الطب > قصة قصيرة
علماء الفرح (السكري) الجزء الثّاني: أزمنة غير متوقَّعة
(4)
في ذلك الوقت الّذي كنَّا نمضي فيه مرتبكينَ إلى ملايين السنين الغابرة؛ دونَ القدرة على إيقاف المركبة.. كان الطبيب تميم يجلس في مكانٍ بعيد أيضاً وغريبٍ كلِّ الغرابة عنه.. في غرفةٍ مُعتِمة قليلاً والأضواءُ فيها خافتةٌ!!
وهاهوَ ينظرُ بقلقٍ حوله إلى مخلوقاتٍ تشبهنا كثيراً؛ ويتأمّلُ أحدَهم بجانبه؛ يبدو رجلاً قصيراً؛ لهُ وجهٌ نضِرٌ مشرقٌ؛ وعينانِ واسعتانِ وشعرٌ قصيرٌ جدّاً، و الْتفَتَ إلى يديه فتعجَّبَ أنّ له سبعَ أصابعَ وإلى جانبه فتاةٌ بطولِه تقريباً ميَّزها من شعرِها الطويل وملامِحها الأنثويَّة.. وكانَا يتحدّثان بلغةٍ غريبةٍ وخافتةٍ لم يتمكّن من سماعِها جيّداً!!
قال الطبيب لهم بهدوءٍ وحيرةٍ: رجاءً.. مَنْ أنتم؟ ولماذا أنا هنا؟ مَن أحضرَني إليكم؟
نظرَ أولئك الغرباء إليه؛ وبدأوا يحدثونه دون أنْ يسمعَ جيّداً ما يقولونه!!
قال لهم مجدّداً: أنا لا أسمعُكُم جيّداً؛ ولا أفهمُ ما تقولونَهُ!!
مدَّ أحدُهم يدَهُ إلى الطبيب وأشارَ إليه أن يَتبَعَهُ.. فوقَف الطبيبُ مرتبكاً؛ ومشى معهم إلى الحُجرةِ المجاورةِ.. فوجد رجلاً كبير السنِّ جدّاً؛ ووجهُه مغطّىً بشعرٍ أبيضَ كثيفٍ حتَّى لا تكادُ ترى عينيه.
قالَ الرجلُ العجوزُ بِلُغةٍ فرنسيَّةٍ:
أنا الباحث (جورج) من مركزِ دراساتِ الخلايا الجذعية في نيويورك، أهلاً بك يا جدّي!!
نظر تميم إليه باستغراب وقال:
" - جدُّكَ؟! كيفَ ذلك؟!
جورج: لستَ جدّي الحقيقي.. ولكنّك من أجدادي. لا تتعجّب من هيئتي المتعَبة .. فعمري الآن 1251 عاماً !!
تميم: ماذا تقول؟!
جورج: نعم، لقد اعتمدنا على دراساتك ودراساتِ غيرك من الباحثين في إطالة أعمارنا.. وها نحنُ الآن في المستقبل البعيد نرى أحفادنا!!
تميم: أحفادنا؟!
جورج: نعم؛ انظر إلى هذين الزَّوجَين إنَّهُما من أحفادنا.. بشرٌ مثلُنا.. ولكنّهم بشرُ المستقبل.. لقد حدثت كارثة نوويّة في كوكبنا بعدَ آلاف السنين من زمننا.. وهؤلاء هم الذين نجوا من الإشعاع النووي!
تميم: وهل استطاعوا أن يتابعوا مسيرة الحياة دون مشكلات؟!
جورج: نعم، البشر يحبون الحياة، ولذلك فهم قادرون دائماً على النجاة والتكيّف مع البيئة!!
تميم: وكيف تمكّنوا من النجاة؟!
جورج: لقد تبدّلت أجسادهم على نحوٍ متكرّر حتّى تكيّفت مع البيئة الجديدة.. وهاهم قد نظفوا كثيراً من المدن وأعادوا بناءها.. لهم حواس متقدّمة فعيونهم ثاقبة النظر.. ويرون حتى الأشعة تحت الحمراء.. وآذانهم متطورة جداً تلتقط كثيراً من الأمواج الكونية.. وهم يتحكمون بها.. ولذلك فلهم لغتهم المعقدة جدّاً.. وأصواتهم خافتة لأنّهم يستطيعون فصل الأصوات عن بعضها بسهولة.. ولكنّهم لا يستطيعون الذهاب إلى مستقبل أبعد من مستقبلهم.. هم فقط استطاعوا اكتشاف بعض الوثائق التي مكّنتهم من العودة إلى الماضي.. لفهم تاريخهم على نحو أفضل!
تميم: ولماذا أحضروني إلى هنا؟!
جورج: لقد زرتُهم مرّاتٍ عديدة، وهم استطاعوا أن يعالجوا الأمراض ذاتيا.. فأجسادهم تتخلّص من الأمراض لوحدِها وعندما يشعرونَ بالألمِ أو الحزن.. فإنّهم يعودون سعداءَ سريعاً.
تميم: إذاً.. وما حاجتُهم إلّي؟!
جورج: منذ مدّةٍ بدأ يعود مرض السكّري وأمراضٌ أخرى إلى الانتشار بينهم.. ولم تتمكَّنْ أجسادُهم من إصلاحِ الخلَل.. ولكنَّ مقاومتَهم عاليةٌ للمرض.. لذلك فهم يريدون أن يستفيدوا من علمي وعلمك!
تميم: إنّه شيء غريب حقّاً؟ وهل هم أناس طيّبون؟
جورج: بعضهم طيّبون، وبعضهم أشرارٌ.. هكذا هم البشر!!
تميم: وكيف تستطيع فهمَ لغتِهم؟!
جورج: إنَّ لغتي متقدّمةٌ على لغتكِ أنتَ.. ولكنّني تعلّمت اللغتين العربية والفرنسية كي أستطيع التحدث إليك!
تميم: وكيف سأتعرف إليهم؟! وكيف سأساعدهم؟!
جورج: ما عليك سوى أن تنقلَ لهم آخرَ البحوث الطبية حول مرض السكّري.. وهم لديهم قدرة فائقة على تطوير ذلك.
تميم: وكم سأبقى هنا؟ وكيف أستطيع أن أتصل بأهلي وزملائي في زمني؟!
جورج: يؤسفني أن أقول لك.. أنّهم لن يسمحوا لك بالعودة الآن.. إذا لم يجدوا علاجا لأمراضهم الجديدة فإنّنا سنبقى هنا.. ولن يسمحوا لك بالاتّصال بزمنِكَ!!
(5)
ها نحن نمضي في مركبتنا (السندباد 4) عبرَ ملايين السنين.. ولا نعرف ما الذي حدث تماماً.. ولكنّني بالتعاون مع يانا ومانديلا وصلتُ رجلي الآلي رحّالة بالمركبة لأنّ لديه القدرة على الاتصال بالزمن والتحكم قليلاً بهِ.
بدأ رحّالة العملَ؛ وأخذَ يكبحُ المركبة قليلاً؛ ويقول:
- هناك ما يجرّ المركبة إلى الماضي السحيق .. إنّني أبذل طاقة كبيرة كي أوقفها!!
حاولَت جولي وبيانكا تشغيلَ محرّكاتٍ إضافيَّةً لإيقافِ المركبةِ.. وبالفعل بدأَتْ تتباطأ حتى وقفنا في السماء، وأخذت المركبة تهبط نحو الأرضِ التي كانت تقريباً قطعة واحدة من اليابسة قبل تفككها إلى قارات.. يبدو أنّنا تجاوزنا سبعينَ مليون سنة إلى الوراء.
هبطنا على جبل مرتفعٍ قليلاً في وسطِ أفريقيا.. وما أثار دهشَتنا أنَّ الأرضَ مقسومةٌ إلى بحارٍ ما زالت صغيرةً وتشبِهُ الأنهارَ.. وإلى صحارى واسعة.. وأشجار صنوبرية عالية خضراء مع بعض الشجيرات.. وقد استطعنا لأوّل مرّة أن نرى أنواعاً مختلفة من الديناصورات.. لقد شعرنا بالقلق والمتعة معاً .. فنحن لم نسافر قبلاً إلى زمنٍ كهذا!!
نظرت جولي إلينا، وقالت:
- أصدقائي نحن لا نستطيع البقاء أكثر من سبع دقائق.. ستفقد المركبة طاقتها.. وخاصة أنّنا استخدمنا طاقة كبيرةً لإيقافها.. ولذلك علينا محاولةُ الإقلاعِ فوراً.
حاول مانديلا الاتصالَ بمركزنا في المريخ؛ ولكنّه حادَثنا بصوت كئيبٍ:
- لقد فقدْنَا الاتّصال بمركزنا.. علينا أن نَجدَ حلّاً!!
كان أصدقاؤنا الأطفالُ المرضى يشعرون بالقلق أكثر.. وحاولت الطبيبة ريما تهدئتهم:
- لا تقلقوا يا أحبَّائي.. سنتمكَّنُ من العودة!!
حاولنا جدّاً أن نفهمَ ما حدَثَ.. ولكنّنا لم نَصلْ إلى نتيجة.. وحاولَت جولي الإقلاع بالمركبة.. ولكنّها بقيت في مكانها؛ وبدأت الدقائق السبع تنفد!!
ابتسم زوانغ؛ ثم قال:
- أصدقائي.. إنّنا نواجه دائماً أحداثاً مفاجئةً لم نكُنْ نتوقَّعُها.. لذلك علينا الهدوءُ والتفكير بِحذرٍ.. وأنا واثقٌ أنّنا سنجد حلّاً للخروج من هنا.
جلسنا كلٌّ منّا في مكانه، ومَشتْ الثواني الأخيرة ببطءٍ حتّى انتهَتْ الدقائق السبع.
والآن أصبح الاتّصالُ بمركزنا أصعب.. وعلينا أن نفكّرَ ما العمل؟!.. وبينما نحن صامتون أحسسنا أن الأرض تهتزّ قليلاً؛ وصرخت يانا:
- انظروا ! انظروا ! إنّه قطيع من الديناصورات الضخمة تتّجه نحونا !!
شعرْنَا بخوفٍ أكبرَ على الرَّغم من المنظرِ الجميل للديناصورات المختلفة.. بينما بيانكا تحدّثنا:
- إنّ هذا القطيع هو قطيع ديناصورات طويلة الأعناق.. وهي الأضخم على الإطلاق بين الديناصورات.. أترونَ كم هي كبيرة الحجم؟!
جولي: نعم.. إنّها عملاقة !!
بيانكا: لم أتوقع يوماً أن أرى الديناصورات !!
زوانغ: أعتقد أنّنا يجب أن نحمي أنفسنا.. نحن لا نعرف إن كانت ترانا أم لا؟!
يانا: ربما هي تشعر بوجودنا الآن !!
مرَّ قطيعٌ الديناصورات بجانبِنا دونَ أن يلحظنا.. ممّا جعلنا نشعرُ بارتياحٍ أكبر أنَّه لم يرَنا.. ولم يلحَظْ وجودَنا.. وكانَ همُّنا الأكبرُ هو الحصولُ على الطاقة.. ولذلك فقد وصلت المرأةُ الآليَّةُ (كليمة) بمركبتنا لِنحاولَ أكثرَ أنْ نُعيدَ الاتّصالَ بمركزِنا في المرّيخ!!
راقبَتْ جولي مؤشّراتِ الحرارة والمناخ في الخارج؛ وقالت لنا:
إنَّ الحرارةَ في الخارج مرتفعةٌ جدّاً.. وهناكَ كميَّاتٌ كبيرةٌ من الأوكسجين وثنائي أكسيد الكربون.. سأحاولُ الاستفادة من هذه الحرارة للحصول على الطاقة اللازمة للإقلاع.. ولكن أعتقد أنّنا سنبقى الليلة هنا!!
مزيد من الأحداث الشائقة غداً...
أجزاء قصة علماء الفرح
المصدر: