الطب > متلازمات طبية
سلسلةُ التّوحّد: مقدمّة + أعراضُه وتشخيصُه
- ما هوَ التّوحّد ؟
التّوحّدُ اضطرابٌ تطوّريٌ مُتعلّقٌ بالنّموّ والتّطوّرِ العصبيِّ السّليمِ للشّخص، ويدومُ مدى الحياة، ولا يمكنُ الشّفاءُ منهُ كلّياً، ولكن بالعلاجِ السّليمِ والدّعمِ المناسب؛ يمكنُ لكلّ شخصٍ مُصابٍ بالتّوحّدِ أن يعيشَ حياةً أقربَ ما تكونُ للطّبيعيّةِ وباختياراتِه الخاصّة.
يعاني الأشخاصُ المصابونَ بالتّوحّدِ من صعوبةٍ في التّفاعلِ مع محيطِهم، ويرونَ العالمَ بطريقةٍ مختلفة، ويسمعونَ الأصواتَ الّتي نسمعُها بطريقةٍ مختلفة، ويشعرونَ شعوراً مُختلفاً أيضاً.
وكذلكَ فإنّ بعضَ المصابينَ بالتّوحّدِ يعانونَ من أعراضٍ شديدةٍ تسبّبُ عجزاً اجتماعيّاً كبيراً لديهِم، بينما يعانِي بعضُهم الآخرُ من صعوباتٍ محدّدة، إذ إنّ تأثيرَ المرضِ يختلفُ باختلافِ المرضى، فبعضُهم يحتاجُ عنايةً خاصّةً مدى الحياة، وبعضُهم الآخرُ يمكنُه أن يعيشَ حياةً مستقلّةً نسبيّاً.
وعلى العكسِ ممّا يعتقدُه معظمُنا؛ فإنّ التّوحّدَ اضطرابٌ شائعٌ ويصابُ بهِ شخصٌ أو شخصان من كل 100 شخصٍ في العالم، ويوجدُ حوالي 700 ألف طفلٍ مصابٍ بالتّوحّدِ في المملكةِ المتّحدةِ وحدَها، ووفقاً لإحصائيّاتِ المراكزِ الأمريكيّةِ لمكافحةِ الأمراضِ والوقايةِ منها U.S. Centers for Disease Control and Prevention؛ فإنّ طفلاً واحداً تقريباً من كلّ 68 طفلاً يعاني من اضطّرابِ طيفِ التّوحّد.
- ما الفرقُ بينَ التّوحّدِ واضطّرابِ طيفِ التّوحّد ومتلازمةِ إسبرجر؟
كانَ تصنيفُ كلّ من متلازمةِ إسبرجر والتّوحّدِ مستقلّاً في السّابقِ كفئاتٍ فرعيّةٍ لما يُدعى بـ (الاضطّراباتِ النّمائيّةِ أو التّطوريّةِ المُنتشرة ).
لكن وحسبَ دليلِ الجمعيّةِ الأمريكيّةِ للأمراضِ النّفسيّة (الدّليلُ التّشخيصيُّ والإحصائيّ للاضطّراباتِ العقليّة) فإنَّ النّسخةَ الحديثةَ منهُ تُصنّفُ الطّيفَ الواسعَ من الأعراضِ والشِّدّاتِ المختلفةِ ضمنَ فئةٍ واحدة، والأشخاصُ الّذين سبقَ وشُخّصَت إصابتُهم بمتلازمةِ إسبرجر أو بالتّوحّدِ يصنّفونَ اليومَ كمصابينَ باضطّرابٍ واحدٍ يسمّى اضطّرابَ طيفِ التّوحّد (ASD).
- كيفَ يبدو سلوكُ الطّفلِ المصابِ بالتّوحّد ؟
يمكنُ للآباءِ والأطبّاءِ أن يلاحظُوا أولّاً السّلوكَ الخاصَّ بمرضى اضطّرابِ طيفِ التّوحّدِ عندَ مشاهدتِه لدى الأطفالِ الصّغار، ويمكنُ للطّاقمِ المدرسيِّ ملاحظةُ هذا السّلوكِ لدى الأطفالِ الأكبر سنّاً،إذ يظهرُ هذا السّلوكُ بنوعينِ خاصَّينِ من الاضطّرابات: 1) أنماطٌ سلوكيّةٌ مُقيّدةٌ وُمكرّرة 2)اضطّراباتٌ في التّواصلِ والتّفاعلِ الاجتماعيّ.
1) الأنماطُ السّلوكيّةُ المُقيّدةُ والمُكرّرة:
- تكرارُ بعضِ السّلوكيّاتِ أو القيامُ بسلوكيّاتٍ خارجةٍ عنِ المألوف.
- اهتمامُ الطّفلِ بدقّةٍ شديدةٍ بأشياءَ محدّدةٍ دونَ غيرِها.
- يُظهِرُ الطّفلُ باستمرارٍ اهتماماً بالغاً بمواضيعَ معيّنةٍ كالأرقامِ أو التّفاصيلِ أو الحقائق.
2) اضطّراباتُ التّواصلِ والتّفاعلٍ الاجتماعيّ:
- يمكنُ للتّغييرِ البسيطِ في روتينِ الحياةِ اليوميّ أو تفاعله مع محيطٍ مُفرِطِ الحركةِ أن يُسبّبَ الإزعاجَ للطّفل.
- يتجنّبُ الطّفلُ الاتّصالَ المباشِرَ بالعينِ وإن كان ولا بدّ فهوَ اتّصالٌ غيرُ مستمرّ.
- يُظهِرُ الطّفلُ ميلاً أقلّ إلى سماعِ النّاسِ أو النّظرِ إليهِم حينما يتحدّثون.
- من النّادر للطّفلِ المُصابِ بالتّوحّدِ أن يستمتعَ بمشاركةِ الآخرينَ بشيءٍ ما كنشاطٍ أو موضوعٍ معيّنٍ سواءً بالإشارةِ إليهِ أو إظهارِه لهم.
- يستجيبُ الطّفلُ لغضبِ الآخرينَ أو توتّرِهم أو انفعالِهم بطريقةٍ غيرِ مُعتادة.
- يكونُ الطفلُ بطيءَ الاستجابةِ عندما يُنادَى باسمِه أو عندَ أيّةِ محاولةٍ لجذبِ انتباهه، وقد لا يُظهِر أيّة استجابةٍ مطلقاً.
- يُعاني الطّفلُ من صعوبةٍ في بدءِ المحادثاتِ أو إكمالِها.
- عندما يتحدّثُ الطّفلُ عن موضوعٍ يحبُّه فإنّه غالباً ما يُطيلُ الحديثَ عنه، دونَ أن يُعيرَ انتباهاً إذا كانَ هناكَ من يهتمُّ بما يقولُه أم لا، ودون أن يُعطي الآخرينَ فرصةً للتّحدّثِ أو الاستجابة.
-يعيدُ الطّفلُ الكلماتِ أو الجملَ الّتي يسمعُها باستمرار، وهذا السّلوكُ يُسمّى ( اللّفظُ الصدويُّ ECHOLALIA )
- يستخدمُ الطّفلُ كلماتٍ قد تبدو غريبةً أو خارجَ الموضوعِ أو قد تبدو دونَ معنىً للأشخاصِ الّذينَ لا يتعاملون مع هذا الطّفلِ باستمرار.
- قد يتفاعلُ الطّفلُ مع ما يُقالُ له بتعابيرِ وجههِ أو بحركاتٍ أو وضعيّاتٍ لا تُناسبُ ما قِيل.
- قد يملكُ الطّفلُ لحناً صوتيّاً مميّزاً وغيرَ مُعتاد، قد يبدو كصوتِ أغنيةٍ أو صوتِ روبوتٍ أو صوتٍ ناعم.
- قد يواجهُ الطّفلُ صعوبةً في فهمِ وجهةِ نظرِ شخصٍ ما، أو قد لا يكونُ قادراً على توقعِ أو فهمِ تصرّفاتِ الأشخاصِ الآخرين.
يمكنكُم الاطّلاعُ على المزيدِ من التّفاصيِل حولَ الصّعوباتِ الّتي يعاِني منها مرضَى التّوحّدِ في مقالٍ سابقٍ لنا على الرّابط : هنا
التّوحّدُ والذّكاءُ الخارق:
الإصابةُ بالتّوحّدِ لا تعني أبداً التّخلّفَ العقليّ أو المستوى المتدنّي ذهنيّاً، فالمُصابونَ بالتّوحّدِ يُظهِرون تميّزاً ملحوظاً في مجالاتٍ عديدةٍ قد تتضمّنُ ذكاءً حاداً يرتفعُ فوقَ المعدّلاتِ المُعتادةِ مقارنةً مع أعمارِهم، وبحسبِ إحصائيّاتِ المركزِ الأمريكيّ لمكافحةِ الأمراضِ والوقايةِ منها فإنّ 46% من الأطفالِ المُصابينَ بالتّوحّدِ يُبدون معدّلاتِ ذكاءٍ أعلى منَ المعدّلِ المألوف.
فالمُصابونَ بالتّوحّدِ قادرونَ على تَعلّمِ الأشياءِ بتفاصيلِها الدّقيقةِ وتذكّرِ المعلوماتِ لفتراتٍ طويلةٍ من الزّمن، وبإمكانِهم تذكّرُ ما يرونَه ويسمعونَه تذكّراً ممتازاً.
وعلاوةً على ذلك؛ يمكنُ للمصابينَ بالتّوحّدِ أن يكونوا متميّزينَ في مجالاتِ الرّياضيّاتِ والعلومِ والموسيقا والفنّ وفي الطبّ أيضاً.
- كيفَ يُشخّصُ التّوحّد ؟
يُشخّصُ الأطبّاءُ التّوحّدَ من خلالِ معاينةِ سلوكِ الأطفالِ وتطوّرِهم، ويمكنُ تشخيصُ الأطفالِ الصّغارِ المصابينَ بالتّوحّدِ منذ عامهِم الثّاني، وعلى الرّغم من إمكانيّةِ التّشخيصِ المُبكّرِ للتّوحّدِ إلّا أنّ معظمَ الأطفالِ لا تُشخّصُ إصابتهِم بهِ حتّى سنّ الرّابعة.
يجبُ فحصُ الأطفالِ الأكبرَ سنّاً وكذلك المراهقينَ حينما يلاحظُ الأهلُ أو الكادرُ التّدريسيّ مشاكلَ في التّواصلِ مع الأقرانِ أو اللّعبِ معهم.
أمّا تشخيصُ التّوحّدِ لدى البالغينَ فيُعدُّ صعباً نسبيّاً، إذ إنَّ بعضَ أعراضِ التّوحّدِ قد تتداخلُ مع أعراضٍ مختلفةٍ تعودُ لاضطّراباتٍ عقليّةٍ أخرى كالفصامِ أو متلازمةِ قصورِ الانتباهِ وفرطِ الحركة (ADHD).
- تشخيصُ اضطّرابِ طيفِ التّوحّدِ لدى الأطفالِ يُعدُّ عمليّةً من مرحلتين:
المرحلةُ الأولى: فحصُ التّطوّرِ العامّ خلالَ الفحوصِ الدوريّةِ للطّفل:
يجبُ أن يخضعَ كلّ طفلٍ إلى الفحوصِ الدّوريّةِ من قبلِ طبيبِ أطفالٍ مختصّ، إذ تنصحُ الأكاديميّةُ الأمريكيّةُ لطبّ الأطفالِ بإجراءِ الفحوصِ الخاصّةِ باضطّرابِ طيفِ التّوحّدِ في الشّهر الثّامنَ عشر والشّهرِ الرّابعِ والعشرين، ولكن يجبُ إجراءُ الفحوصِ مُبكّراً في بعضِ الحالاتِ الخاصّةِ عندما يُعتبرُ الطّفلُ معرّضاً أكثرَ للإصابةِ بهذا الاضطّرابِ أو غيرهِ من الاضطّراباتِ التّطوريّة.
تتضمّنُ عواملُ الخطورةُ الّتي تتطلّبُ إجراءَ الفحوصِ في وقتٍ أبكر:
وجودُ أخٍ أو أختٍ أو أيّ فردٍ آخرَ في العائلةِ مصابٌ باضطّرابِ طيفِ التّوحّد.
وجودُ بعضِ السّلوكيّاتِ الّتي تدلُّ على المرض.
الخداجةُ أو الولادةُ المبكّرةُ للطّفل، أو الولدانُ بوزنٍ منخفضٍ عندَ الولادة.
وتعتبرُ ملاحظاتُ الأهلِ غايةً في الأهميّةِ خلالَ الفحص، إذ يطرحُ الطّبيبُ المختصُّ في بعضِ الأحيانِ أسئلةً على الأهلِ تتعلّقُ بسلوكِ أبنائِهم ثمّ يضيفُ هذهِ المعلوماتِ إلى الملاحظاتِ الخاصّة به، والأطفالُ الّذين يُظهِرون مشاكلَ تطوريّةً ونمائيّةً خلالَ هذا الفحص؛ يُتابَعُ فحصُهم في المرحلةِ الثّانية.
المرحلةُ الثّانية : التّقييمُ الإضافيّ:
يُجرى التّقييمُ من قبلِ فريقٍ من الأطبّاءِ المختصّينَ في مجالاتٍ مختلفة؛ والّذينَ يملكونَ خبرةً في تشخيصِ اضطّرابِ طيفِ التّوحّد، يتضمّنُ الفريقُ غالباً طبيباً مختصّاً بالتّطوّرِ لدى الأطفال؛ وآخرَ مختصّاً بالتّطوّرِ الدّماغيّ والسّلوكيّ لدى الطّفل؛ وأخصائيّاً لغويّاً.
تتضمّنُ المرحلةُ الثّانيةُ من الفحصِ قياسَ المستوى السّلوكيّ والقدراتِ الفكريّةِ واللّغويّةِ للطّفلِ واختبارَ قدراتِ الطّفلِ المناسبةِ لعمرِه؛ كقدرتِه على تناولِ الطّعامِ وارتداءِ الملابسِ والدّخولِ إلى الحمّام.
وبما أنّ اضطّرابَ طيفِ التّوحّدِ اضطّرابٌ معقّد؛ فقد يترافقُ أحياناً مع أمراضٍ جسديّةٍ أو اضطّراباتٍ تعليميّةٍ أخرى، ولذلك يجبُ أن يشملَ التّقييمُ فحوصاً دمويّةً واختباراتٍ سمعيّةً أيضاً.
تشخيصُ اضطّرابِ طيفِ التّوحّدِ لدى الأطفالِ الأكبرَ سنّاً والمراهقين:
غالباً يُحالُ هؤلاءِ الأطفالُ إلى الفريقِ الطّبّيّ المختصّ من قبلِ الكادرِ التّدريسيّ كما ذكرنا.
وقد يلجأُ الأهلُ أيضاً إلى الطّبيبِ بخصوصِ مشاكلِ طفلِهم الاجتماعيّةِ والّتي تتضمّنُ فهمَ نبرةِ أصواتِ الآخرينَ وتعابيرَهم الوجهيّةَ أو لغتَهم الجسديّة.
وكذلك فقد يواجهُ الأطفالُ الأكبرَ سنّاً صعوبةً في فهمِ الاستعاراتِ خلالَ الحديثِ أو في فهمِ النّكاتِ والدّعابات، وقد يلاحظُ الأهلُ أيضاً أنّ ابنَهم لا يستطيعُ تكوينَ صداقاتٍ مع أقرانِه، فيمكنُ للطّبيبِ حينها أن يقرّرَ القيامَ بالمزيدِ من الاختباراتِ لإيجادِ السّبيلِ المناسبِ للعلاج.
تشخيصُه لدى البالغين:
على البالغينَ الّذينَ يلاحظُون أيّ أعراضٍ أو علاماتٍ للتّوحّدِ اللجوءُ إلى الطّبيبِ وطلبُ إحالتِهم لإجراءِ فحصٍ خاصّ باضطّرابِ طيفِ التّوحّد، ويمكنُ للبالغينَ المصابينَ بالتّوحّدِ أن يراجعُوا طبيباً نفسيّاً ذا خبرةٍ في علاجِ التّوحّد.
وتتضمّنُ الزّيارةُ أسئلةً مختلفةً تتعلّقُ بالمرضى كالتّحديّاتِ الّتي يواجهُها المريضُ في التّفاعلِ والتّواصلِ مع محيطِه والمشاكلِ الحسيّةِ أو السّلوكيّاتِ المقيّدةِ والمكرّرة، وقد يحتاجُ الطّبيبُ أيضاً إلى معلوماتٍ عن تطوّرِ المريضِ منذُ أن كانَ طفلاً، وبالتّالي قد يتضمّنُ تقييمُ اضطّرابِ طيفِ التّوحّدِ لدى البالغينَ التّحدُّثَ إلى الأهلِ أو أحدِ أفرادِ العائلة.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا