الطب > مقالات طبية
لا تكتئبْ... فقلبكَ سيدفعُ الثّمن!!
العقلُ السّليمُ في الجسمِ السّليم؛ مقولةٌ قديمةٌ ولكنّها ذاتُ مغزىً كبير، فعندما يعاني شخصٌ ما من الاكتئابِ سيعاني جسدُه أيضاً، وسيكونُ أكثرَ عرضةً للإصابةِ بالأمراضِ إلى جانبِ صعوبةِ الشّفاء منها.
هذا ما سنتطرّقُ إليه في مقالنا هذا، إذ أكدّتِ العديدُ من الدّراساتِ وجودَ علاقةٍ قويّةٍ بين الأمراضِ النّفسيّةِ والجسديّة، وكذلكَ فإنّ الاضطراباتِ والمشاكلَ النّفسيّة تملكُ تأثيراً على أمراضِ القلبِ والأوعيةِ الدمويّة مثل احتشاءِ العضلةِ القلبيّة، والذّبحةِ الصدريّة، واضطّراباتِ النّظمِ، وأحياناً الموت المفاجئ لعضلةِ القلب.
مبدئياً ما هو الاكتئاب؟
الاكتئابُ حالةٌ مرضيّةٌ مزمنةٌ تسبّبُ إعاقاتٍ نفسيّةً واجتماعيّةً أعلى ممّا تسبّبُه الأمراضُ الشّائعة، ويُعرَّف الاكتئابُ من قبلِ العلماءِ كعاملِ خطرٍ مستقلٍّ لداءِ الشّريانِ التّاجيّ بمقدارِ الخطرِ نفسه الّذي يسبّبُه التّدخينُ وارتفاعُ ضغطِ الدّمِ الشّريانيّ وفرطُ شحومِ الدّم.
ما هو مرضُ قصورِ القلب؟
يعرَّفُ قصورُ القلبِ بوصفه خللاً في وظيفةِ القلبِ الانقباضيّةِ والانبساطيّة؛ ممّا يجعلُه عاجزاً عن ضخِّ الدّمِ بما يكفي للأعضاءِ والأنسجةِ مسبّباً تدهورَ وظيفتِها وخاصّة الأعضاء الهامّة كالدماغِ والكُلى والرّئتين، وكذلك يؤدّي إلى انخفاضِ معدّلِ البقيا أو متوسّط العمرِ لدى الأشخاصِ المصابينَ به.
ما هي العلاقةُ بين الاكتئابِ وقصورِ القلب؟
يعدُّ الاكتئابُ شائعاً لدى مرضى قصورِ القلبِ أكثر بـ 4 إلى 5 مرّاتٍ من الأشخاصِ العاديّين.
وأُجريَت دراسةٌ بين عامي (1966 -2003) لتحديدِ العلاقةِ بينهما تحتَ عنوان "اضطراباتُ الاكتئاب، قصورُ القلبِ واحتقانه" إذ أظهرتِ الأبحاثُ أنّ العلاقةََ بينَ المَرَضَينِ تعودُ لتشاركهما في العديدِ من العواملِ الفيزيولوجيّةِ والمرضيّة.
إذ يزيدُ الاكتئابُ من إفرازِ الكاتيكولامينات والسيتوكينات السّابقةِ للالتهاب، وكذلك يحفّزُ تجمّع وتراصَّ الصُّفيحاتِ الدمويّة، وإذا ما أُخِذ بعينِ النظر ترافقُ الاكتئابِ مع انخفاضِ مستوى الدّعم الاجتماعيّ والنّفسيّ، فإنّ هذه العواملَ مجتمعةً تزيدُ من فرصِ الإصابةِ بالعديدِ منَ الأمراضِ القلبيّةِ والعضويّةِ الأخرى.
نجدُ ممّا سبق ذكرُه أنّ الاكتئابَ شائعٌ لدى المرضى المصابينَ بقصورِ القلبِ، وكذلكَ يُسهِم في تدهورِ درجةِ قصورِ القلبِ لدى الأشخاصِ المعرّضينَ للإصابةِ به.
أعراضُ الاكتئابِ لدى مرضى قصورِ القلب:
يسبّبُ الاكتئابُ لدى مرضى قصورِ القلبِ نقصاً شديداً في الكفاءةِ الوظيفيّةِ معَ زيادةِ احتماليّةِ البقاءِ في المشفى واحتماليّةِ الوفاة.
كذلكَ وُجدَ تأثيرٌ غيرُ متوقّعٍ للأدويةِ المضادّةِ للاكتئابِ في زيادةِ أعراضِ وشدّةِ المرض، لذا وجبَت مراقبةُ مرضى قصورِ القلبِ الّذين يتناولونَ مضادّاتِ الاكتئابِ عن كثب.
العلاج:
بما أنّ اختلالَ وظيفةِ القلبِ والنّشاطَ العصبيَّ الهرمونيَ هما المسؤولانِ عن التّدهورِ السّريريّ للمرضى، كان لا بدّ من التركيزِ على التّدخّلاتِ العلاجيّةِ بصفتها عاملاً مؤثّراً على تحسينِ وظيفةِ الدّورةِ الدّمويّةِ والجهازِ العصبيّ الذّاتيّ.
ويجبُ معالجةُ الاكتئابِ عندَ المرضى المصابينَ بمرضِ قصورِ القلبِ لتحسينِ حالتهِم الصحيّةِ وكفاءةِ الحياةِ لديهم، وكذلكَ يجبُ مراقبةُ مرضى قصورِ القلبِ الّذين لا يعانونَ منَ الاكتئابِ بحذرٍ لمنعِ حدوثِ الاكتئابِ لديهم.
ولكنْ تبقى الصّعوبةُ قائمةً في معرفةِ وتشخيصِ الاكتئابِ لدى مرضى قصورِ القلب، إذ إنّ لديهِم صعوبةً في الاعترافِ بالمرضِ، وكذلكَ تتداخلُ بعضُ أعراضِ مرضِ الاكتئابِ مع أعراضِ قصورِ القلبِ ممّا يقلّلُ إمكانيّةَ حصولِهم على العلاجِ الّذي يحتاجونه.
وأيضاً ينبغي معالجةُ الاكتئابِ خصوصاً لدى المرضى المغروسِ لديهِم مزيلُ رجفانِ القلبِ (ICD)، فعلى الرّغمِ من أنّ الجهازَ عادةً ما يكونُ مقبولاً وجيّداً؛ لكنّهم يخافونَ من الصّدمة، لذا نجدُ لدى هؤلاءِ المرضى مستوياتٍ مرتفعةً من القلقِ والاكتئاب.
كذلك فقد تسبّبُ الصّدماتُ النّاتجةُ عن مزيلِ الرّجفانِ الكهربائيّ عديداً من الاضطّراباتِ النّفسيّةِ، ويمكنُ لهذه المشكلةِ أن تصبحَ متكرّرةً نسبيّاً بالنّظرِ للنّتائجِ الأوّليّةِ في محاكاةِ قصورِ القلبِ المفاجئ (SCD-HeFT)، والّتي كان العلاجُ بها بالـ ICD مقارنةً معَ العلاجِ الوهميّ والأميودارون مرتبطاً بانخفاضِ أسبابِ الوفاةِ لدى مجموعةٍ كبيرةٍ من المرضى الّذين يعانونَ من القصورِ القلبيّ لأسبابٍ مختلفة.
معدّلاتُ الوفيّات:
بقيت معدّلاتُ الوفيّاتِ المرتبطةِ بمرضِ قصورِ القلبِ مرتفعةً على الرّغمِ منَ التّدخّلِ الدّوائيّ الّذي رفعَ إمكانيّةَ النّجاة، وعندما ثَبُت أنّ الاكتئابَ منتشرٌ بينَ هؤلاءِ المرضى انتشاراً يزيدُ من معدّلاتِ الوفيّات؛ التُفِت إلى علاجِ الاكتئابِ -الّذي لا يزالُ تشخيصُه صعباً- لتقليلِ معدّلاتِ الوفيّاتِ، لذا لا بدّ من زيادةِ الوعي والبحثِ في هذا المجال.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا
4 - هنا
5 - هنا