الفيزياء والفلك > علم الفلك
فلكيٌ و رجلُ دينٍ في الوقتِ نفسهِ؟! لا مشكلةَ؛ شرطَ أن تكونَ مثلَ العالِم "جورج لوميتر"!
ان للحرب العالمية الأولى أشدُّ الأثر على حياة الشعوب الأوروبية، ولكن كما نعلم؛ فكل شيء لهُ سلبيات وإيجابيات، حتَّى الحروب وويلاتها. فقد وهبت تلكَ الحربُ الوسطَ العلمي عامّةً والفلكيَّ خاصةً واحدًا من ألمعَ فلكيِّيه وأقلِّهم شهرة - بالنظر لِما حقَّقَهُ - ألا وهو الفيزيائي الفلكي والكاهن البلجيكي جورج لوميتر (Georges Lemaître) مقترحُ نظريَّتَي لانفجار العظيم (The Big Bang Theory) وتمدُّدِ الكون (The Expansion of the Universe)، والتي تُنسَبُ عادةً خطأً للفلكيّ إدوين هابل (Edwin Hubble).
كيف حدث هذا؟
في عام 1911م التحقَ لوميتر بكليةِ الهندسة بجامعة لوفان الكاثوليكية في سنِّ السابعة عشرة، وعندما اندلَعَتِ الحربُ العالمية الأولى عام 1914 انضمَّ إلى الجيش البلجيكي بصفة ضابطٍ، وقد تسببتِ الحرب في تغيُّر ميولِه لتميل نحو الرياضيات والفلك، فنالَ درجةَ الدكتوراه في العلوم والرياضيات عام 1920، وأصبح قِسًّا بعد فترةٍ قصيرة. ثم التحق بعدها بجامعة كامبريدج لدراسة الفلك عام 1923، وقدَّم في عام 1927 بحثه العلمي الّذي أثار زوبعة من الجدل آنذاك في دورية (Annals of the Scientific Society of Brussels) بعنوان "كونٌ مُتجانِس ذو كُتلةٍ ثابتةٍ وقُطرٍ متمدد " هنا
أكسبتْهُ تلك الورقةُ شهرةً واسعةً في الوسط العلمي، إذ ناقض فيها ما كانَ مُعتَقدًا من قبلُ عن أنَّ الكونَ ذو كتلة وحجم ثابتَين، فقد نشر في ورقته أنَّ الكونَ ينمو ويتمدّد. وقد اعترض عليه ألبرت أينشتاين (Albert Einstein)، والذي لم يكن وقتَها مقتنعا بفكرة تمدد الكون، معلِّلاً ذلك بأنّه على الرغم من أنَّ الحسابات قد تبدو صحيحة، ولكنَّ الفيزياء من ورائها مَعيبَة.
كما استنتج لوميتر في ورقته البحثيّة ما نُسميه اليوم "ثابت هابل" (Hubble's Constant) وقانون هابل Hubble's law قبلَ سنتَين من الفلكيّ هابل، وفي السنة ذاتِها شدَّ لومتر رحالَه إلى معهد ماساتشوستس التقنيّ (MIT) ونال درجة الدكتوراه هناك، ثم عُيِّن بروفيسورا في الفيزياء الفلكية في جامعة لوفان الكاثوليكية.
بعد نشر هذه الورقة الرائدة؛ أدركَ لوميتر أن شيئاً ما ينقصُ ورقتَه، فإذا كانَ الكونُ يتوسَّعُ دائماً فمتى وكيف بدأ كلُّ ذلك؟
أعاد لوميتر كتابة ورقته الرئيسيَّة عام 1931، واقترحَ فيها أنَّ تمدُّدَ الكون بدأَ من نقطة أسماها " لذرة الأولية" ('Primeval Atom")، و نشرها في مجلة الطبيعة (Nature)؛ وعُرِفَت تلك النظرية فيما بعدُ باسمِ "نظرية الانفجار العظيم".
وتُوفيَّ لومتر في 29 يونيو 1966م بعدَ اكتـشاف إشعاع الخلفية الميكروني الكوني CMB والذي أيَّدَ نظريَّتَهُ عن نشأة الكون.
ومن أحدِ الأسباب التي جعلت لومتر مميزًا كونُهُ أحدَ العلماءِ القلائلَ أو بالأحرى النادرين الذين جمعوا بين كونهم علماءَ ورجالَ دين في الوقتِ نفسِه، ويقول لوميتر مُبيَّنًا رأيه هنا حولَ الجدل القائم بين العلم والدين: "هل يجب أن يَرفضَ كاهنٌ ما النسبيةَ لأنها لا تنصُّ على عقيدة الثالوث؟ إنَّ الجدلَ القديمَ بين الدين والعلوم يختفي بمجرَّدِ إدراكِ أنَّ الإنجيلَ لم يَدَّعِ أنّهُ كتابٌ عن العلم!".
المصادر: