الهندسة والآليات > كيف تعمل الأشياء
كيف تعمل الأقراص المُدمَجَة؟
في البدايةِ سنتطرَّقُ لماهيّةِ القرصِ المُدمجِ، فهو كما تعلمُ أكثرُ من مجردِ قرصٍ بلاستيكيٍّ دائريٍّ قطره 12 سم، مكوّنٌ من ثلاثِ طبقاتٍ:
الطبقةُ السّفليّة وهي من نوعٍ قاسٍ وصلبٍ من البلاستيك يُسمّى polycarbonate plastic وهي الطّبقة اللّامعة الّتي نحافظُ عليها من الخَدْشِ وتؤدّي دورًا هامًّا في نقل وقراءةِ البيانات.
أمّا الطّبقةُ الثّانيةُ فهي طبقةٌ رفيعةٌ من الألمنيوم، وفوقَها طبقةُ طلاءٍ عازلٍ من الورنيش وأخيرًا غالبًا ما يُغطَّي القرصُ بملصقٍ يدلُّ على محتوياته.
قبل أن نعرفَ أكثرَ عن الأقراصِ المضغوطةِ،سنطرح السّؤال التّالي: كيفَ كان يستمعُ النّاسُ إلى الموسيقى قديمًا؟
ربّما رأيتَ في بيتِ جدِّكَ -إن كانَ رجلًا متذوِّقًا للموسيقى- جهازًا ضخمًا جميلًا يُقالُ له (فونوغراف)، يُشغّلُ أقراصًا كبيرةً باستخدامِ تقنيّةٍ ميكانيكيّةٍ لقراءةِ أنماطِ النتوءاتِ عليها ويحوّلها إلى أصواتٍ يمكننا سماعَها.
وهناك أيضًا مُشغِّلُ الكاسيت الّذي قد تجده أنتَ في بيتِكَ وقد تكون ألحيّتَ على والديكَ لشرائِهِ لك في مُراهقَتِكَ أو بدايةِ شبابك، وهو يُخزِّنُ ويُشغِّلُ الأصواتِ باستخدامِ تقنيّةٍ مغناطيسيّةٍ، فعندَ إدخالِ شريطِ الكاسيت في المُشغِّلِ يدورُ مُحرِّكٌ كهربائيٌّ صغيرٌ ليمرَّ الشَّريطُ على مغناطيسٍ كهربائيٍّ يكشُفُ بدورِه نمطَ المغناطيسيّةِ على الشّريطِ ويحوِّلَها إلى أصواتٍ. في هاتين الطَّريقتَين يُخزَّنُ الصَّوتُ بطرقٍ تناظريّةٍ analog وَكذلكَ يحدثُ تماسٌ مباشَرٌ بين الشّريطِ والمُشغِّلِ ممّا قد يسبِّبُ تلفهما مع الوقتِ والاستخدام.
أمّا بطلُ هذا المقال، القرصُ المُدمَجُ فهو يَستخدِمُ التّقنيّاتِ البصريّةِ الضّوئيّةِ، فالشّيءُ الوحيدُ الّذي يمسُّ القرصَ هو شعاعُ اللّيزر، ويُخزِّنُ البياناتِ على شَكلِ صورةٍ رقميّةٍ.
كيفَ إذن يمكننا تسجيلُ أصواتِنا على القرصِ المُدمَجِ؟ تابع معي ما يحدث:
* عندَ تسجيلِ مقطعٍ صوتيٍّ تقومُ أداةٌ إلكترونيّةٌ بقياسِ الصّوتِ ثمَّ تحوِّلُ المقياسَ النّاتجَ إلى أرقامٍ تُخزَّنُ بالصِّيغةِ الثُّنائيّةِ (بتشكيلٍ من الرّقمَين 0 وَ 1) فيتحوّلُ مقطعٌ صوتيٌّ مدَّتُه عدّةُ دقائقَ إلى سلسلةٍ طويلةٍ من الرّقمَين 0 وَ 1.
*لضمانِ دقَّةِ تخزينِ وقراءةِ البياناتِ تُستَخدَمُ تقنيّةُ EFM (Eight to Fourteen Modulation)، إذ تقسَّمُ السّلسلةُ النّاتجةُ عن الخطوةِ الأولى إلى أجزاء، كلُّ جزءٍ منها يتكوّنُ من 8 وحداتٍ، و كلُّ جزءٍ يُترجَمُ إلى 14 وحدةٍ مماثلةٍ رقميًّا في الدّلالة.
*ثمَّ يأتي دورُ (حرقِ القُرصِ المُدمَجِ)
لنَقلِ هذه السّلاسلِ الطّويلةِ جدًّا إلى القرص تقومُ أشعّةُ اللّيزر بحرقِ مادّةِ القرصِ مُكوِّنَةً حُفر أو ما يُسمّى pits والأجزاءُ الّتي لا يحرقُها اللّيزر تُسمّى lands.
فعندَ كلِّ تغيّرٍ في السّلسلةِ من 1 إلى 0 يبدأ اللّيزر بالحرقِ، و يتوقَّفُ عند التَّغيير من 0 إلى 1، فيتحوَلُ سطحُ القرصِ إلى دوّامةٍ حلزونيّةٍ من الحُفَرِ والأسطُحِ الملساء، وإذا افترضنا أنّه يُمكننا فرْدُ هذه الدّوّامةِ على شكلِ خطٍّ مستقيمٍ فسيصلُ طولُها تقريبًا إلى 6 كيلومترات.
الـ DVD أو الأقراصُ الرّقميّةُ مُتعدّدةُ الإستعمالاتِ تُخزِّنُ البياناتِ بطريقةِ القرصِ المُدمجِ نفسها، إلا أنَّها تُخزِّنُ بياناتٍ أكثرَ بسبعةِ أضعافٍ. و هذا يرجعُ إلى أنَّ الحُفَرَ والأسطحَ الملساءَ على القُرصِ الرّقميِّ تحتلُّ مساحةُ أصغرَ من القُرصِ المُدمَجِ ممّا يسمحُ بحملِ كمٍّ أكبرَ من البيانات.
بعدَ أن عرفنا كيف تُنقَلُ البياناتِ على القرصِ المُدمَجِ، فمنَ المنطقيِّ أن نتطرَّقَ أيضًا لكيفيّةِ قراءةِ هذه البياناتِ منه.
في مُشغِّلِ الأقراصِ يُوجدُ شعاعُ ليزرٍ مُصغَّرٍ يُسمّى semiconductor diode laser
وخليّةٌ كهروضوئيّةٌ مرتبطةٌ بدارةٍ كهربائيّةٍ، عندما تُشغِّلُ القرصَ المُدمَجَ لتستمتِعَ بمقطعٍ صوتيٍّ ما فإنَّ محرِّكًا صغيرًا يجعلُ القرصَ يدورُ بسرعةٍ كبيرةٍ تصل إلى 5000 لفةٍ في الدّقيقة، وشعاعُ اللّيزر ينطلقُ ماسحًا الدّوّامةَ الحلزونيّةَ مبتدِئًا بمركزِ القُرصِ مُتّجهًا إلى حوافه.
في كلِّ مرّةٍ يواجِهُ شعاعُ اللّيزرِ سطحًا أملسَ land فإنَّه ينعكسُ نحو الخليّةِ الكهروضوئيّةِ الّتي توَّلِّدُ تيارًا كهربائيًا يُترجَمُ بالصّيغةِ الثُّنائيّةِ إلى 1، وعندما يقعُ الشُّعاعُ في حفرةِ pit فإنَّهُ يُمتصُّ ولا ينعكِسُ نحو الخليّةِ الكهروضوئيّةِ ولا يمرُّ تيّارٌ كهربائيٌّ ويُترجَم إلى 0.
وهكذا تتحوَّلُ التّشكيلةُ على سطحِ القُرصِ إلى الصّيغةِ الثّنائيّةِ الّتي خُزِّنَت عليه بالأصلِ لتتحوَّلَ في النّهايةِ بفعلِ السّمّاعاتِ إلى صوتٍ مسموعٍ.
و لتلخيصِ ما عرفته في المقال يُمكنُكَ مشاهدةُ الفيديو الآتي :
يبقى عزيزي القارئ أن تعرفَ أنّ مَن اخترعَ التّقنيّةَ وراءَ عملِ القرصِ المُدمَجِ هو James T. Russell وهو رجلٌ مُحبٌّ للموسيقى أرادَ نظامًا يسمحُ بتسجيلها بصورةٍ أكثرَ دقَّةً، ممّا دفعَهُ إلى تسجيلِ براءةِ اختراعٍ لأوّلِ نظامِ تسجيلٍ ضوئيٍّ للصّوت، ففي كلِّ مرّةٍ تُشغِّلُ فيها القرصَ المُدمَجَ أو القُرصَ الرّقميَّ اشكر James T. Russell على ما قدَّمه للعالم.