علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
سلسلة خرافات عن الدماغ: نصف الدماغ المسيطر
هل تحب العمليات الرياضية وتبدع في الحساب؟ إذا كان جوابك "نعم" فنصفُ دماغك الأيسر مسيطر.
أم أنك تحب الموسيقى والفنون؟ إذا كان جوابك "نعم" فنصف دماغك الأيمن هو المسيطر.
نظريةٌ وضعها Roger W. Sperry الذي حاز جائزة نوبل، وهي نظرية التخصيص الجانبي لوظائف الدماغ (lateralization) التي آمنّا بها سنوات عديدة وبنينا على أساسها عديدًا من مناهج التدريس وطرائقه؛ إذ قسّمت المتعلمين -تبعًا لطريقة التعلم- إلى صنفين: متعلمون بالصور، وآخرون يتعلمون بالمفردات والعمليات والأرقام.
واستمرت هذه النظرية حتى اكتشف علماء في جامعة Utah مصادفةً إثر تعمُّقهم في دراسة وظائف الدماغ أنها خرافة!
إن الدماغ يُقسَم تشريحيًّا إلى نصفين: نصف الكرة المخية الأيمن والنصف الأيسر، ولكل منهما وظيفةٌ مُحدَّدة؛ فنصف الكرة المخية الأيسر مسؤولٌ عن المعالجات المنطقية كاللغة والرياضيات، في حين يكون نصف الكرة المخية الأيمن مسؤولًا عن معالجة الأمور الإبداعية كالموسيقى والصور.
ولكن؛ هذا الانقسام الوظيفي لا يعني أبدًا سيطرةَ أحدهما على الآخر، فهناك منطقة اتصال بينهما تدعى "الجسم الثفني" وهي حزمة مسطّحة واسعة من الألياف العصبية تمتد طوليًّا من الأمام إلى الخلف وتربط بين نصفي الكرة المخية (الأيمن والأيسر) وتنقل المعلومات بينهما.
وقد أجرى أندرسون وزملاؤه في جامعة Utah دراسةً عن وظائف الدماغ تهدف إلى فهم التخصيص الجانبي لوظائف الدماغ وتأثيره في عديد من الأمراض كمتلازمة داون والتوحد والفصام؛ إذ يؤدي كلٌّ من نصفي الكرة المخية دورًا نموذجيًّا في ذلك.
ووجدوا في أثناء بحثهم أنّ النظرية السابقة وُضِعت بناءً على دراسة أدمغة مرضى صَرَع أُجرِي لهم تداخل جراحي أدى إلى قَطع الجسم الثفني المسؤول عن نقل هذه المعلومات، وبذلك؛ تبطل هذه النظرية التي غيّبت وظيفة مهمة من وظائف الدماغ (وهي الربط بين نصفيه ليكتمل أداؤه).
وقد أُجريت في هذه الدراسة مسوحٌ لأكثر من ألف دماغ لمشاركين تتراوح أعمارُهم بين 7 سنوات و29 سنة وهم في حالة الراحة. وبمراقبة نشاط 7000 منطقة دماغية ودراسة الوصلات العصبية بين هذه المناطق وداخلها؛ وجد الباحثون أنّ المتطوعين استخدموا كامل أدمغتهم بالتساوي في فترة الدراسة، ولاحظوا حركةً عصبيةً كثيفة في منطقة الجسم الثفني، كذلك لاحظوا أنّ الشبكات العصبية لنصفي الكرة الدماغية متساوية، ولم يجدوا أو يلاحظوا أي دليل يُظهِر ارتباطًا عصبيًّا أكبر في أحد نصفي الكرة المخية على حساب الآخر لدى أي مشارك في الدراسة.
ويقول أندرسون: "لدينا أكثر من 1000 صورة لأدمغة مختلفة، ولا تُظهِر أيّةُ صورة منها أيةَ علامات لسيطرة أحد نصفي الكرة المخية".
إذًا؛ علم النفس -كغيره من العلوم- بحرٌ متلاطمُ الأمواج، فإياك أن تبحر فيه دون دليل.
وليكن دليلك دومًا "الباحثون السوريون"، فتابعوا معنا كلَّ جديد.
المصدر: