البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
بكتيريا ذاتُ حدين... صديقٌ للخنفساء وعدوٌّ للنبات!
يُعدُّ التعايشُ ظاهرةً واسعةَ الانتشار في الطبيعة، والعلاقاتُ التعايشية عند الأحياء الدقيقة ليست استثناءً! إذ تؤثّرهذه الكائنات بهذه الطريقة في جميع نواحِ حياةِ مضيفها، فقد تعيش هذه الميكروبات متطفلةً وتُسبب الأمراض للمضيف، وقد تكون في علاقة تكافلٍ وتبادلِ منفعةٍ معه. ويحدث أحياناً انتقالٌ من نمط الحياة التطفلي إلى التكافلي. إلا أن مثل هذا التحولَ نادراً ما شوهِدَ مباشرةً. ويقدم هذا البحث دليلاً على تحولِ بكتيريا Burkholderia gladioli من نمط الحياة الممرِض للنبات إلى نمطِ الحياة التكافلي النافعِ للحشرات. حيث تعيش بكتيريا Burkholderia gladioli في الغدد الملحقةِ بالجهاز التناسلي الأنثوي لحشراتِ Lagriinae وهي مجموعةٌ من الخنافسِ العاشبة، وتنتقل هذه البكتيريا إلى البيوضِ فتحميها من الفطرياتِ الضارة. وعند انتقالها إلى النبات، تنتشر هذه البكتيريا في أنسجة النبات المضيف وتؤثر سلباً على صحته.
استعانة الخنافس بالبكتيريا لحماية نسلها:
تضع هذه الخنافسُ بيوضَها على التربة الرطبة تحت مخلفاتِ الأوراق حيث تكون هناك على تماسٍ دائمٍ مع فطريات الأعفان وفطرياتٍ أُخرى مُمرِضة، ما يجعلها في حاجةٍ ماسّةٍ للحماية وإلا ستكون عُرضةً للتعفّن والتلف. كما وجد الفريقُ البحثيُّ أنَّ وجودَ بكتيريا Burkholderia gladioli على بيوضِ خنفساءِ Lagria villosa يخفض من خطر إصابتها بهذه الفطريات بشكلٍ ملحوظٍ ويساعدها على النجاة، كما يحمي اليرقاتِ في الأيام الأولى من حياتِها (لأنَّ بعضَ الخلايا البكتيرية تدخُل البيضةَ قُبيل الفَقس). وللتأكد من ذلك عرَّضَ الفريقُ البحثي بيوضَ الخنفساء لفطرياتِ العفن، وكانت النتيجةُ أنَّ البيوضَ المصحوبةََ بالبكتيريا التعايشيةِ بقيت سليمة، في حين أُصيبت تلك التي تفتقد هذه البكتيريا بالفطرياتِ المُمرِضة ما أدّى لتلفها. ويعدُّ هذا الاكتشافُ الأولَ من نوعه، إذ أنه على الرغم من اعتمادِ أنواعٍ أُخرى من الحشراتِ أيضاً على الميكروباتِ للحماية من الأعداءِ الحيوية، إلا أنَّ الحمايةَ الميكروبيةَ لطورِ البيضة الضعيفِ نسبياً يعدُّ اكتشافاً جديداً.
كيف تقوم البكتيريا بمهمتها في حمايةِ البيوض؟
كشفت التحاليلُ الكيميائيةُ وجودَ أربعةِ مضاداتٍ حيويةٍ مختلفة تُنتِجها هذه البكتيريا الحليفةُ للخنفساء. اثنان من هذه المركبات وهما: toxoflavin وcaryoynencin كانا معروفين سابقاً، في حين أن المركبين الآخرين كانا جديدين تماماً وقد سميا lagriene وsinapigladioside. وقال أحد الباحثين المشاركين في الدراسة "لقد فوجئنا بشكل خاص بإيجاد مركب كيميائي جديد sinapigladioside الذي يبدو أشبه بمركب دفاعي تنتجه النباتات عادة -زيت الخردل للحماية من الممرضات والحشرات- من كونه أحد المضادات الحيوية البكتيرية المعروفة". وقد نجحت جميع هذه المركبات الأربعة بتثبيط نمو الميكروبات الأخرى؛ إذ إنَّ بعضها كان نشطاً ضد الفطريات، والبعض الآخر ضد البكتيريا. وعلى الأرجح تقوم هذه الأسلحة الكيميائية بحماية بيض الخنفساء من طيف واسع من الميكروبات الضارة.
صديق الحشرة، عدو النبات!
والمثير للدهشة أن حلفاء الخنفساء تربطهم علاقة قرابة وثيقة بمسببات الأمراض النباتية. وبالفعل، عندما عمل العلماء على إعداء نباتات فول الصويا (وهي غذاء شائع للخنفساء في الطبيعة) بهذه البكتيريا، انتشرت الميكروبات في جميع أجزاء النبات. وقد كان لها تأثير سلبي لأن العدوى أدت إلى إنتاج عدد أقل من البذور بالمقارنة مع النباتات السليمة.
ولكن هل لدى البكتيريا القدرة على ترك الخنفساء وإصابة النباتات في الطبيعة؟
أظهرت تجربة إضافية مقدرتها على ذلك. فبعد أن تركت الخنافس لتتغذى على أوراق نبات فول الصويا لمدة ثلاثة أيام، تمَّ الكشف عن وجود المادة الوراثية للبكتيريا في هذه الأوراق. ولهذا فمن المرجح أن البكتيريا تستخدم الخنافس كوسيلة للانتقال من نبات إلى نبات.
تعايش البكتيريا مع الحشرات.... كنز من المضادات الحيوية!
هناك العديد من الحالات المعروفة عن الحشرات التي تنقل الكائنات الحية الدقيقة بين النباتات. يقول أحد الباحثين: "ما يثير الاهتمام عند هذه الخنافس هو أن البكتيريا التي تنقلها تحولت إلى حراس شخصيين مسلحين كيميائياً". وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة هذه البكتيريا على إنتاج مركبات نشطة بيولوجياً غير معروفة سابقاً يسلط الضوء على الشراكة بين الحشرات والميكروبات كمصادر واعدة لمضادات حيوية جديدة قد تساعد على مكافحة مسببات الأمراض البشرية التي تزداد مقاومة يوماً بعد يوم.
المصادر: