كيف يعمل المصعد ( الجزء الثاني)

استمع على ساوندكلاود 🎧

أنظمة الأمان

كلّنا شاهدنا ذلك المشهد من فيلم الأكشن الهوليوديّ، عندما تنقطعُ حبالُ المصعد، ما يؤدّي إلى سقوطِه بالأشخاصِ الّذين في داخله إلى الأسفل ومن ثمَّ اصطدامهم بالأرضِ. في الحقيقةِ، فرصةُ حدوثِ هذا الأمرِ ضعيفةٌ جدًّا. فالمصاعدُ مجهزةٌ بأنظمةِ أمانٍ كثيرةٍ جدًّا تجعلُ منه يعملُ بسلاسةٍ وفق المطلوب.

فأولى إجراءاتِ الأمانِ هي حبالُ التّعليقِ بحدِّ ذاتها. يُصنعُ كلُّ حبلٍ من عدّةِ جدائلَ (Strands) معدنيّةٍ تُلَفُّ حول بعضها البعض. ومع هذا التّركيبِ المتينِ للحبلِ، سيكون حبلٌ واحدٌ فقط قادرًا على حملِ عربةِ المصعدِ والثّقلِ الموازنِ على حدٍ سواء. لذلك سيكون عاملُ الأمانِ بتجهيزِ المصعدِ بأكثرِ من حبلٍ واحدٍ (حوالي 4 حتّى 8 حبال). وفي أسوءِ الأحوالِ، عند انقطاعِ أحد الحبالِ، تعملُ باقي الحبالِ على إمساكِ المصعدِ ومنعه من الانهيار.

حتّى لو تمَّ انقطاعُ الحبالِ جميعها، أو كانَ نظامُ البكرةِ ذاتِ الأخاديدِ قابلًا للتّخلّي عن جميعِ الحبال، فإنَّ عربة المصعدِ ستهبطُ إلى الأسفلِ مُصطدمَةً بالأرض لو لم تُجهّز العربةُ بأنظمةِ كبحٍ تعملُ كصمّامِ أمانٍ، تُمسكُ العربةَ على الدّليلِ عندما تتجاوَزُ العربةُ السّرعةَ الِاسميّةَ.

في الفقرةِ التّاليةِ سنتعرّفُ على أنظمةِ الكبحِ المُركّبةِ في المصعد.

نظامُ الأمانِ الأوّل

عندما تزدادُ سرعة المصعد عن حدٍّ معيّنٍ يُشَغِّلُ المنظّم (Governor) صمّاماتِ الأمانِ في المصعد.

المُنظِّمُ عبارةٌ عن نظامٍ ميكانيكيٍّ دقيقٍ، يتكوّنُ من بكرةٍ ذاتِ أخاديدَ مُجهّزةٍ بكُتلتَينِ حُرَّتَي الحركة بواسطةِ ذراعٍ معدنيٍّ، يُثبَّتُ هذا الذِّراعُ من طرفه الآخر. تعملُ الكتلتَين بنفسِ طريقةِ عملِ النّواس، فستكونان حُرَّتَي الحركة ذهابًا وإيابًا حول المنظِّم، ولكنَّ وجودَ نابضِ الشَّدِّ سيحافظُ على موضِعيهما أغلبَ الأوقات.

تتحرّكُ بكرةُ المنظِّمِ بشكلٍ دورانيٍّ وبسرعةِ العربةِ نفسها، وعندما تزدادُ سرعةُ العربةِ، يؤدّي ذلكَ إلى دورانِ البكرةِ بسرعةٍ كبيرةٍ، تنشأ كنتيجةً لها قوّةٌ طاردةٌ مركزيّةٌ تدفعُ الكُتلتَينِ المرتبطتَينِ بالُمنظِّمِ إلى الخارجِ، دافعتَينِ النّابضَ معهما. تتعشَّقُ نهايَتَا الكتلتَين المرتبطتَين بالمُنظِّمِ مع نظامِ مُسنّناتٍ مُقابلهما، وهذا التّعشيقُ يؤدّي إلى توقيفِ المصعد.

المنظّم رسم توضيحي

المنظّم

نظام الأمان الثّاني

تُزوَّدُ المصاعدُ أيضًا بمكابحَ كهرومغناطيسيّةٍ والتي تتعشق في حال كانت العربة في طور الإيقاف. في الحقيقةِ يحافظُ النّظامُ الإلكترومغناطيسيّ على المكابحِ مفتوحةً بدلًا من إغلاقِها، وتُصمَّمُ هذه المكابحُ على أن تقومَ بالإغلاقِ ومسكِ العربةِ في حالِ انقطاعِ التّغذيةِ الكهربائيّةِ.

المكابح الكهرومغناطيسية

تُزوَّدُ المصاعد أيضًا بأنظمةِ كبحٍ كهربائيّةٍ آليّةٍ تُوضعُ في أعلى وأسفلِ حُجرةِ المصعد. تعملُ هذه الأنظمة على إيقافِ المصعد في حال ابتعدَ المصعدُ عن مداهُ العُلويِّ أو السُّفليِّ مسافةً مُحدّدةً.

لم ننتهِ بعد، ففي حالِ فشلِ جميع ما ذُكِر من أجهزةِ أمانٍ، سيؤدّي ذلك إلى سقوطِ المصعد سقوطًا حرًّا داخلَ حُجرةِ المصعد، ولكن لحسنِ الحظِّ سيكون في انتظارِهِ نظامٌ لامتصاصِ الصّدماتِ العاليةِ ويُوضعُ في أسفلِ حُجرةِ المصعدِ وهذا المكانُ يُسمّى "بئرُ المصعد (Pit)". هذا النّظامُ المُمتصُّ للصّدماتِ يعملُ كوسادةٍ عملاقةٍ لتقليلِ أثرِ السّقوطِ الحرِّ لعربةِ المصعد.

المُخمِّدات (أنظمة امتصاص الصّدمات)

هذه كانت أهمَّ أنظمةِ الأمانِ الّتي تعملُ فقط في الحالاتِ الطّارئةِ، ولكن حانَ الوقتُ للتّعرُّفِ على طُرقِ تشغيلِ المصعدِ في الحالةِ الطّبيعيّةِ.

التّحكُّمُ بالمصعد وتشغيله

يتمُّ التّحكُّمُ بالمصاعدِ الحديثةِ عن طريقِ الحواسبِ، بحيثُ تعالجُ الحواسبُ كلَّ المعلوماتِ المتعلِّقةِ بالمصعدِ ودورانِ المحرِّكِ بالقدرِ الكافي لجعلِ العربةِ تقفُ في المكانِ المُخصَّصِ. ولتحقيقِ ذلك، تحتاجُ هذه الحواسيبُ إلى ثلاثِ معلوماتٍ على الأقلِّ وهي:

- المكانُ الهدف (المكانُ الّذي يريدُ الأشخاصُ الوصولَ إليه).

- مكانُ كلِّ طابقٍ.

- مكانُ العربة.

الحصولُ على المكانِ الهدفِ الّذي يريدُ الأشخاصُ الوصولُ إليه سهلٌ جدًّا، وذلكَ عن طريقِ الأزرارِ الموجودةِ في عربةِ المصعِد، فعندَ الضّغطِ على أيٍّ من هذه الأزرار، سيقومُ الحاسب بتسجيلِ هذا الطّلب.

يوجدُ عدّةُ طرقٍ لمعرفةِ مكانِ عربةِ المصعدِ، وأحدُ أكثرِ الطُّرقِ شيوعًا هي الحسّاسُ الضّوئيُّ أو الحسّاسُ المغناطيسيُّ الموجودُ على جانبِ عربةِ المصعدِ، والّذي يعتمدُ على قراءةِ تسلسلِ الفتحاتِ الموجودِ على شريطٍ شاقوليٍّ داخلَ حُجرةِ المصعد، وعن طريقِ عدِّ الفتحات، يقومُ الحاسبُ بمعرفة مكانِ عربةِ المصعد بالضّبطِ داخلَ الحُجرة. سيقومُ الحاسبُ بتغييرِ سرعةِ المحرّكِ وبالتّالي ستُبطئُ عربةَ المصعدِ سرعتها تدريجيًّا قبلَ الوصولِ إلى الطّابقِ المطلوب، وهذا يُحافظُ على راحةِ مُستخدمي المصعد من التّوقُّفِ المفاجئ.

في البناءِ المكوَّنِ من عدَّةِ طوابق، سيقوم الحاسبُ بالعمل على استراتيجيّاتٍ مُتنوعةٍ للحفاظِ على كفاءةِ المصعد قدرَ الإمكان. وفي الأنظمةِ القديمةِ، تقومُ الاستراتيجيّةُ على تجنُّبِ عكسِ اتّجاهِ المصعد. وهذا يعني أنَّ المصعد سيستمرُّ بالصُّعودِ طالما يوجدُ في داخلِه من يريدُ الصُّعودَ للطّوابقِ العليا، ولن تعود عربةُ المصعدِ للأسفل إلّا إذا انتهت جميعُ طلباتِ الصّعودِ للأعلى، وفي حالِ نزولِهِ للأسفل فإنّه لن يستجيبَ للطّلباتِ نحوَ الأعلى حتّى انتهاءِ جميعِ الطّلباتِ نحو الطّوابقِ السُّفليّةِ. يُعتبر هذا البرنامج أسلوبَ عملٍ جيدٍ وسريعٍ لحركةِ المستخدمين، ولكنَّهُ غيرَ مريحٍ أو مرنٍ بالشّكلِ المطلوب.

إنّ البرامجَ الأكثرَ تقدّمًا تأخذُ نمطَ ذروةِ حركةِ المستخدمين في الحسبان. فيراعي برنامجُ المصعد الأوقاتَ التي يكون فيها الطّلبُ على طوابقَ معيّنةٍ عالٍ لتزنَ الأفضليّةُ في توجيهِ عربةِ المصعد لخدمةِ هذه الطّوابق. أمّا في النّظامِ مُتعدِّدِ المصاعد، فإنَّ اتّجاهَ إحدى عرباتِ المصاعدِ يعتمدُ على أماكنِ العرباتِ الأخرى.

في النّظامِ الأكثرِ تطوّرًا، تعملُ رُدهة المصعدِ (وهي غالبًا ما تكونُ في الطّابقِ الأرضيِّ) كمحطّةِ قطارٍ. فبدلًا من الضّغطِ على زرٍ للأعلى أو للأسفل، أصبحَ الآنَ بالإمكانِ تحديدُ رقمِ الطّابقِ مُسبقًا. وبالاعتمادِ على رقمِ الطّابقِ وعلى أماكنِ العرباتِ، يقومُ الحاسبُ بإخبارِ المستخدمينَ عن رقمِ المصعدِ الّذي سينقُلهم إلى الوجهةِ المطلوبةِ بالشَّكلِ الأسرع.

معظم الأنظمةِ مجهزةٌ بحسّاسٍ لوزنِ الحمولةِ داخلَ العربة. هذا الحسّاسُ يُرسلُ إشارةً إلى الحاسبِ عن مقدارِ الحمولةِ داخلَ العربةِ. فإذا كانتِ العربةُ قريبةً من حمولتِها القصوى، عندها سيمنَعُ الحاسبُ العربةَ من الوقوفِ مرّةً أخرى حتّى نزولِ مستخدمينَ من العربة. يُعتَبرُ حسّاسُ الوزن ميزةَ أمانٍ جيّدةً في المصاعد. وفي حال كانت عربةُ المصعدِ مليئةً بأكبرَ من الحمولةِ اللّازمة، سيمنعُ الحاسبُ الأبوابَ من الإغلاقِ حتّى تخفيضِ الحمولة.

في الفقرةِ التّالية سنطَّلعُ على واحدٍ من المكوّناتِ الرّائعةِ في المصعد، الأبواب الآليّة.

طرقُ تشغيل الأبواب

تَستخدم المصاعد زوجَين من الأبوابِ: بابُ العربةِ والأبوابُ المفتوحةُ على حُجرةِ المصعد عندَ كلِّ طابقٍ. يعملُ بابُ عربةِ المصعدِ بمحرِّكٍ كهربائيٍّ مرُتبطٍ بحاسبِ المصعد.

يدور دولابٌ متّصلٌ بذراعٍ معدنيٍّ طويلٍ مع المحرّكِ الكهربائيِّ، الذّراعُ المعدنيُّ يتّصلُ بذراعٍ آخرَ يتّصلُ بدورِه بالباب. يتحرّك البابُ ذهابًا وإيابًا على دليلٍ معدنيٍّ.

عندما يدورُ الدّولاب بواسطةِ المحرّكِ، فإنّهُ يقومُ بتدويرِ الذّراعِ المعدنيِّ الأوّل، والّذي بدورِه يسحبُ الذّراعَ المعدنيَّ الثّاني والبابَ المُتّصلَ به إلى جهةِ اليسار. ولكنَّ البابَ مكوّنٌ من لَوحينِ، ينغلقُ اللّوحانِ على بعضِهما البعض لإغلاقِ الباب ويبتعد اللّوحانِ عن بعضِهما في حالِ فتحِ الباب. يُشغِّلُ الحاسب محرِّكَ الباب عند وصولِ عربةِ المصعد إلى مستوى الطّابقِ المطلوب ويُغلَقُ البابَ قبلَ بدءِ عربةِ المصعدِ بالحركةِ مرّةً أخرى. تُجهَّزُ معظمُ المصاعدِ بنظامٍ حسّاسٍ للحركةِ، يمنعُ بابَ المصعد من الإغلاقِ في حالِ وجودِ أيِّ جسمٍ بين لوحَي الباب.

تُجهّزُ الأبوابُ بآليّةِ فاصل-قابض الّتي تعملُ على قفلِ البابِ الخارجيِّ في كلِّ طابقٍ على حدا، وتعملُ على فتحِ الأبوابِ الخارجيّةِ في حالِ كانت عربةُ المصعدِ على مستوى الطّابقِ المطلوب (أو في حالِ وجودِ قوّةٍ يدويّةٍ كافيّةٍ للفتح). وهذا ما يمنعُ فَتحَ الأبوابِ الخارجيّةِ بدونِ وجودِ عربةِ المصعدِ عندَ ذلكَ الطّابق.

حقَّقت المصاعدُ خلالَ فترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ أهميّةً كبيرةً وجعلت من نفسِها آلةً أساسيّةً لا غِنى عنها. وهي تُساعدُ النّاسَ على بناءِ ناطحاتِ سحابٍ هائلةٍ وحتّى تُساعد ذوي الاحتياجاتِ الخاصّةِ في الأبنيةِ قليلةِ الارتفاعِ، وعليه ستصبحُ المصاعدُ عُنصرًا أكثرَ انتشارًا في المجتمعِ، وهي فعلًا واحدةٌ من أهمِّ الآلاتِ في العصرِ الحديثِ، وتُعتَبرُ من أكثرِها روعةً.

المصدر:

هنا