الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
مهووسو الأزياء يُسرفون.. والبيئيّون لهم بالمرصاد!
تتحرّكُ صناعةُ الأزياءِ أسرعَ مِن أيِّ وقتٍ مَضَى، فتُنْتَجُ الملابسُ بكميّاتٍ كبيرةٍ جدّاً لِتُصبِحَ أقلَّ تكلِفَةً جاذِبَةً المُستهلِكينَ لشِراءِ المزيد، وتتغيَّرُ التَّصاميمُ بسُرعةٍ للّحاقِ باتّجاهاتِ الموضةِ الحاليّة.
إذْ أظهرَتِ التّقاريرُ ازديادَ عددِ الملابسِ التّي يشتَريهَا الفردُ سنويّاً لأكثرَ منَ الثُّلُثِ في الفترةِ المُمتدّةِ بينَ عامَي 2000 و2006. ممّا تسبّبَ في منافسةٍ أكبرَ بينَ العلاماتِ التِّجاريَّةِ الشَّهيرةِ مثلَ H&M وZARA وغيرِهَا، ودَفَعَهَا إلى تقديمِ المزيدِ منَ المجموعاتِ الجديدةِ (new collection) كُلَّ عامٍ لتلبيةِ طلبَاتِ المُستَهلِكينَ ولهْفَتِهِمْ لمُواكَبَةِ المُوضة. فاختُزِلَتْ بذلكَ مُدّةُ وصُولِ الأزياءِ مِنْ مِنصَّةِ العَرضِ Catwalk إلى المُستَهلِكِ مِنْ سِتَّةِ أشهُرٍ إلى بِضْعَةِ أسابيعَ فقط. ووِفْقاً لوكالةِ حمايةِ البيئةِ الأميركيَّةِ أُنْتِجَ 15.13 مليون طنّ مِنْ نِفاياتِ المَنْسُوجاتِ عامَ 2013، أُعِيدَ استخدامُ 2.3 مليون طنٍّ مِنْها فقط، في حِينْ تَمَّ رَمْيُ 12.83 مليون طنٍّ دُوْنَ الاستِفادَةِ مِنْهَا.
الأمْرُ الذَّي حثَّ البيئيِّينَ على الوُقوفِ لمُواجهةِ التَّلوُّثِ النَّاجمِ عنْ صُنْعِ وصِباغَةِ الملابسِ وصِناعَةِ الأزياءِ، والسّعْيِ لإعادةِ تدويرِ هذهِ الأزياءِ بطريقةٍ تُحاكِي إعادةَ تدويرِ الورقِ، أو إنتاجِ منسوجاتٍ أعْلَى جُودةً مِنَ النَّسيجِ الأصْلِ وهوَ ما يُحاوِلُ عُلماءُ الجمعيَّةِ الكيميائيَّةِ الأمريكيَّةِ تحقِيْقَهُ خاصَّةً في ضَوْءِ رغْبةِ النَّاسِ إنْفاقَ قليلٍ مِنَ المَالِ لشِراءِ مَنسُوجاتٍ ذاتِ جُودَةٍ ردِيئةٍ لا تدوم، قدْ يُعادُ استخدامُ كمّيّةٍ صغيرةٍ مِنْهَا كقُماشٍ يُستَخْدَمُ للتَّنْظيفِ، ويَنتهِي مَطَافُ المُتَبقّي مِنْهَا إلى مَطَامِرِ النِّفاياتِ، فيَتَحلَّلُ مُحَرِّراً غازَ ثانِي أُكسِيدِ الكربونِ (مِنْ غازاتِ الدَّفِيْئَةِ الرَّئِيْسَةِ). إضَافَةً إلى التَّحدِّي الأبْرَز لمُواجَهَةِ الازدِيادِ السُّكَّانِيِّ بالاسْتِغْلالِ الأمْثَلِ للأراضِي الصَّالِحَةِ للزِّراعَةِ في إنتاجِ الغِذاءِ بَدَلاً مِنْ زِراعَةِ القُطْنِ.
شَكَّلَتْ هذهِ الأسْبَابُ حَافِزاً كَبِيراً لِبَذْلِ الجُهُودِ والتَّفْكِيرِ في برامِجَ فَعَّالَةٍ لإِعَادَةِ تدويرِ المَلابِسِ، فَقَامَتْ مُبَادَراتٌ أُخرى بتَمْزيقِ المَلابسِ المُسْتَعْمَلَةِ ودَمْجِ أّلْيَافِهَا في السُّجَّادِ أوْ غَيْرِهَا مِنَ المُنْتَجَاتِ، ولّكِنَّ اتِّبَاعَ هَذا النَّهْجِ لمْ يكُنْ مِثَالِيّاً واعتَرَفَ مُمَثِّلُو الصِّنَاعةِ في تقَارِيرَ إخباريّةٍ أنَّ نِسْبَةً صَغِيرَةً فقطْ أُعِيدَ تدويرُهَا مُقَارَنَةً بكمِّيَّةِ السُّجَّادِ المُتْلَفَةِ.
لِذَا لَجَأَ رئيسُ مَجمُوعَةِ أَبحَاثِ مَعَامِلِ التَّكْرِيرِ الحَيَوِيَّةِ في جامعةِ آلتو Aalto الفنلَندِيَّة، إلى استراتِيْجيَّةٍ أفْضَل تُدْعَى بـِ (upcycling)، وهِيَ تَجْدِيْدُ المَلابِسِ البَالِيَةِ لِتُصْبِحَ أَنْسِجَتُهَا أفْضَلَ مِمَّا كَانَتْ عَلَيهِ سَابِقاً وذلكَ لَيْسَ بإِعَادَةِ تَدوِيْرِهَا فقطْ، وإنَّمَا بإِنْتَاجِ أفضَلِ المَنْسُوجَاتِ المُمْكِنَةِ بأليَافٍ أفْضَلَ حتَّى مِنَ الأليَافِ الأَصْلِيَّةِ. ولَكِنَّ تَحقِيقَ هَذا الهَدَف لمْ يَكُنْ بَسِيْطَاً فَغَالِباً مَا يُخْلَطُ القُطْنُ والأليَافُ الأُخرى مَعَ البُولِيْستَر فِي الأقْمِشَةِ لِيُشَكِّلَ " مَزِيْجَ القُطْنِ والبُولِيستَر"، مِمَّا يُعَقِّدُ عَمَلِيَّةَ المُعَالَجَةِ.
أَظْهَرَتِ الأبْحَاثُ السَّابِقَةُ أَنَّ بِإِمْكَانِ العَدِيدِ مِنَ السَّوَائِلِ الأَيُوْنِيَّةِ (الشَّارِدِيَّةِ) حَلَّ السِّيلِلُوز، إلَّا أَنَّهُ لا يُمْكِنُ إِعَادَةُ اسْتِخْدَامِ المَوَادِّ النَّاتِجَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِصُنْعِ أليافٍ جَديدَة. ولَكِنْ، وَجَدَ البَاحِثُونَ قَبْلَ حَوَالِي خَمْسِ سَنَوَاتِ سَائِلاً أَيُونِيّاً (1،5-diazabicyclo [4.3.0] non-5-ene acetate) يُمْكِنُهُ أَنْ يُحِلَّ السِّيلِلُوزَ مِنْ لُبِّ الخَشَبِ، لِيُنْتِجَ مَادّةً يُمْكِنَ أَنْ تُنْسَجَ إلى أليَافٍ. وأَظْهَرَ الاخْتِبَارُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ أنَّ هذِهِ الأليَاف هِيَ أَقْوَى مِنْ أليَافِ فِيسْكُوز viscose* المُتَاحَةِ تِجَارِيّاً ومُمَاثِلَة لِأليَافِ لِيُوسِيل** lyocell، المَعرُوفَة أَيضاً بِاسْمِ العَلامَةِ التِّجارِيَّةِ TENCEL، وهِيَ الأليَافُ التَّي يُفَضِّلُهَا المُصَمِّمُونَ المُهْتَمُّونَ بالبِيئَةِ لِأنَّهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ لُبِّ الخَشَبِ.
واِعْتِمَاداً عَلَى هَذِهِ العَمَلِيَّةِ، أرَادَ البَاحِثُونَ مَعْرِفَةَ إِمْكَانِيَّةَ استِخْدَامِ هَذَا السَّائِلِ الأَيُونِيِّ عَلَى نَسِيْجٍ مُكَوَّنٍ مِنْ مَزِيْجٍ مِنَ القُطْنِ والبُولِيستَر. ولِحُسْنِ الحَظّ، كَانَ لِلخَصَائِصِ المُخْتَلِفَةِ لِلبُولِيستَرِ والسِّيلِلُوزِ دَوْراً إِيْجَابِيّاً، واستَطَاعَ العُلَمَاءُ حَلَّ القُطْنِ إِلَى مَحْلُولٍ سِيلِلُوزِيٍّ دُوْنَ التَّأْثِيرِ عَلَى البُولِيستَر، وأَمْكَنَ تَصْفِيَةُ البُولِيستَر بَعْدَ حَلِّ القُطْنِ، وإِزَالَةُ أليَافِ البُولِيستَر دُونَ أيِّ خُطُواتِ مُعَالَجَةٍ إضَافِيَّةٍ مِنَ المَحلُولِ السِّيلِلُوزِيِّ الذِّي يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَجَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أليَافٍ تُسْتَخْدَمُ في صِنَاعَةِ المَلابِسِ.
يَقُومُ فَريقُ عُلَمَاءُ الجَمْعِيَّةِ الكِيْميَائِيَّةِ الأمرِيكِيَّةِ للاِسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَسْوِيقِيّاً، باختِبَارِ إِمْكَانِيَّةِ نَسْجِ البُولِيستَرِ المُسْتَرَدِّ أيْضاً مرَّةً أُخرى إلَى أليافٍ صَالِحةٍ للاسْتِعمالِ. إضَافَةً إلَى عَمَلِهِم علَى تَوْسِيعِ نِطَاقِ العَمَلِيَّةِ بِرُمَّتِهَا، والتَّحْقِيقِ فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ استِخْدَامِ الأَصْبِغَةِ مِنَ المَلابسِ المُهْمَلَةِ.
لا يتطلَّبُ تَسويقُ العَمليَّةِ الدِّرَايَةَ الكيميائيَّةَ فقط. إنَّمَا تَكْمُنُ الصُّعُوبَةُ في مَعْرِفَةِ الصَّبْغَةِ المُسْتَخدَمَةِ في المَنْسُوجَاتِ، والّتي لا تُذكَرُ عادةً. إِضافَةً إلَى صُعُوبَةِ مُعالجةِ كلِّ أنواعِ الأَصْبِغةِ في عَمَلِيَّةٍ واحِدةٍ. لِذَا يَتَعيَّنُ علَى الصِّنَاعِيِّينَ العملُ مع أصْحَابِ القرارِ على إيجَادِ حَلٍّ في ظِلِّ كُلِّ هذِهِ القُمَامَةِ المُتَرَاكِمَةِ. وفي سبيلِ ذلِكَ، تلقّى البَاحِثَونَ دَعْماً مالِيّاً في مَشرُوعِ "تحويلِ القُمامَةِ إلى نقود" " Trash-2-Cash" التَّابِعِ للاتِّحادِ الأوروبِّيّ والحُكُومةِ الفِنْلَنديَّةِ. وعُقِدَ مُؤتَمَرٌ صحفيٌّ في الثَّالثِ مِنْ نَيسانَ المَاضِي لِلاستِفادةِ مِنَ مُخلّفَاتِ الملابِسِ. يُمكِنُكُم مُشاهَدَةُ المُؤتَمَر عبرَ الرَابِطِ التَّالي:
هامش:
: viscose*محلولٌ بُرتُقاليٌّ بُنِّيٌّ لَزِجٌ، يَنْتُجُ مِنْ مُعالجةِ السِّيلِلُوزِ مَعَ هيدروكسيدِ الصُّوديوم وثانِي كبريتيدِ الكربُون، ويُستَخْدَمُ كَأساسِ لِتَصنيعِ أليَافِ رايون و أفلامِ السَّيلِلُوزِ الشَّفَّافةِ.
**أليافُ ليوسيل lyocell: شَكلٌ مِنْ أشْكَالِ أليافِ رايون التَّي تتكوّنُ مِنْ أليَافِ السِّيلِلُوزِ المَصنُوعَةِ مِنْ حَلِّ لُبّ الخشَبِ المُبيَضّ.
المصادر: