الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
الغبارُ.. أهمُّ صادراتِ إِفريقيا إلى العالم
تُصـدّر إفريقيا سنويّاً ملايين الأطنان من الغبار الغنيِّ بالمعادن المفيدة إلى المنطقةِ الاستوائيةِ الأطلسيّة ويُعدُّ غبارُ القارّة السّمراء أحدَ أهمِّ صادراتِها إلى العالم -إنْ لم يكُنِ الأهمَّ- وذلك بسبب دوره في تغذية غابات الأمازون والمحيط الأطلسيّ، وتخفيفِ لسعة الشّمس الحارقة عن طريق انتقاله مع الرّياح حول العالم، ولهذا الغبار أثٌر مهمٌّ آخرُ يتمثّلُ بتأثيره على التّغيّر المناخيّ عبر العصور إلى جانب تأثيرات مناخيّة وبيوجيوكيميائيّة واضحة، فكيفَ ذلك؟
لم يكن الوضعُ مماثلاً قبل قرابةِ أحدَ عشرَ ألف عام عندما انخفضت كميّةُ الغبار الإفريقيّ المحمولِ مع الرّياح إلى مستوياتٍ متدنيّة، وأدّى هذا الانخفاض إلى تناقص مُعدَّلِ الجُسيماتِ الدقيقة المعلَّقة في الجوّ، ممَّا سمحَ لكميّاتٍ أكبرَ من أشعّةِ الشّمس بالوصول إلى سطحِ مياه المحيط لِترفَع من درجة حرارتها بمقدار 0.15 درجة مئويّة، ممّا دفع بالرّياح الموسميّة إلى شمال إفريقيا، وحوّلَ مناخَها إلى مناخٍ أكثرَ اعتدالاً ممَّا هوَ عليه حالياً.
وربّما تجدون الزّيادةَ في درجةِ الحرارةِ ضئيلةً جدّاً، لكنْ حتّى تلك الكسورُ القليلةُ تؤدّي في بعض مناطق الأرض إلى تغييراتٍ كبيرة، كما هو الحال في المناطق الاستوائيّة من المحيط، إذ تؤدّي إلى تغيير مُعدَّلاتِ هطول الأمطار وهبوب الرّياح.
وكما أسلفنا، فإنّ الغبار المحمول مع الرّياح والغنيّ بالمعادن المُفيدة يؤدّي دوراً مهمّاً في تغذية البيئات البحريّة والغابات المطيرة في البرازيل.
ولمعرِفة كيفيّةِ هذا التّأثير؛ دُرِسَـتِ التّغيّراتُ في أنماطِ انتقالِ الغبار منذ ذروة العصر الجليديّ الأخير حتّى يومِنا هذا، ففي الماضي كانت إفريقيا أكثرَ اعتدالاً وقابليّةً للسكن ممّا هي عليه الآن؛ إذ شهِـدت اكتظاظاً سكّانياً حتّى ضمن المناطق الصحراويّة غير القابلة للسّكن حاليّـاً.
وللتّأكيد على ذلك، فقد وجد علماءُ الآثار في بعض المناطق الصحراويّة أدواتٍ تُستخدَمُ في صيد الأسماك، ممَّا يدلُّ على احتواءِ كثيرٍ من تلك المناطق في السّابق على مياهٍ وتعرُّضِها لهطولِ أمطار أكثر من الوقت الراهنِ.
وقد يعود ذلك إلى التغيُّراتِ الدوريّة في محور الكوكب، الّتي عرّضت نصف الكرة الشماليّ لمزيدٍ من ضوء الشمس وتبخّرِ المياه، ممّا يُنتِجُ هطولاتٍ مطريّةٍ أكبر.
تُشير مجموعة من التقارير المناخيّة إلى أنَّ تبدُّلَ محورِ الأرضِ ليس سبباً كافياً لإحداث تغييرات على صعيد جغرافي كبير كالمذكورة آنفاً، لذلك حُلِّلت عيّناتٌ من الغبار المُترَسِّب في جُزُرِ البهاما على مرِّ السّنوات الثّلاثة والعشرين ألفاً الماضية لتحديدِ الأسباب الكاملة.
وتبيّنَ من خلال البحث أنَّه حتَّى نهايةِ العصر الجليديّ كانت كميّةُ الغبارِ الصادرةُ من إفريقيا ضعفَيّ ما هي عليه الآن، ولكن بعد ذلك العصر؛ وحتّى عام 3000 قبل الميلاد انخفضت تلك الكميّة إلى نصف مقدارها الآن.
وعلى الرغم من تحقُّقنا من تأثيرِ انتقال الغبار على الظروف المناخيّة الإفريقيّة؛ لكنَّنا لا نزالُ نجهلُ حجمَ ذلك التّأثيرِ وإمكانيّةَ استمراره.
المصدر: