علم النفس > الأطفال والمراهقين
أدمغة المراهقين، مرنة وغير مكتملة!
وجدت الدراساتُ الأخيرة أنَّ عقول البالغين تعملُ بشكلٍ مُختلفٍ عن عقول المراهقين. يفكِّرُ البالغون بواسطةِ القشرة الجبهية من الدماغ، أي الجزء المنطقي منه. يستجيبُ هذا الجزء من الدماغ إلى المواقف بأحكامٍ منطقيةٍ ووعيٍ كبير. أمَّا المراهقون فيقومون بتحليل المعلومات في اللوزة الدماغية، وهو الجزء العاطفي. في دماغ المراهقين يكون الوعي بين الجزء العاطفي وجزءِ اتخاذ القرار في مرحلة التطور، وليس بالضرورة على المقياس نفسه. ولذلك عندما يختبر المراهق مواقفَ عاطفيةً جداً، لا يمكنه تفسير ما كان يفكر به، فهو لم يكن يفكر بقدر ما كان يشعر.
خلال سنوات المراهقة وتحت تأثيرٍ هرموني كبيرٍ بالإضافة إلى الاحتياجات والخبرات الحالية، يتعرض دماغ المراهق إلى إعادة هيكلةٍ وإعادة بناء. تتسارع طُرُق نقل المعلومات، وتُغلق طرقٌ أخرى قديمة. بعضها يتم وصله باتجاهاتٍ أُخرى، وتقومُ طُرُق المعلومات القديمة بعمليات اتصالٍ جديدةٍ لطرق أخرى ومدنٍ أخرى وبلدات أخرى. إنَّه مشروعُ بناءٍ ضخمٌ، لا يشبه أيَّ شيءٍ يحدث في أيِّ مكانٍ في الحياة. تُفسَّر عملية إعادة البناء حين تتغير الشخصية قبل الوصول إلى سن المراهقة، وفجأةً تظهرُ أفكارٌ وردودُ أفعالٍ جدية.
واحدةٌ من أهم الأمور التي علينا تذكُّرها هي أنَّ ما يمرُّ به المراهق وما يفعله في هذه الفترة الحرجة من حياته يملك تأثيراً كبيراً على مستقبله. لأنَّ الخبرات والحاجات تُشكِّلُ عملياتِ الهدمِ والبناءِ لطرقِ المعلومات في دماغه. فإذا كان المراهق يلعبُ الكثير من ألعاب الفيديو، سيقوم ذلك بتشكيل الدماغ بطريقةٍ تجعله يصبح طياراً جيداً ربما، ولكنَّ فرصة أن يصبح محاسباً أو عالماً ليست جيدة.
بسبب التغيُّرات الكثيرة التي يتعرض لها الدماغ بالإضافة إلى مواجهة العالم الاجتماعي والأكاديمي، يكون لدى المراهقين حاجةٌ ماسَّةٌ في التعرُّف على شخصياتهم والحصول على توضيحٍ عن أنفسهم، وبِمَ يؤمنون. عندما يدخلون إلى هويةِ سنِّ المراهقة فإنَّهم يخرجون من هويةٍ إلى أخرى.
لهذا البحث جوانب بنائيةٌ أو هادمة. عادةً ما تتغذى الهوية الجديدة على المجموعة المحيطة بالمراهقين، بشكلٍ إيجابي أو سلبي. يحبون أن يجربوا أشياء جديدة. يساعدهم ذلك في التعرف على ما يصلح لهم، وما يشعرهم بالأمان، ومن يصبحون. دورُ الأهل والمعلّم هو السماح والتشجيع على البحث الآمن.
هناك جُزءٌ من دماغ المراهقين يكون غير نامٍ حتى منتصف العشرينات. يسمى القشرة الجبهية الأولية. عندما يكتمل هذا الجزء من الدماغ، يدخلُ في حوارٍ مستمرٍ مع الدماغ العاطفي. يكون الدماغ العاطفي والقشرةُ الجبهية الأولية عند البالغين مكتملة النمو، متفاعلَين مع بعضهما. فعندما يتعرض البالغ إلى موقفٍ معيّن، يبدأ جزءٌ ما قبل القشرة الأمامية بالتحدث إلى البالغ وإقناعه بالتصرف المنطقي الذي يبعده عن المشاكل.
إنَّ التغذية أمرٌ مهم بالنسبة للمراهق، إذ تتطلب اللوزة الدماغية وأجزاءٌ أُخرى خلال عملية هدم وبناء طرق المعلومات الجديدة إلى مواد دسمةٍ صحية مثل زيوت السمك (يُظهر البحثُ الحديث أنَّ زيوت السمك هي طعامُ الدماغ، وأنّ النسب العالية من الحموض الدسمة للأوميغا 3 مرتبطةٌ بنسب اكتئابٍ وانتحارٍ أقل)، بالإضافة إلى الكميات الكافية من معدن الزنك الذي يقوم بتعديل المزاج وتحسينه.
من الطبيعي للمراهقين أن يكونوا متقلبي المزاج لعدة أيام، ولكن إذا رأيت سلوكاً مزاجياً كبيراً استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، فيمكن أن يكون شيئاً آخر مثل الاكتئاب مثلاً. وفي حال التأكد من الأمر فعلى طفلك مراجعة المساعدة المحترفة. فالاكتئابُ مرضٌ خطير، ويمكن أن يهدد حياة المراهق.
يكمُنُ دور الأهل والمعلمين في كثيرٍ من الأمور، منها أنَّ عليهم مناقشة المراهق حول مضاعفات أفعاله حتى يستطيع الربط بين التفكير المتهور والوقائع. يساعد هذا الأمرُ الدماغَ على القيام بالاتصالات والروابط بشكلٍ أكبر.
تذكَّر أنَّ كلَّ مراهقٍ مختلفٌ عن غيره ويحتاج لطرق مختلفة. ساعدوهم في البحث عن فرديّتهم، من خلال بعض الحرية المدروسة وبعض الحب.
المصادر: