الهندسة والآليات > منوعات هندسية
الإشارات الضّوئية : تاريخٌ عمرهُ قرنٌ وبضع
إشارة المرور الأولى:
قد تستغرب عزيزي القارئ عندما نخبرك أنّ الاختناقات المرورية كانت مشكلةً يعاني منها البشر قبل اختراع السيارات، فالمشاة على الطرقات بالإضافة إلى العربات التي تجرّها الخيول كانت تسبب الاختناقات المروريّة في لندن في ستّينيات القرن التاسع عشر. لذلك كان لا بُدّ من حلٍّ للمشكلة، وهنا اقترح (John Peake Knight ) مدير السّكك الحديديّة في ذلك الوقتِ تطبيقَ طريقةِ التّحكم بحركةِ القطارات ذاتها، مع تكييفها لتتناسبَ مع وضع الطّرقات.
تعتمد طريقةُ التّحكمِ بالقطارات على نظامٍ مكوّن من محورٍ طويل، مع سهمين صغيرين مثبتين أعلى المحور، يشير أحدُ السهمين إلى إمكانية المرور، ويشيرُ السّهمُ الثاني إلى العكس. في النظام الجديد المتكيف مع وضع الطرقات، اقترح (Knight) استبدالَ السّهمين بكلمتي "قف” و "تقدّم” وذلك خلالَ النهار، أما خلال الليل فستكون الإشارة عبارة عن مصباحين يعملان بواسطة الغاز بالضوءين الأحمر والأخضر. الإشارة يدويّة بالكامل ويجب على أحدِ عناصرِ الشّرطة المناوبة تشغيلَها والتحكم بها.
بالفعل تمّ تركيبُ إشارةِ المرور الأولى في التاسع من كانون الأول عام 1868، عند تقاطع شارعِ البرج وشارع جورج العظيم في مدينة لندن قربَ مبنى البرلمان. نجحت هذه الإشارة بشكلٍ كبيرٍ، وتوقع (Knight) تركيبَ العديد من الإشارات الأخرى بأوقاتٍ لاحقة، ولكن لم يجري الأمر كما هو مخطط له، ولم يُكتب الاستمرار للإشارة سوى شهرٍ واحدٍ فقط، حيث انفجرَ أحدُ مصابيحِ الغاز بوجه الشرطي المناوب مما تسبب بحروق بالغة في وجهه. اعتُبِرَ المشروع خطرًا على الصّحة العامة وتم إيقافه تمامًا.
العديد من براءات الاختراع
بعد حادثةِ الانفجار، انتظرت إشارات المرور أربعةَ عقودٍ لتستعيدَ شعبيتها مجددًا ، وخصوصًا في الولايات المتحدة حيث ازدادَ عددُ السّيارات في الشوارع وأصبحت الحاجة لإشارات المرور أمرًا مُلحًّا. بسبب ذلك تمّ تسجيل العديد من براءات الاختراع في أوائل القرن العشرين.
في عام 1910، قام المخترع الأمريكي (Ernest Sirrine ) بتسجيل أوّل براءةِ اختراعٍ لأوّل إشارةِ مرورٍ بتحكمٍ أوتوماتيكي كاملٍ في شيكاغو، استخدم المخترع سهمين متقاطعين وغير مضاءين، يمكن للسهمين الدّائرين حولَ محور ويحملان كلمتي "قف” و"تقدّم”. وتوضح الصورة التالية ذلك:
صورة ١ :
الإشارة الكهربائية الأولى والتي تستخدم الضّوءين الأحمر والأخضر، تمّ اختراعُها في عام 1912 من خلال المخترع (Lester Farnsworth Wire ) وهو شرطي في مدينة (Salt Lake ) في ولاية يوتا. تشبه هذه الإشارة علبةَ بيت الطيّور المثبّتة على محورٍ طويل، تم وضعها في منتصف التقاطع وكانت تُغَّذى عن طريقة شبكة الكهرباء، وكانت تتطلب شرطياً يقوم بعملية تبديلِ الأضواء يدويًّا.
صورة (٢):
بالرغم من كلّ التّاريخ الذي ذكرناه تذهبُ حقوقُ إشارة المرور إلى (James Hoge) وتم تركيب الإشارة الخاصة به في الخامس من آب عام 1914 في كليفلاند، وحصل على براءة الاختراع في عام 1918. استعملت هذه الإشارةُ كلمتين مضيئتين، "قف" و"اذهب".
تمّ تسجيلُ براءةِ الاختراع لأوّل إشارةٍ ضوئية كهربائية مؤتمتة في عام 1917 باسم المخترع (William Ghiglieri ) في سان فرانسيسكو، استخدمت هذه الإشارة الضوءين الأحمر والأخضر، وكان التصميم يدعم الخيارَ اليدويّ كذلك.
قام الشرطي (William Potts) في عام 1920 في ديترويت بتطويرِ عدّةِ إشاراتٍ ضوئيةٍ مؤتمتةٍ بما في ذلك أوّل نظامٍ يعتمد على ثلاثة ألوان، حيث أضاف اللون الأصفر للأحمر والأخضر.
قام (Garrett Morgan) في عام 1923 بتصميم نظام إشارة مرور كهربائي مؤتمت، والتصميم عبارة عن إشارة على شكل حرف "T” مع ثلاث كلمات بدلًا من كلمتي "قف“ و"اذهب“، وهي أوّل إشارةٍ يمكن رؤيتها من كلّ الاتجاهات. ما يميز هذا التصميم هو أنّه رخيص جدًا مما تسبب بزيادة عدد إشارات المرور بشكل كبير، باع (Morgan) تصميمه إلى شركة جينيرال إلكتريك بمبلغ قدره 40000 دولار.
نعود مرة أخرى لأوروبا، حيث تم تركيب أوّل إشارةٍ مرورٍ كهربائيةٍ في عام 1924 في مدينة برلين، كان لهذه الإشارة خمسة وجوه وكانت يدويّة مع بعض الأتمتة، وتحتاج شرطياً واحداً فقط لقيادتها.
بدأت إشارة المشاة بالظهور في ثلاثينيات القرن العشرين، ووفقًا لوزارة النقل الأمريكية، إن أول ظهور لكلمتي "Walk“ و"do not walk“ تعود إلى العام 1934.
مستقبل إشارات المرور:
يمكن في المستقبل لإشارات المرور استعمالَ الذّكاء الصنعيّ لتتكيفَ مع الظروف المتغيرة لحركة المرور، فحركة المرورِ في النهار تختلفُ عنها في الليل، وحركة المرور تأخذ طابعًا خاصًا في التقاطعات المختلفة، إنّ تغيير برنامج إشارة المرور تبعًا لحركة المرور من الممكن أن يقلل وقت السفر بنسبة 25 في المئة، ويقلل فترة الانتظار بمقدار 40 في المئة.
ومن الممكن كذلك الاستغناء عن إشارة المرور نهائيّا، فمع زيادةِ انتشار السّيارات ذاتية القيادة بشكل كبير، يمكن لهذه السيارات ذاتية القيادة الاتصال فيما بينها وتنظيم السير دون الحاجة لوجود إشارة المرور أصلًا، ووفقًا لمعهد (MIT) يمكن للسيارات من خلال التواصل فيما بينها معرفة متى عليها المرور ومتى عليها التوقف، ومتى عليها زيادة السرعة ومتى عليها تقليلها. فهل سنشهد اليوم الذي تُحال فيه إشارات المرور إلى التقاعد؟ هذا ما سنتركه للمستقبل.
المصدر: