الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
البولُ يُغذِّي النّباتات! كيفَ ذلك؟
يؤدّي التّضخّمُ السكّانيُّ العالميُّ إلى تأثيراتٍ سلبيّةٍ كثيرةٍ على الأرض، منها تلوّثُ الهواء، واستهلاكُ المزيدِ من مصادرِ المياهِ الصّالحةِ للشّرب، وزيادةُ استهلاكِ الغذاء، بالإضافةِ إلى زيادةٍ في كميّاتِ مياهِ الصّرفِ الصّحّيِّ وغيرها منَ العواقب.
ولتخفيفِ هذهِ العواقب، عملَ الباحثونَ على إيجادِ طرقٍ للاستفادةِ من مياهِ الصّرفِ الصّحّيِّ وتحويلها إلى أسمدةٍ زراعيّةٍ وموادّ مفيدةٍ قابلةٍ للاستخدام.
تحتوي الفضلاتُ البشريّة، والبولُ تحديداً على نسبٍ عاليةٍ منَ المغذّيات (مركّباتُ الفوسفور، والنتروجين) الضّروريّة للنّبات، لكنّها تحتوي أيضاً على تراكيزَ مرتفعةٍ من بقايا الأدويةِ والّتي تشكّل خطراً على الأنظمةِ البيئيّة، وفي حينِ تعملُ بعضُ محطّاتِ معالجةِ مياهِ الصّرفِ الصّحّيِّ على استرجاعِ المغذّياتِ منَ البولِ ومياهِ الصّرف، إلّا أنّها لا تقومُ عادةً بإزالةِ الموادِّ الدّوائيّةِ منها، إذ أنّ الأنظمةَ الحاليّةَ لإزالةِ هذهِ الموادِّ كالأغشيةِ والدَيلَزةِ الكهربائيّةِ والكربونِ المُنَشَّطِ تُعتبَرُ مكلفةً للغاية، وغيرَ مستدامةٍ ومستهلِكةً للطّاقة، لذلكَ عملَ باحثونَ من جامعتَي فلوريدا وأريزونا على تطويرِ طُرُقٍ جديدةٍ للمعالجةِ تتمثّلُ في استخدامِ الفحمِ الحيويِّ لمعالجةِ البولِ البشريّ وفصل بقايا الأدويةِ منه، وتحويلهِ إلى أسمدةٍ نباتيّة وزراعيّة.
ما هو الفحمُ الحيويّ؟
يُنتَجُ الفحمُ الحيويُّ بشكلٍ أساسيٍّ من حرقِ الأخشابِ وبقايا النّباتات، ويعتبَرُ المصدرَ الأساسيَّ لإنتاجِ الكربونِ المُنشَّطِ الّذي يُستخدَمُ في عمليّاتِ الامتزاز*، يتميّزُ الفحمُ الحيويُّ بسطحٍ مساميٍّ يسمحُ لهُ بالارتباطِ معَ جزيئاتِ الأدويةِ من خلالِ روابطَ من النّوعِ باي π-π وقوىً كهربائيّةٍ ساكنة (قوى فاندر فالس).
تتعلّقُ فعاليّةُ الفحمِ الحيويِّ ومساميّتهُ بشكلٍ كبيرٍ بمصدرِ الفحم، وتركيزِ شواردِ الهيدروجينِ للوسطِ المائيِّ pH وتركيبه، ويُعتبَرُ الفحمُ النّاتجُ عن حرقِ الخشبِ أفضلَ الأنواعِ إذ يمكنهُ فصلُ حوالي 90% من نسبةِ الأدويةِ و20% من المغذّياتِ فقط وذلك عندَ استخدامِ جرعاتٍ عاليةٍ منه.
يتميّزُ الفحمُ الحيويُّ أيضاً بتوافرهِ بشكلٍ كبيرٍ وانخفاضِ كلفته، ممّا يجعلُ استخدامهُ ممكناً في الدّولِ المتقدّمةِ والنّاميةِ على حدٍّ سواء، على عكسِ الكربونِ المُنَشَّطِ، إذْ أنَّ تنشيطَ الكربونِ يزيدُ من سطحهِ الفعّالِ ومساميّتهِ ويؤدّي إلى جودةِ فصلٍ أفضل، لكنَّ عمليّةَ التّنشيطِ مكلفةٌ وتستهلكُ الكثيرَ منَ الطّاقة، بينما تُعتَبرُ عمليّةُ انتاجِ الفحمِ الحيويِّ عمليّةً اقتصاديةً نسبيّاً.
عمليّةُ المعالجة:
تعملُ هذهِ الطّريقةُ الجديدةُ على معالجةِ المياهِ الملوّثةِ بالبولِ كتيّارٍ مُنفصلٍ ممّا يتيحُ استخدامَ موادّ وآليّاتٍ محدّدةٍ لذلك.
وقامت الدّراسةُ على استخدامِ أربعةِ أنواعٍ منَ الفحمِ الحيويِّ ونوعٍ واحدٍ منَ الفحمِ المُنشَّطِ وهي: (فحمُ جوزِ الهندِ المُنشَّط، وخشبُ جوزِ الهند، وخشبُ الخيزران (البامبو)، وخشبُ الصّنوبرِ الأمريكيِّ الأصفرِ وخشبُ غابةِ Hardwood الكنديّة)، بالإضافةِ لسبعةِ موادّ كيميائيّةٍ دوائيّةٍ وتشمل: حمضُ الصفصاف (أسيتيل ساليسيليك ASA)، الباراسيتامول PCM، الايبوبروفين IBP، نابروكسين NBX، سيتالوبرام CTP، كاربامازيبين CPM وديكلوفيناك DCF.
وتمَّ استخدامُ ثلاثةِ محاليلَ للبولِ وهي: محلولُ بولٍ طبيعيّ، وبولٌ معالَج، وتيّارُ صرفٍ صحّيّ.
توضّحُ الصّورةُ التّاليةُ عمليّةَ المعالجةِ بشكلٍ مُبسَّط:
محتوى الصّورة:
1- بولٌ وصرفٌ صحيٌّ يحتوي على مغذّياتٍ وبقايا أدوية.
2- امتزازُ بقايا الأدويةِ بالفحمِ الحيويّ.
3- ناتجُ امتزازٍ غنيٌّ بالفوسفورِ والنتروجين.
نتائجُ الدّراسة:
1- فعاليّةُ إزالةِ الموادِّ الكيميائيّة:
أبدى كلٌّ من فحمِ جوزِ الهندِ المُنشَّطِ وخشبِ الصّنوبرِ أفضلَ فعاليّةٍ لعمليّةِ الفصلِ تجاهَ كلٍّ من ASA، DCF، IBP وNPX بينما كانَ لخشبِ جوزِ الهندِ فعاليّةٌ أقلُّ، وذلكَ عندَ استخدامِ جرعةٍ تعادلُ 40 g/l منَ الفحم، ونفس الفعاليّةِ بالنّسبةِ لفصل CPM.
2- فصلُ المُغـذّيات:
أظهرتِ الدّراسةُ أنَّ خشبَ الخيزرانِ كانَ أفضلَ أنواعِ الفحمِ الحيويِّ المُستخدَمِ نسبيّاً من خلالِ الفعاليّةِ المنخفضةِ لعمليّةِ فصلِ المغذّياتِ عندَ استخدامه.
تفسيرُ النّتائج:
لا يمكنُ فهمُ عمليّةِ فصلِ الفحمِ الحيويِّ للمركّباتِ الكيميائيّةِ من مياهِ الصّرفِ الصّحّيِّ من خلالِ دراسةِ عاملٍ واحدٍ فقط، إنّما علينا الإلمامُ بكافّةِ العواملِ المؤثّرةِ ابتداءً بالتّركيبِ الكيميائيِّ لتلكَ المركّبات، ومساحةِ السّطحِ الفعّالِ ودرجةِ حرارةِ التحلّلِ الحراريِّ للفحمِ وانتهاءً بالصّفاتِ الكيميائيّةِ للمياهِ المعالجة.
وأظهرتْ لنا هذهِ الدّراسةُ أنّهُ يمكننا استخدامُ معظمِ الموادِّ المحيطةِ بنا للقيامِ بعمليّاتٍ كيميائيّةٍ معقّدةٍ أحياناً لكنّها حيويّةٌ جدّاً ومهمّة، في سبيلِ إيجادِ حلولٍ دائمةٍ للمشاكلِ الحياتيّةِ واليوميّةِ الّتي تواجهنا.
------------------------------
هامش:
*الامتزاز: هيَ عمليّةُ التصاقِ ذرّاتِ أو جزيئاتِ الملوِّثاتِ على سطحِ المادّةِ المازّة.
المصدر: