الهندسة والآليات > التكنولوجيا
حساسات حرارة ذات استهلاك أقل للطاقة
طوَّر فريقٌ من مهندسي الالكترونيات في جامعة كاليفورنيا سان دييغو حساساً حرارياً يستهلك 113 بيكو واط فقط، أي أصغر بحوالي 10 بليون مرة من الواط وأقل بـ 628 مرة من التقنيات الحالية المستخدمة.
يسمحُ الحساس بإطالة عمرِ البطارية للعديد من الأجهزة كالأجهزةِ القابلة للارتداء أو الأجهزةِ التي تقوم بمراقبة حرارة الجسمِ وأنظمةَ المراقبة الذكية.
كما أنّه باستخدام التقنية الجديدة يمكن تصميمُ أجهزةٍ جديدةٍ تعتمدُ على مصادرَ منخفضةٍ للطاقةِ مثل الجسم البشري أو الوسط المحيط.
يقول البروفيسور المتخصصُ بالهندسةِ الكهربائية "Patrick Mercier" إنّ التقنيةَ ستجعلُ من الأجهزةِ القابلةِ للارتداءِ صغيرةً جداً وخفيةً بحيث لا يشعرُ المستخدمُ بوجودِها، كما أنّها ستلغي الحاجةَ لاستبدالِ أو إعادة شحن بطاريات هذه الأجهزة لأنّه سيتم تشغيلُها لسنواتٍ عديدة اعتماداً على بطارية صغيرةٍ فقط وهذا هو الهدف الذي يصبو إليه العلماء وراءَ هذه الدراسة.
تعملُ التقنيةُ الجديدةُ على تقليلِ الطاقةِ بالاعتمادِ على مصدرٍ للتيّار بالإضافةِ إلى طريقةٍ متطورةٍ لتحويلِ قيم الحرارةِ الفيزيائيةِ لقراءاتٍ رقميةٍ.
للحصولِ على تيارٍ كهربائيّ صغيرٍ لتشغيل الحسّاس، يتمّ استخدام التيارِ المتسرّبِ من بوابةِ الترانزستور، لكن، ما علاقة ذلك؟!
تمتلك الترانزستورات بواباتٍ الكترونيةً وظيفتها التّحكمُ بمرور التيار بين طرفيْ الترانزستور (الباعث والمجمع) ولكن مع تصغيرِ حجمِ الترانزستورات تصبحُ البوابةُ رقيقة جداً حتى أنّها تفقد قدرتها على منع تسرّب الالكترونات وبالتالي إيقاف مرور التيار، في ظاهرةٍ تعرفُ باسمِ "أثر النفق الكمومي" (Quantum Tunnelling Effect)*.
يعتبرُ هذا التيّارُ المتسرّبُ مشكلةً في التطبيقاتِ الالكترونيةِ مثل المعالجاتِ الميكروية والداراتِ التشابهية الدقيقةِ لما ينتجُ عنه من ضجيجٍ يمكنُ أن يؤثّر على دقّةِ وأداءِ القطع.
في الوقتِ الذي يسعى به كثيرٌ من العلماءِ إلى التّخلصِ من هذه المشكلةِ ومنعِ تسرّبِ التيار، يعملُ الباحثون في دراستنا هذه على استغلالِ الجانبِ الإيجابيّ منها، حيث استخدموا تلكَ التيارات المتسرّبة الصغيرة لتشغيلِ الحساسات سابقة الذكر.
باستخدامِ هذه المصادرِ الصغيرةِ للتيار، أوجدَ الباحثون طريقةً جديدةً أقلَّ استهلاكاً للطاقةِ لتحويل القيم الحرارية إلى قيمٍ رقميةٍ، حيث كانتْ الطرقُ التقليديةُ تعتمدُ على تمريرِ التيارِ ضمنَ مقاومةٍ متغيرةٍ وفقاً لدرجةِ الحرارةِ، ومن ثمَّ حساب هبوطِ الجهدِ على طرفيْ المقاومةِ الذي يتمُّ تحويلُه فيما بعد إلى درجة الحرارة المقابلة باستخدام محوِّل تشابهي رقمي.
عوضاً عن استخدامِ تلك الطرقِ الشرهةِ للتيار الكهربائي، ابتكرَ الباحثونَ طريقةً جديدةً مباشرةً وأقل استهلاكاً للطاقة، وذلك باستخدامِ منبعيْ تيار مصغرين، الأول يقومُ بشحنِ مكثفةٍ في وقتٍ ثابتٍ بغضِ النّظرِ عن درجةِ الحرارةِ بينما الثّاني يتغيّرُ زمنُ شحنه وفقاً لدرجة الحرارة حيث يُشحن أسرعَ في درجات الحرارة العالية وأبطأ في الدرجات المنخفضة.
يتكيفُ النظامُ مع تغيراتِ درجةِ الحرارةِ بحيث يقومُ المنبعُ المرتبطُ بدرجةِ الحرارةِ بالشحن بالزمنِ نفسه اللازم للمنبعِ الثابتِ، وهذا يتمُّ عن طريقِ دارةِ تغذيةٍ عكسيةٍ متضمنةٍ في النظامِ تقومُ بمساواةِ أوقاتِ الشحنِ للمنبعين عن طريقِ إعادة ربطِ المنبع المُتغيّر مع مكثفاتٍ ذاتِ سعاتٍ مختلفةٍ، حيث ترتبطُ سعةُ المكثفة بدرجةِ الحرارة.
مثلاً عندَ ارتفاعِ درجةِ الحرارةِ فإنّ المنبعَ المُتغيّر سيشحنُ بسرعةٍ أكبرَ وعندها تقومُ دارةُ التّغذية العكسية بالتّعويضِ عن طريقِ وصلِه مع مكثفةٍ أكبرَ تشيرُ بدورها إلى قيمةٍ رقميةٍ لدرجة الحرارة.
تمّ تصميمُ الحساسِ ضمنَ شريحةٍ بأبعادِ ( 0.15×0.15 ميلي مترا مربعا) ، وتعملُ في درجاتِ حرارةٍ تتراوحُ من 20 إلى 40 درجةً مئويةً، كذلك تمّ تجريبُ أربعِ شرائحَ منها حيثُ بلغَ استهلاكها فقط 113 بيكو واط بدقة تحسس 0.21 درجة مئوية ومعدل خطاً ±1.65 درجة مئوية.
تقتربُ النتائجُ السابقة جداً من الحساسات الحديثة الحالية لكن مع سلبيةٍ وحيدةٍ وهي زمن الاستجابةِ لتغيراتِ درجةِ الحرارةِ والذي يساوي تقريباً قراءةً واحدةً كلَّ ثانيةٍ وهو أقلّ عملياً، لكن مع ذلك تعتبرُ استجابةً كافيةً للحساسات التي تقيسُ درجةَ حرارةِ الجسمِ أو في التّطبيقاتِ المنزليةِ وغيرِها التي لا تتغيرُ فيها درجةُ الحرارة بسرعة.
الخطوةُ التّاليةُ للفريقِ هي زيادةُ دقةِ وسرعةِ هذه الحساساتِ وتحسينِ تصميمِها ليصبحَ من الممكن تركيبها في الأجهزة التجارية.
* تيارُ النفقِ الكموميّ: هو تيارٌ ينتجُ عندما يصطدمُ الالكترونُ بحاجزٍ لا يمكنه تجاوزه وفقاً للفيزياء الكلاسيكية نظراً لعدمِ امتلاكِه طاقةً كافيةً لاختراقِ هذا الحاجزِ، ولكن نظراً للسلوكِ الطيفيّ للالكتروناتِ فإنّ هذه الأمواجَ لا تتوقفُ تماماً عند الحاجزِ بل تصغرُ تدريجياً وهذا قد يؤدي لتسريبٍ إلى الجهةِ الثّانيةِ من الحاجزِ إذا كانَ الحاجزُ رفيعاً، وبازديادِ عدد الالكتروناتِ التي تصطدمُ بالحاجزِ يزدادُ احتمالُ وجودِ تيّارٍ متسرّبٍ إلى الجهةِ الثّانيةِ من الحاجزِ.
المصدر: