الفيزياء والفلك > فيزياء
كيب ثورن، الفيزيائيّ الّذي كرّس حياته للكشف عن أمواج الجاذبيّة
كيب ثورن هو أحدُ علماءِ الفيزياءِ النّظريّةِ الأمريكيّينَ الثّلاثةِ الّذين حازوا على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2017. وقد لعب ثورن هو وزميلاه الفائزان الآخران، "راينر فايس" و"باري باريش"، أدوارَ البطولة في تأسيس وإدارةِ مرصدِ الأمواج الثّقاليّةِ بالتّداخلِ اللّيزريِّ LIGO الّذي رصدَ الأمواجَ الثّقاليّةَ لأوّلِ مرّةٍ في أواخرِ عام 2015. إذ قامَ فريقُ المرصدِ المؤلَّفِ من أكثرِ من 1000 عالمٍ بتحليلِ البيانات الخام والكشفِ أخيرًا عن "تموُّجاتٍ" غير مرئيّةٍ في الفضاء، كان ألبرت أينشتاين قد توقّعها قبل قرن من الزّمنِ في نظريّته "النّسبيّة العامّة".
حتّى قبل حصولِ الدّكتور ثورن على جائزة نوبل، تميّز بأنّه أحدُ ألمع الفيزيائيّين المهتمّين بالجاذبيّةِ في العالم. وقد أجرى بحوثًا فلكيّةً واسعةً حول الأجرامِ السّماويّةِ الّتي تتأثّرُ بجاذبيّة النّجومِ والثّقوبِ السّوداء، والأمواجِ الثّقاليّة.
عامَ 1967 أصبحَ ثورن أستاذًا مشاركًا في معهد كاليفورنيا للتّكنولوجيا، حيثُ أكملَ 52 فيزيائيًّا رسالةَ مابعدِ الدكتوراه تحت إشرافه الشّخصيِّ.
كما ألّف ثورن العديدَ من الأعمالِ المؤثِّرة، بما في ذلك كتاب "الجاذبيّة" Gravitation، الكتاب الّذي أثّر في جيلَين متتالِيين من الفيزيائيّينَ الّذين درسوا النّسبيّةَ العامّةَ، وكتاب الثّقوبِ السّوداءِ وانحناء الوقت: إرثُ أينشتاين الفاحش Black Holes & Time Warps: Einstein's Outrageous Legacy، الّذي يفسّرُ فيهِ النّسبيّةَ العامَّة لعمومِ النّاسِ. وشاركَ مؤخّرًا في تأليفِ الفيزياء الكلاسيكيّةِ الحديثةِ Modern Classical Physics، وهو كتابٌ مرجعيٌّ على مستوى الدّراساتِ العليا ويستندُ على المنهاج العلميِّ الّذي درّسهُُ في جامعةِ Caltech لمدّةِ ثلاثةِ عقودٍ متتاليّةٍ، حولَ أساسيّاتِ الفيزياءِ وتطبيقاتِها في القرن الحادي والعشرين.
على عكسِ معظم الفيزيائيّينَ اللّامعينَ حاول الدّكتور ثورن التّأثيرَ في الوعي لدى عامّةِ النّاس مرّاتٍ عديدةٍ، أبرزها عندما شاركَ مع المخرج كريستوفر نولان عام 2014، في فيلمِ الخيال العلميّ Interstellar "بين النجوم". عندما شغلَ ثورن منصبَ المنتجِ التّنفيذيِّ والمستشارِ العلميِّ للفيلم. وقد نشر كتابًا لشرح الأسسِ العلميّةِ للفيلم وإثباتِ أسسها في الفيزياء.
وقد ظهرت شخصيّة الدّكتور ثورن عام 2014 في الفيلم الشّهيرِ الّذي يتحدّثُ عن حياة الفيزيائيِّ ستيفن هوكينغ "The Theory of Everything".
في مقابلةٍ أجرتها CERN مع كيب ثورن قبلَ حصوله على جائزة نوبل، سُئِلَ كيب ثورن عن الدّافعِ الّذي جعلهُ يشاركُ في البحث عن أمواج الجاذبيّة، فأجاب:
وصلت إلى جامعة Caltech كأستاذٍ شابٍ في عام 1966، وأنشأت مجموعةً بحثيّةً تعملُ على أمواجِ الجاذبيّةِ والثّقوبِ السّوداءِ والنّجومِ النيوترونيّةِ. في البداية، كنت مهتمًّا بالنّظريّة. لكن عندما أعلنَ جوزيف ويبر وجودَ أدلّةٍ على رصدِ أمواجِ الجاذبيّةِ في عام 1969، تابعتُ عملَه باهتمامٍ كبيرٍ. وكتبتُ مع طالبي بيل ورقةً في عامِ 1972 تُصوِّرُ مستقبلَ البحوثِ الّتي تهدف إلى دراسةِ أمواجِ الجاذبيّةِ، سواءً النّظرية أوالعمليّة. وعندما سمعتُ أوّلَ مرّةٍ بفكرة راينر فايس الّتي تهدف إلى تطويرِ أداةٍ لقياس تداخل أمواجِ الجاذبيّةِ، كنتُ مُشكِّكًا جدًّا، لأن فكرةَ استخدامِ الضّوءِ لقياس التَّغييرات في الموضع بمقدارِِ 0،00000000001 (11-^10) من طولِ موجةِ الضّوءِ هي فكرةٌ مجنونةٌ! ولكن بعد مناقشاتٍ طويلةٍ مع فايس ومع فلاديمير براجينسكي في موسكو، أصبحتُ مقتنعًا بإمكانيّةِ فعلِ ذلك. وأظهرت أبحاثي حولَ مصادر تموّجات الجاذبيّة أنّه إذا نجح هذا المقياسُ فعليًّا، فسيكون الأداةَ الأساسيّةَ الّتي يعتمد عليها علماءً الفلكِ والكونيّات. لذلك قرّرت تكريس حياتي المهنيّة للكشف عن أمواجِ الجاذبيّة.
بدأت أنخرط في التّجارب الّتي تهدف للكشف عن أمواجِ الجاذبيّة حوالي عام 1976 وكنت في ذلك الوقت قد بدأت بالفعلِ العملَ على النّظريّة منذ عام 1966، لذلكَ أتممتُ اليومَ نحوَ خمسين عامًا في هذا المجال.
وعندما سألوه هل كنت تتوقّع أن تُكتَشَفَ أمواجُ الجاذبيّة خلال حياتك؟ أجاب:
نعم، واعتقدت أنّه من المحتمل جدًّا أن تصدر عن تصادمِ ثقبين أسودَين من النّوعِ الّذي رصدناه بالفعل. كتَبتُ كتابًا يُسمّى الثُقوبَ السّوداءِ وانحناء الوقت، نُشِرَ عام 1994، وكتبت مقدمةَ هذا الكتاب خلال شهرِ العسل الّذي قضيته مع عروسي في شيلي في عام 1984. في تلك المُقدِمَة، وصَفتُ رصدَ ثقبين أسودين، يزنُ كلٌّ منهما نحو 25 كتلةً شمسيّةً، يندمِجانِ معًا فتنتج ثلاثَ كتلٍ شمسيّةٍ من الطّاقةِ وموجاتِ الجاذبيّةِ، وهذا قريبٌ جدًّا ممّا رأيناه. بالنّسبةِ لي لم يكن هذا مفاجئًا، فقد ارتحت كثيرًا عندما تبيّنَ أنّ كلَّ شيءٍ جرى كما توقعنا.
المصادر: