الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
تحجيرُ انبعاثاتِ محطّاتِ الطّاقة
كشفَ مهندسونَ وباحثونَ مؤخّراً -للمرّةِ الأولى- أنّ حلمَ تحويلِ انبعاثاتِ غازاتِ محطّاتِ الطّاقةِ إلى صخور أصبحَ حقيقة، ولا سيما انبعاثاتُ غازِ ثاني أكسيدِ الكربون، إذْ عملَ مهندسونَ في محطّة Hellisheidi لتوليدِ الطّاقةِ في أيسلندا على حقنِ تلك الانبعاثات إلى باطن الأرض وتحويلها عبر سلسلة تفاعلات كيميائيّة إلى صخور، المميّز في هذه الاكتشاف أنّه ألغى المخاوف المرتبطة بعمليّة حقن غاز ثاني أوكسيد الكربون ضمن الأرض، والمتمثّلة بإمكانيّة تسرّبه عبر طبقات الأرض وعودته إلى الغلاف الجويّ مجدّداً، أو احتمال انفجار حقول النّفط نتيجة الضّغط الهائل المتولّد والنّاتج عن حقن غاز ثاني أوكسيد الكربون فيها.
تولّد محطّة "Hellisheidi" الطّاقة الكهربائيّة للعاصمة الأيسلنديّة -وهي أكبر محطّة جيوحراريّة لتوليد الطّاقة الكهربائيّة في العالم- وإلى جانب محطّة أخرى فهي تؤمّن أيضاً الطّاقة اللّازمة لبعض العمليّات الصناعيّة، وذلك من خلال استخدام الماء السّاخن البركانيّ لتحريك العنفات، إلّا أنّ هذه الطّريقة تحمل في طيّاتها بعض المساوئ، إذ ينتج عنها انبعاثات غازات بركانيّة بما فيها غاز ثاني أوكسيد الكربون وغاز كبريت الهيدروجين ذو الرّائحة الكريهة.
لتخفيف تلك المساوئ، أُنشِئ مشروع Carbfix عام 2012، حيث تمّ خلط المياه البركانيّة المستخدمة لتدوير العنفات بغاز ثاني أوكسيد الكربون ثم أُعِيد حقن المزيج في الطّبقات البازلتيّة أسفل المحطّة، اعتماداً على المبدأ الّذي ينصّ أنّه عند خلط البازلت بالماء وثاني أوكسيد الكربون، تحدث سلسلة تفاعلات كيميائيّة تؤدّي بالنّتيجة لتحوّل الكربون إلى مادّة راسبة صخريّة بيضاء طباشيريّة، والمفاجِئ في هذا المشروع، أنّ عمليّة التحوّل الطّبيعيّة تستغرق مئات أو آلاف السنين حسب اعتقاد الباحثين، بينما اختُزلت تلك المدّة لسنتين فقط من خلال هذا المشروع، ممّا يفتح المجال أمام طرق جديدة لزيادة كفاءة محطّات الطّاقة وسُبل جديدة لبناء محطّات مستدامة.
ولسنواتٍ مضت، حملت تقنيّة "حقن غاز الكربون" تلك الكثير من الصّعوبات أثناء تطبيقها، رغم كونها من أكثر العمليّات الأساسيّة لوقف التغيّر المناخيّ بحسب تصريح اللجنة الدولية للتغيّر المناخيّ IPCC، ولذلك أُنشِئت الكثير من المشاريع لتطبيق وتحسين جودتها، وطُبّقَت على عدد قليل من المصانع حيث حُقِن الغاز في طبقات الصّخور الرمليّة والنّفوذة، ومع ذلك فإنّ أيّ خطأ حسابيّ من شأنِه أن يؤدّي لتسرّب الغازات المحتجزة، أو لهزّات أرضيّة ناجمة عن ضغط الغازات المحتجزة، الّتي تؤدّي لتسرّب الغازات نفسها من الخزانات الجوفيّة.
و لتطوير خطط التّخفيف من انبعاثات تلك الغازات، انضمّت شركة Reykjavik Energy المسؤولة عن محطّة Hellisheidi، إلى مجموعة مكوّنة من جامعة كولومبيا وجامعات أخرى عام 2007، وبينما تساهم المحطّة بحوالي أربعين ألف طن من غاز ثاني اوكسيد الكربون سنويّاً، ورغم كون الرّقم صغيراً -يعادل 5% فقط من انبعاثات أيّة محطّة أخرى تعمل على الفحم- إلّا أنّه لا يمكن تجاهل تلك الانبعاثات، وقد أظهرت نتائج التّجارب المخبريّة لهذه الجامعات أن صخور البازلت تحتوي على كميات وفيرة من الكالسيوم والمغنيزيوم والحديد الضّروريّة لترسيب غاز ثاني اوكسيد الكربون -على عكس الصّخور الرسوبيّة-، وأنّه للقيام بذلك يجّب ضخّ كميّة كبيرة من المياه ضمن العمليّة.
وكنتيجة للمشروع التجريبيّ الّذي تمّ فيه ضخّ الماء مع 250 طنّاً من غاز ثاني أوكسيد الكربون في صخر البازلت البركاني على عمق 400-8 متراً تحت المنشأة وبمراقبة التغيّرات الكيميائيّة الحاصلة، ومراقبة تركيب المياه الجوفيّة، أُثبِت أنّ معظم كميّة غاز ثاني اوكسيد الكربون المحقون قد تصلّب خلال عدّة أشهر، ورغم تقدير الزّمن اللّازم للتصلّب بحوالي 8 أشهر إلى عدّة سنوات، إلّا أنّ العمليّة استغرقت زمناً أقل، ممّا دفع بالشّركة لحقن 5,000 طن خلال عام 2014 مع نوايا بمضاعفة الكميّة تبعاً للنّتائج.
وقد أظهرت العديد من شركات إنتاج الطّاقة حول العالم اهتماماً بهذه التقنيّة، إلّا أنّها ما تزال تواجه عوائقاً بعضها يتمثّل بالكميّات الكبيرة من المياه اللازمة، إذ يلزم لحقن طن واحد من غاز CO2 حوالي 25 طن من المياه، وتعتبر مياه البحر مورداً ممكناً لذلك.
بالإضافة لوجود نوع من البكتيريا الّتي تتغذّى على أحجار الكربون النّاتجة وتنتج غاز الميثان الخطِر، ويعتبر ذا تأثير مضاعف عن غاز ثاني أوكسيد الكربون، ورغم ظنّ العلماء بوجود هذه الميكروبات في قيعان المحيطات، إلا أنّهم لاحظوا وجودها في بعض الينابيع في أمريكا أيضاً، ممّا استدعى دراسة مكان تنفيذ مشروع Carbfix لتقصّي وجود تلك الميكروبات فيه.
من ناحيٍة أخرى، يعتبر انخفاض تكاليف الإنتاج من الإيجابيّات المرتبطة بهذه التقنيّة إذ تكلّف معالجة طن واحد من غاز CO2 حوالي 30 دولاراً فقط، وهذا ينطبق فقط على محطّات الطّاقة الجيوحراريّة دون سواها حيث يمكن استخدام معدّات المحطّة نفسها لحقن الغاز.
وبشكلٍ أو بآخر، علينا دائماً البحث في سبل وطرق تخفيف الأثر البيئيّ لعمليّات إنتاج الطّاقة وكل العمليّات الصّناعيّة الضّروريّة على حدّ سواء، مصيرنا هو حماية الأرض وليس البحث عن أرضٍ جديدة، فأين نحن من ذلك؟!
المصدر: