهم قد تحصّلَ على تعليمٍ عالٍ أو أنهى دراسة جامعيةً، فيما كان معظم المرضى في هذه الدراسة من مدينة دمشق أو المناطقِ المحيطة بها بنسبة بلغتْ 62.3% من مجمل المرضى، أما العدد المُتَبقّي منهم قد جاء من مختلفِ المدن الأخرى في سوريا، يبينُ الجدول الآتي (المنشور ضمن الدراسة) تفاوتاً بين المرضى في المشافي الثلاث المذكورة سابقاً، حيث كان مرضى مشفى الأسدِ الجامعيّ أفضلَ من حيث الناحية الاقتصادية والاجتماعية مقارنةً بمشفى المواساةِ أو مشفى التوليد الجامعيّ.
Table 1: السمات العامة للمرضى تبعاً لكل مشفى: هنا
أما الجدولُ الآتي فهو يبيّنُ موقفَ المرضى من تعليمِ طلابِ الطبّ من حالاتهم والذي كان ذا طابعٍ إيجابي عموما مع اختلافٍ وتفاوتٍ واضحٍ بين المشافي الثلاث، 67.8% من المرضى أبدوا موافقةً لوجودِ الطلابِ، بينما كانت نسبةُ المرضى الذين أبدوا ارتياحاً لوجودِ الطلابِ 58.2% وكانت هذه النسبة أعلى (70.1%) في مشفى الأسد الجامعي. وقد أظهر الاستبيان أن سبب وجود ارتياحٍ من قبل المرضى لتواجدِ طلاب الطب ومشاركتهم يعودُ إلى الرغبة في حصول حالتهم على المزيد من الانتباه وبالتّالي مناقشتها بشكلٍ أطولَ بينما كان السببُ الرئيسُ لعدمِ الارتياحِ من مشاركتهم هو افتقادهم للخبرةِ اللازمة 90.5%. أما السببُ الرئيسُ لرفضِ المرضى تواجد الطلاب فكان بسبب رغبتهم بالشّعور بالخصوصية التي تعتبرُ مع الرغبة بالشعور بالثقة عند الفحص من قبل طبيب أو بإشرافه أهمَّ عاملين اتفقَ عليهما أكثر من نصفِ المرضى للموافقةِ على قبولِ إجراءِ الفحصِ من قبلِ طالب.
Table 2: موقف المرضى من طلاب الطب المتواجدين في المشفى: هنا
أسباب ارتياح أو عدم ارتياح المرضى لتواجد الطلاب
الأسباب التي قد تدفع المريض لرفض أو قبول الفحص من قبل طالب بإشراف طبيب
ولعلّ ما كان لافتاً في هذه الدراسةِ أن أغلبيةَ النساء في مشفى التوليد الجامعيّ 83.9% قد رفضْنَ الفحصَ من قبلِ الطّلاب خاصّةً عندما يكون الأمر يتعلقُ بفحصٍ لبعض أجزاء الجسم التي تعتبرها المرأةُ حسّاسةً، كما أشارَ الاستبيانُ المجرى إلى أنّ المرضى كانوا يفضّلون عدداً أقلَّ من المرضى أثناءَ الجولات مع الأطباء بالإضافة للسماح لطالبٍ أو اثنين فقط بالفحص.
Table 3: الإحصائيات المفضلة لدى المرضى من حيث عدد الطلاب وجنسهم
كانت كلُّ هذه الأرقامُ أرقاماً علميةً مجردةً خَلُصتْ إليها الدراسةُ، والآن جاء وقت ترجمتها إلى كلام مفهوم ونتائجَ مفيدةٍ نلخصها بعدة نقاط:
- يوجد تقبّلٌ عامٌّ لوجودِ طلبةِ الطبِّ والسّماحِ لهم بإجراء الفحوص من قبل المرضى بالرّغم من اختلافِ المستوياتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ للمرضى بين المستشفيات الثلاث.
- الشعورُ بالأمانِ والراحةِ لدى المرضى ارتبطَ بتواجدِ طبيب مختصّ مسؤولٍ عنهم.
- كان عاملُ الخصوصية هو السببَ الأوّل والرئيسَ الذي يُشْعِرُ المرضى بعدم الراحة لمشاركة طلاب الطب.
- جميع النساء المريضات أعربن عن تفضيلهم لطالبةٍ أنثى ورفضهم للذكور وخصوصاً في مشفى التوليد الجامعي*.
- تفضيل المرضى لعددٍ غيرِ كبيرٍ من الطّلابِ المتواجدينَ أثناءَ زيارةِ الاختصاصي بالإضافة لعددٍ قليلٍ من الطّلابِ الذين يُسمح لهم بالفحص السريري.
- لم يكن للخَلْفِيَّةِ الثّقافيّة أو الدينية للمرضى أيَّ تأثيرٍ على موقفِ المرضى من الطّلاب وتواجدهم.
في نهايةِ الدّراسةِ تمّتْ الإشارةُ إلى نقطةٍ مهمّةٍ، وهي إظهارُ عدمِ معرفةِ ما يقاربُ ثلثي المرضى لحقوقهم في رفضِ أو قبولِ تواجدِ طلاب الطب.
*الحاشية:
- الأساتذة المشاركون في هذه الدراسة: د. ريما السيد حسن، د. هيام بشور، د. عبير قدسي.
- يعتبر رفض النساء لفحصهن من قبل الذكور أمراً شائعاً في الدول الإسلامية، ولا يعود الأمر للجنس فقط وإنما يرتبط أيضاً بالمستوى التعليمي والميزات الاجتماعية والاقتصادية للمريض.
المصدر: