علم النفس > القاعدة المعرفية
دماغك يخدعك، تعرّف على حيله، التحيّزات الإدراكية
هل فكرتَ يوماً لمَ نتّخذ قراراتٍ معينةً؟ أو نفكِّر بهذه الطريقة أو تلك؟
ما الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا حتى نصل إلى موقفنا تُجاه قضايا حياتنا اليوميّة؟
ما هو الانحياز الإدراكي وكيف يؤثر في حُكمنا على الأمور؟
عندما نتخذ قراراً متعلقاً بالعالم المحيط بنا فإننا نميل للاعتقاد بأننا نبني قرارنا على المنطق والعقلانية، و بأنَّنا قمنا بتحليل الوقائع بعد إدراكها جميعاً، ولكنَّ قراراتِنا و أحكامَنا -في الحقيقة- عُرضةٌ لجملةٍ كبيرةٍ من الأخطاء و الانحيازات الناجمة عن عيبٍ في طريقة تفكيرنا.
الانحياز الإدراكي: هو عيبٌ في التفكير يقودنا إلى اتخاذ قراراتٍ قد تكون مغلوطة، وذلك ربّما بسبب الطريقة التي تعمل بها ذاكرتنا، فنحن نتذكر بعض التفاصيل عن حدثٍ ما ونُغفل تفاصيلَ أخرى تماماً مما يؤدي إلى تحيزٍ في التفكير واتخاذِ قرارٍ خاطئ حول تلك الذكرى. ومن الأمثلة الأخرى التي يعمل بها الانحياز الإدراكي هو الخلل في الانتباه، حيث ننتبه إلى تفاصيل معينة في العالم المحيط بنا دون غيرها؛ ممَّا يؤدي إلى اتخاذ قرارات متحيزة.
وعندما نصادف مشكلةً أو حدثاً سيئاً، فإننا نميل إلى لوم الأشخاص الخطأ أو البيئة لحماية ذواتنا.
في الواقع لا يمكننا أن نلوم أدمغتنا على ارتكاب هذه الأخطاء، لأن تحليل كلِّ خيارٍ متاحٍ والتفنيدَ فيه يأخذ في أغلب الأحيان وقتاً أطول مما نملك للبتّ في القرار الواجب علينا اتخاذه، وقد يكون هذا السبب في الوقوع في الانحيازات الإدراكية. إن عقولنا اعتادت سلوك طرقٍ مختصرةٍ للوصول إلى القرار "المناسب" بالسرعة القصوى وهذا ما ندعوه بالاستدلال المعرفي، ومن ناحية أخرى فإن وجود المشاعر والحوافز الفردية، والضغوط الاجتماعية، وغيرها من العوامل الشخصية تحدُّ من قدرة الدماغ على اتخاذ قرار موضوعي.
وعلى الرّغم من أن الانحياز الإدراكي قد يبدو لنا خللاً سيئاً في طريقة تفكيرنا، لكنّه ذو فائدة عظيمة في المواقف التي نحتاج فيها إلى التصرف آنيّاً؛ تخيَّلْ نفسك -مثلاً- تقود سيارتك بسرعةٍ وفجأةً ترى مجموعةً من الأطفال تلعب في الشارع أمامك، هل ستقوم بالتفكير بجميع الخيارات المتاحة لك أم أنك ستتخذ قراراً فورياً بالتوقف المباشر دون أن تفكّر بعواقب ذلك على عجلات سيارتك؟
قام علماء النفس على مر العقود السابقة بتحديد جميع التحيّزات التي نقوم بها يومياً وتصنيفها، وذلك انطلاقاً من الاعتقاد الخاطئ بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح؛ وانتهاءً باعتقادنا بوضوحِ رأينا أمام الآخرين على الرغم من عدم صحة ذلك.
هناك العشرات من أنواع التحيزات المعرفية المحددة من قبل العلماء اليوم؛ إذ يجعلك التّعرف إليها وفهمُها قادراً على تدريب ذاتك على تجاوزها وتجنب الوقوع فيها، وعلى بناء قراراتٍ تستند إلى المنطق بعيداً عن الخُدع التي قد يمارسها دماغك، ويمكن تصنيف الموجودة منها اليوم في أربع مجموعات حسب سبب كل منها:
1- التحيزات الناجمة عن وجود الكثير من المعلومات حولنا: إن العالم المحيط بنا يضج بمعلومات كثيرة ليس بإمكان أدمغتنا استيعابها جميعاً في الوقت نفسه، ولذلك نقوم بأخذ القليل منها ونبني عليها قراراتنا، وفي هذه الحالة قد تكون المعلومات التي يدركها الدماغ مرتبطة بذكريات أو حوادث سابقة مُخزَّنة في الدماغ، أو معلوماتٍ غريبةً ومضحكةً وملفتة للنظر، وقد نأخذ في بعض الحالات ما هو خارجٌ عن المألوف، أو ما يتوافق مع ما اعتدنا على تصديقه.
2- التحيزات الناجمة عن غياب المعلومات الكافية: نتلقى معلومات متفرقة من هنا وهناك، ولاحقاً تقوم أدمغتنا بملء الفراغات وربط المعلومات العشوائية بعضها ببعضٍ لخلق قصة متكاملة ذات معنى وغالباً ما تكون الفراغات التي نملؤها مستوحاةً من قصصٍ أو تجاربَ سابقة، أو من الأنماط التي اعتدنا عليها، وفي النهاية نقوم بوضع قصتنا في إطار جيد ومن ثم توجيهها إيجابياً عندما تتعلق بأناس لدينا عاطفة تجاههم، والعكس بالعكس.
3- الحاجة للتصرف بسرعة: في كل لحظةٍ هناك موقف حاسم علينا اتخاذه، و قد لا يكون لدينا المعطيات الكافية والوقت الكافي لاتخاذ القرار الأمثل، لذلك تعمد أدمغتنا إلى تزويدنا بثقة زائدة بالنفس باتخاذ قرار "نؤمن" بأنه صائب أياً يكن، كما أننا نميل نحو اتخاذ قراراتنا الآنية بناءً على تجارب سابقة مشابهة متجنبين الخيارات الأخرى الجديدة لتوفير الوقت في التفكير فيها، وللسبب ذاته؛ نختار ما يسهُل تنفيذه ونبتعد عما هو معقدٌ و صعب التنفيذ.
4- ما الذي يجب أن نحفظه في ذاكرتنا؟: نشهد الكثير من الأحداث أمامنا يوميّاً، وعلينا اختيار ما يبقى في الذاكرة وما نحتاجه مستقبلاً، ومايجب التخلص منه ولذلك نخزن عموميات المعلومات ونترك تفاصيلها الدقيقة غالباً، ولا ننسى ذكر أن ما نخزنه في ذواكرنا مرتبط وبشدةٍ بكيفيّة تعرضنا للأحداث وتعاملنا معها وكيفية خروجنا منها.
والآن وبعد كل هذه المعلومات، هل مازلت تثق بأحكامك؟ وهل قراراتك موضوعية بالقدر الذي كنت تعتقده؟ أشك في ذلك.
المصادر: