الفيزياء والفلك > فيزياء
نعم؛ السفر ُعبر الزمن ممكنٌ، ولكن هناك مشكلة!
هل راوَدَتك يومًا رغبةٌ بالسّفر عبر الزمن؟ ربّما سيسّرك إذا عرفتَ أنك في هذه اللحظة - أيًا كان ما تفعلهُ - تُسافرُ عبرَ الزَّمن، ولكن هناك مشكلةٌ! وهي أنّك تسافرُ دومًا باتّجاهٍ واحدٍ وثابت، فهل من إمكانيّة لِتغيير اتّجاه هذه الرحلة فتعودَ الى الماضي؟
تَعُدُّ النظريّةُ النسبيّةُ أنّه لا يمكن فصلُ الزمان عن المكان، فكلاهما يشكلان معًا نسيجًا واحدًا يُسمّى "نسيج الزمكان"، فإذا كان الأمر كذلك حقًا، لماذا نملك حريّة التنقّل في المكان ولكننا لا نملك حريّة التنقّل في الزمان؟ فليس هناك مشكلةٌ في الحركة إلى الأمام أو الخلف بأيٍّ من الاتّجاهات في المكان، ولكن ماذا عن الحركة الزمان؟
لا توجد طريقةٌ معروفة تسمحُ لنا بنَقل أيّة مادّة أو معلومةٍ مِن الحاضر الى الماضي، ولكنَّ العلماء يعتقدون أنَّنا لو تمكّنَّا من السفرِ بِسُرعةٍ تفوقُ سرعةَ الضوء فإننا قد نتمكّن من السّفر إلى الماضي، وبالطّبع؛ ما زال هذا الأمر يبدو مستحيلًا حتى يومِنا هذا، ولذلك فمن المُستَبعدِ جدًا أن نتمكَّن من السّفر من نقطة معيّنة في الزمكان إلى نقطةٍ أُخرى ذاتِ إِحداثيّات زمنيّة أقل.
ولكن هناك سببان أساسيّان يدفعان الإنسان إلى التفكير دومًا بالسفر في الزمن؛ الأوّل هو أنَّ السفرَ في الزمن هو أمرٌ ممتعٌ، وجميعنا نتمنّى أن نتمكّن من القيام به يومًا ما، والسبب الثاني هو الحاجة إلى فهم أكبر الألغاز في عالم الفيزياء: الزمن.
ما هو الزمن؟ لا نعرف! ولماذا يتحرّك في اتجاه واحد فقط؟ لا نعرف! ولماذا يمضي قُدمًا دومًا؟ لا نعرف! وهل يتألف الزمنُ من وحداتٍ زمنيّةٍ صغيرةٍ؟ نحن لا نعرف!
ولكن إذا ما توقفنا لحظةً ونظرنا إلى تاريخِ الفيزياء لَوجدنا أنّه - وعلى نحوٍ مماثلٍ تماماً - كانت أفكارٌ كنظريّة الانفجار العظيم والثقوب السوداء مجرَّدَ أفكارٍ في السّابق، فهل من الممكن أن تصبحَ فكرة السفر عبر الزمن حقيقةً في المستقبل؟ ربّما يكون احتمال حدوث هذا ضعيفًا جدًا، ولكنْ هناك حلولٌ معيّنةٌ قد تُمكِّنُنا من التحايُل على قوانين الفيزياء والتنقّل بسرعةٍ تفوقُ سرعةُ الضّوء.
وهنا يأتي دور النسبيّة العامّة كمرشّحِ قويّ قد يحقق لنا أمنية السّفر عبر الزمن، فأحد الحلول السّهلة على سبيل المثال وفقًا للنّسبيّة العامّة هوَ أن نسير على مُنحَنٍ شبه زمني مُغلق Closed time like curve. ونعني بكلمة (منحنٍ) مسلكًا في الزمكان، و(شبهَ زمنيّ) أنّه لا يمكننا أبدًا السّير فيه بسرعةٍ أكبرَ من سرعةِ الضوء، ومن المهم أن يكون (مغلقًا) حتى يشكّل حلقةً تعودَ بنا في نهاية المَسلك إلى نقطة البدايةِ؛ أيْ إلى الماضي.
تقترح النسبيّة أيضًا أنّه بإمكاننا التنقّل عبر ثقبٍ دوديٍّ يسمحُ لنا بالتحرُّكِ بين نقطتَين في الزمكان، والمشكلة هنا هي أنّنا لم نستطع - حتّى الآن - إثباتَ الثقوب الدوديّة أو مشاهدتِها في كوننا، ممّا يستبعد هذه الإمكانيّة حالياً.
وبإمكانِنا أيضًا ضغطُ الزمكان وتقليصُه بصورةٍ تمكّننا من اجتيازِ مسافاتٍ كبيرة في وقت أقل، وإذا نجحنا في ذلك يمكننا عندئذٍ السفرُ بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، وهذا المبدأ هو أساسُ ما يعرف بالـ Alcubierre drive؛ المبدأِ الافتراضيِّ الّذي طرحه آينشتاين كحلٍّ يتيحُ للمركبات الفضائيّة التنقّل بسرعةٍ تفوق سرعة الضوء.
وإليكَ حلًّا آخرَ أكثرَ جنونًا اقترحَهُ الفيزيائيُّ فرانك تيبلر Frank Tipler، فكلُّ ما ستحتاجه هنا هو أن تلُّفَ جسمًا ذو كتلةٍ لا تقلُّ عن عشرةِ أضعاف كتلة الشمس في أسطوانة كثيفةٍ جدًا وطويلةٍ جدًا تدور حولَ محورها الرئيسِ بسرعةٍ تقاربُ سرعةَ الضوء (عُدنا إلى سرعة الضوء مجددًا)، وإذا اقتربت سفينةٌ فضائيّةٌ مثلاً من أسطوانة كهذه فإنّها قد تدخلُ في مُنحنٍ شبهِ زمنيٍّ مُغلق ٍclosed، time-like curve، ولكنَّ المشكلةَ هنا هي أنّنا ولكي نحصل على فرصةٍ كهذه يجب أن تكون هذه الأسطوانة لانهائيّةَ الطول، وبالطّبع لا يوجد شكّ باستحالةِ أمرٍ كهذا - على الأقل في الوقت الراهن - فحقًا لا يمكننا التوصّلُ إلى طريقةٍ تمكّننا من إخراج أيٍّ من هذه الحلول من دولاب الخيال الى الواقع.
ميكانيك الكم يبقينا في الواقع
لا يبدي أيُّ أحدٍ في الحقيقة مشاعرَ السعادة والأمل تجاه إمكانيّة السفر عبرَ الزمن كما تفعلُ نظريّةُ النسبيّة العامّة؛ فمثلًا؛ تحاولُ النظريّةُ الكموميّة جاهدةً إبقائنا في الحاضر خلافاً للنسبيّةِ العامّةِ؛ ففي كلِّ محاولةٍ لبناءِ آلةِ زمن كموميّة ينتهي المطافُ بانتهاك أحد مبادئ الكَمِّ!
ولكن هذا لم يثنِ الباحثِين و فيزيائيِّي الكم عن محاولةِ إيجاد حلٍّ لمعضلةِ السفر عبر الزمن، وفي الحقيقة تمكّن أحد فيزيائيي الكم من حلّ أحد أهمّ المعضلات المتعلّقة بالسفر عبر الزمن؛ معضِلةُ الجدّ، وتحدثُ معضلةُ الجدِّ إذا قرَّرْتَ أنْ تسافرَ في الزمن إلى الماضي لتقتلَ جدّك، وبهذا فلن يُولَد والدك؛ ولذلك لن تولَد أنت أيضًا، موصلًا إيّانا الى طريقٍ مسدود!
يقترح الحلُّ إرسالَ معلوماتٍ كموميّة (بتّ كموميّ) إلى الماضي، في عالم موازٍ لعالمنا، إذ يخلقُ حالةً كموميّةً شبيهةً بحالةِ القطة في تجربة شرودنغر (ميتة وحية في الوقت ذاتِه)، وبالمثل تكون حالة البت الكمومي: صفراً وَواحداً في آنٍ معاً.
ولكنّ أغلب علماء الكمّ يعتقدون أنّ السّفر عبر الزمن هو أمرٌ مستحيل في الواقع، فقد اكتشفَ الباحثون نُوىً ذريّةً تشبهُ شكلَ ثمرة الكُمثرى، وتنتهكُ بعضَ القوانين الفيزيائيّة الأساسيّة وأهمُّها التناظُر.
إذ إنّ نواةً ذريّةً - على شكل كُمثرى - لن تبدو هي نفسُها إذا قمتَ بإيقافِها رأسًا على عقب مثلاً، وإنّ هذه الحالة ما هي إلا أحدُ الأمثلة الّتي تنتهك التناظرَ الفيزيائي والذي يشمل تناظرَ الشحنة وتناظرَ السوية وتناظرَ الزمن (CPT=Charge Parity Time)، ما يعني أن التناظر الزمنيّ قد يُنتهك أيضًا، ولذلك يعتقدُ بعضُ العلماء أنّ الوقتَ ذو اتجاهٍ محددٍ، وبهذا يمكن إصلاحُ الخرق في تناظر الشحنة الفيزيائية.
وعلى أيّةِ حالٍ؛ فإنّ السفر عبر الزمن قضيّةٌ صعبةٌ وشائكة، فلا يمكننا أن نبرهنَ من دون أيّ شكٍّ أنَّه مستحيل، ولكننا في الوقت ذاته لا نملكُ أدلَّةً دامغةً تشيرُ إلى إمكانيته! ومن الواضح أننا لا نفهم الزمنَ بحد ذاته، وبهذا نفتقر إلى جزء كبير من حلّ اللغز.
وهذا لا يعني أنَّ البحوثَ العلميّةَ في موضوع السفر عبر الزمن مضيعةٌ للوقت؛ إذ يمكنُ أن تساعد فعلًا في فهم النظريات الحاليّة فهماً أفضل.
المصدر: هنا