الفيزياء والفلك > فيزياء
لماذا يسمح لنا الزّجاج برؤية الأشياء من خلاله؟
ينتشر الزّجاجُ بشكلٍ واسعٍ في حياتنا، وذلك لخصائصه المفيدةِ ومنها طبعًا كونه مادّةً شفّافةً، ورخيصةَ الثّمنِ وسهلةَ التّشكيلِ. إضافةً إلى أنّه يتمتَّعُ بمقاومةٍ لا بأسَ بها للتّسخينِ فضلًا عن كونه خاملًا كيميائيًّا لذلك لا يتفاعل مع الموادِ الموجودةِ بداخله، ولا ننسى طبعًا قابليَّته لإعادةِ التّدوير.
هل الزّجاج مادّةً صلبةً أو سائلةً؟
المادّةُ الصّلبةُ لها شكلٌ ثابتٌ وحجمٌ ثابتٌ في حين تتمتّعُ المادةُ السّائلةُ بحجمٍ ثابتٍ وشكلٍ متغيّرٍ. هذا ما درسناه في حصّةِ العلومِ للمرحلةِ الابتدائيّةِ، ولكنَّ الأمرَ في الواقعِ مختلفٌ قليلًا. تمتلك المادّةُ الصّلبةُ بُنيةً ذريّةً ثابتةً، وهناك أنواعٌ مختلفةٌ من البُنى الذّريّةِ لذلك تتصرّفُ الموادُ بشكلٍ مختلفٍ أيضًا. فقطعةٌ من الحديدِ لا تُشابِهُ في تصرُّفِها قطعةً من المطّاطِ، والسّببُ يعودُ لبُنيتيهما الذّريّتَين المختلفتَين. المادّةُ الصّلبةُ ذاتُ بُنيةٍ بلوريّةٍ منتظمةٍ في حينٍ تتمتّعُ السّوائلُ بجزيئاتٍ عشوائيّةِ التّركيب.
وبالعودةِ لسؤالنا تكمن الإجابةُ في تركيبِ مادّةِ الزّجاجِ إذ يُصنع الزّجاج من الرّمل، يمكنك تسخين الرّملِ المكوَّنِ في الغالبِ من ثُنائي أوكسيدِ السّيليكا، حتّى يذوبُ ويتحوّلُ للحالةِ السّائلةِ، لا تنتظر حدوث هذا في الشّاطئ لأنَّ درجةَ الحرارةِ الّتي نتحدَّثُ عنها تصلُ إلى 1700 درجةٍ مئويّةٍ.
وما إن يبردُ الرّملُ لا يعودُ لحالته السّابقةِ (حُبيباتٌ رمليّةٌ صفراء)، لأنّه خضعَ لعمليّةِ تحوّلٍ كاملةٍ مُكتسبًا بُنيةً داخليّةً مختلفةً تمامًا. بمعنى أنّه أصبحَ سائلًا متجمّدًا أو ما يصطلح عليه العلماءُ "مادةً صلبةً لا بلّوريّةً " أو "amorphous solid". وفي هذه الحالةِ لا تمتلكُ المادّةُ الصّلبةُ النّظامَ البلّوريَّ المنتظمَ الّذي تتمتّعُ به المعادن مثلًا، وهنا نجد إجابةَ سؤالنا فالزّجاجُ مادّةً تجمعُ بين النّظامِ البلّوريِّ للمادةِ الصُّلبةِ والعشوائيّةِ الجُزيئيّةِ للمادّةِ السّائلةِ.
كيف تحدث عمليّةُ الإبصار؟
يتألّف الضّوءُ من موجاتٍ كهرومغناطيسيّةٍ بأطوالٍ مختلفةٍ، ولكنَّ العينَ البشريّةَ تستجيبُ لِمدىً محدّدٍ من تلكَ الموجاتِ والّذي يُسمى الضّوء أو الطّيف المرئيّ، وكلُّ طولٍ موجيٍّ في هذا الطّيفِ يُمثِّلُ لونًا مختلفًا. يمتازُ الزّجاجُ بأنّهُ يسمحُ للضّوءِ المرئيِّ بالمرورِ عبرهُ ولكنَّهُ يمتصُّ الموجاتِ الأخرى مثل الأشعةِ تحتَ الحمراءِ وفوقَ البنفسجيّةِ. دعنا نتحدَّثُ عن هذه العمليّةِ على المستوى الذّريِّ.
من المعروفِ أنَّ الذَّرّةَ تتألَّفُ من فراغٍ واسعٍ تتوسَّطه نواةٌ وتحيطُ بها الإلكتروناتُ، وعلى الجانب الآخرِ يتألّفُ الضّوءُ من الفوتوناتِ والّتي تملكُ طاقةً بدورها، لذلك عندما تتفاعلُ الفوتوناتُ مع إلكتروناتِ أيّةِ ذرّةٍ تحدثُ إحدى الاحتمالاتِ الثّلاثةِ التّاليةِ:
· الإثارة: وتحدث حصرًا في حالةِ تساوي طاقةِ الفوتونِ مع طاقةِ الإلكترون، لينتقلَ الالكترونُ بعدها إلى مستوىً أعلى من الطّاقة، والّذي لا يلبثُ طويلًا فيه عائدًا بعدها إلى الأسفلِ ومطلقًا فوتوناتٍ بطولٍ موجيٍّ مختلفٍ والّذي كما قلنا سابقًا يُمثِّلُ لونًا معيّنًا تستجيبُ العينُ البشريّةُ له.
· الانعكاس: ويحدثُ عند عدمِ تساوي طاقةِ الفوتونِ مع طاقةِ الإلكتروناتِ لذلكَ تمتصُّ الإلكتروناتُ الطّاقةَ، وتهتزُّ مُطلقةً فوتوناتٍ بنفسِ الطّاقةِ، ولهذا يمكنكَ رؤيةُ انعكاسِ صورتِكَ على الزّجاجِ مثلًا.
· انعدامُ التّأثيرِ: وكما يتّضحُ من الاسمِ فما يحدثُ في هذهِ الحالةِ هو مرورُ الفوتوناتِ من الفضاءِ الواسعِ في الذَّرَّةِ وبالتّالي لا يحدثُ أيُّ تأثيرٍ.
تنطبقُ الحالتانِ الثّانيةُ والثّالثةُ على الزّجاجِ، فالضّوءُ يمرُّ عبرَ الذّرّاتِ كما لا تساوي طاقةُ الفوتونِ طاقةَ الإلكتروناتِ في ذرّاتِ الزُّجاجِ لذلكَ ترى انعكاسَ صورتِكَ في بعضِ الأحيانِ.
وربّما قد تساءلتم لماذا لا تسمحُ الفراغاتُ الموجودةُ في ذرّاتِ الموادِ الصّلبةِ بالسّماحِ للفوتوناتِ بالمرورِ عبرها؟ هنا يجب أن نتذكّرَ أنَّهُ على الرّغمِ من الفراغاتِ الواسعةِ إلّا أنّ الذّرّاتِ صغيرةً جدًّا، وعندما تنتظمُ لتكوّنَ هيكلًا منتظمًا فعندها تبدأ بالتّداخلِ فيما بينها، حيث يمنعُ التّداخلُ الفوتوناتِ من المرورِ عبرَ الذّرّاتِ. بالتّأكيدِ لا ينطبقُ هذا الكلامُ على كلِّ الموادِ الصّلبةِ فالمطّاطُ مثلًا يمكنهُ أن يصبحَ شفّافًا جزئيًّا عبرَ التّحكُّمِ في كثافةِ البنيةِ الذّريّةِ للمادّةِ بحيثُ لا تحجبُ الضّوءَ بشكلٍ كليٍّ.
المصدر: