كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
مراجعةُ كتاب "مهزلة العقل البشري"
"علي الوردي" عالمٌ اجتماعيٌّ ومؤرخٌ عراقيٌّ، عُرِفَ بتبنيه للنظرياتِ الحديثةِ التي استخدمَها بغرضِ تحليلِ الأحداثِ التّاريخيّةِ والدّينيّةِ، أصدرَ كتابَه الثاني "مهزلة العقل البشري" سنة 1959، وصدرتْ الطبعةُ الثانية منه 1994.
يتألّفُ كتابُ "مهزلة العقل البشري" من اثني عشرَ فصلاً متفرقاً كتبَها "الوردي" في أوقاتٍ شتّى، وهي: طبيعةُ المَدَنَيّة، ومنطقُ المتعصبينَ، وعليّ بن أبي طالب، وعيبُ المدينةِ الفاضلةِ، وأنواعُ التّنازعِ وأسبابه، والقوقعة البشريّةُ، والتنازعُ أو التعاونُ، ومهزلةُ العقلِ البشريّ، وما هي السفسطة، والديمقراطيّةُ في الإسلام، وعليّ وعمر، والتاريخ والتدافع الاجتماعي.
يبدأُ "الوردي" كتابَه بمقدمةٍ رداً على منتقدِيْ كتابِه السّابقِ "وعّاظ السلاطين"، الذين يفكّرون بمنطقِ القرنِ العاشرِ؛ إذ ينتقدُ الكتابُ أولئكَ "الطّوبَائِّيين" من أصحابِ البرجِ العاجيّ، الذين يأتونَ بأفكارٍ غالباً ما تكونُ رائعةً، ولكنّها عقيمةٌ لا يمكنُ تطبيقُها، أولئكَ الذينَ يعتقدونَ أنّه يمكنُ للسّيفِ والعضلاتِ المفتولةِ الوقوفُ في وجهِ الرّشاشِ والمدفع، وقد وصفَ ذلك على نحوٍ مُفَصّلٍ في الفصلِ الثّاني "منطق المتعصبين".
- يبدأُ الفصلُ الأوّلُ بالحديثِ عن المَدَنَيّة التي تعبِّرُ عن الحركةِ الاجتماعيّة، التي تدفعُ الإنسانَ نحو المجهولِ، وتفقدُه الطُّمَأْنِينَة وراحة البالِ، التي كانَ ينعمُ بها في الماضي؛ فالإنسانُ أمامَه طريقان متعاكسان، ولابدَّ أن يسيرَ في أحدِهما: طريقُ الطّمأنينة والركود، أو طريقُ القلقِ والتطور.
- ثم ينتقلُ للحديثِ عن "عليّ بن أبي طالب" في الفصلِ الثالث، وعن الكتبِ التي تحاولُ أن تثبتَ الإمامةَ لأبي بكرِ وعمر وأنّهما أفضلُ من علي بن أبي طالب، والكتبِ الأخرى التي لا تقلُّ عدداً عن سابقتها، والتي تحاولُ أن تُثبتَ الإمامةَ لعليّ، وقد كانَ أبو بكرٍ وعليّ كلاهما عادلين حريصينِ على أموالِ الدولة لا يأخذانِ منها شيئاً، أمّا النزاعُ الجذريّ فهو بينَ عليّ ومعاوية، وهو يدورُ حولَ مصيرِ الأمّة: هل تجري في طريق العدالةِ الاجتماعيّةِ أم تجري في طريق الحكم الطاغي الذي لا يَعرفُ عدلاً ولا مساواةً؟!
- ويعودُ في الفصلِ الرابع للحديثِ عن "عيبِ المَدِينة الفاضلة" التي يتخيّلُ فيها الفلاسفةُ مجتمعاً فاضلاً يسعدُ النّاسُ فيه، ويفلحون في دنياهم وآخرتهم، ويديرُهم رئيسٌ صالحٌ، يُنظّم شُؤُوْنَهُم ويشرفُ عليها، ولكن مشكلتهم أنّهم لم يقفوا لحظةً لِيُفَكِّرُوا كيفَ سيتمكّنُ النّاسُ من اختيارِ هذا الرئيسِ العجيبِ؟!
- أمّا في الفصلين الخامسِ والسّابع، فيتحدَّثُ عن "التعاونِ والتّنازع البشري وأسبابه"، والذي يبدو أنّه من صميمِ تكوينِ الإنسان؛ فهو على أيّةِ حالٍ، لا يستطيعُ التّخلص منه، إنّما يتحوَّلُ من صورةٍ إلى أخرى، حتّى التعاون ما هو إلا صورةٌ من صورِ التّنازع؛ فالإنسانُ يتعاونُ مع بعضِ الناس ليكونَ أقدرَ على التّنازعِ ضدّ البعض الآخر.
- ثم ينتقلُ في الفصلِ السّادسِ للحديثِ عن "القوقعة البشرية" التي تكونُ في أوجِ قوَّتها في سنواتِ الطّفولةِ المُبكرة؛ إذ يرى الطّفلُ نفسَه محورَ الدّنيا، وكلما ازدادتْ حنكةُ الإنسانِ وتجاربُه، ضَعفتْ فيه تلك النظرة، ولكنّها لا تموت أبداً.
- وفي الفصلِ الثّامن يتضحُ لنا سببَ تسميةِ الكِتابِ بـ"مهزلة العقل البشري"؛ إذ إنّ أيّ إنسانٍ لا ينمو عقلُه إلا في حدودِ القالب الذي يصنعه المجتمعُ له، ولهذا السببِ فإنّ العقلَ البشريّ عاجزٌ عن إدراكِ حقائقِ الكون الكبرى، فهو محدودٌ في تفكيرِه بحدودِ الأشياءِ المألوفةِ لديه في عالمه الضيّق، كما أنّ الأبحاثَ الحديثةَ تشيرُ إلى أنّ التعصبَ صفةٌ أصيلةٌ في العقلِ البشري، والحياد أمر طارئ عليه.
- أما محاسن "السفسطة" التي عرَّجَ عليها في الفصلِ التّاسعِ، فهي أنّها غيرُ منافقةٍ، وتؤمنُ بالحقيقةِ النسبيّة قولاً وفعلاً؛ فأفلاطون مثلاً كان يرى أنّ العدلَ عبارةٌ عن فكرةٍ مجرّدةٍ يمكنُ الوصولُ إليها عن طريقِ التفكير السليم، أما السفسطائيونَ، فكانوا على العكسِ من ذلك، يرون العدل من صنعِ التّاريخِ، ونتيجةٌ من نتائجِ التّفاعلِ الاجتماعيّ، ومن المبادِئ السفسطائية المعروفةِ التي قدّمتْ خدمةً كبيرةً للبشريّة قولُهم "الإنسان مقياس كل شيء".
- وفي الفصلِ العاشرِ، يَتحدّثُ عن "الدّيمقراطية في الإسلام"، فقد بدأَ الإسلامُ في أوّلِ أمرِه نظاماً ديمقراطياً، ولكنّ الحكومةَ الإسلاميّةَ صارتْ طاغيةً مستبدةً تدوسُ بأقدامِها حقوقَ الشّعبِ، وتنهبُ أموالَه، وهي مؤمنةٌ بأنّها ظلُّ اللهِ في أرضِه، ونحن حينَ نشاهدُ التّرفَ الخبيثَ مُستَحوذاً على سلاطينِ المسلمينِ، يجبُ ألّا ننسى تلك الثورةَ الشّعبيّة الكبرى التي قامَ بها أبو ذر وعمّار وعلي بن أبي طالب في مكافحةِ هذا التّرف عندَ أوّل ظهورِه في تاريخ الإسلام.
- ثم يعودُ في الفصلِ ما قبل الأخير للحديث عن الخلافِ بينَ "علي وعمر"، وما هو مصدره ومنشأُه، وما السبب الذي جعلهما متباعدين بعدَ موتِهما بينما كانا في حياتِهما متقاربينِ تقارباً واضحاً؟
- وأمّا الفصلُ الثاني عشر والأخير، فيتحدّثُ عن المؤرخين القُدامى الذين يأخذونَ وجهةَ نظرِ الحاكمِ وينسونَ وجهةَ نظرِ المَحكوم، وهذا ما درسناه ونحن تلاميذ، فكنّا لا نفهمُ من التّاريخِ سوى أعمالِ الملوكِ وأسماءِ البلادِ التي فتحوها دون أن نسألَ عن المشاعرِ المكبوتةِ التي كانتْ تعانيها الشعوبُ المفتوحةُ مدنُها عندَ الفَتح.
ثم يختتمُ "الوردي" المهزلةَ بكلمةٍ إلى رجالِ الدين، أمَا آن لهم أن يُصغوا إلى النّداءِ الذي يأتيهم من وراءِ القرون؛ إذ يقولُ حكيم الإسلام علي بن أبي طالب: "لا تعلِّموا أبناءكم على عاداتكم، فإنهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم".
معلومات الكتاب:
الكاتب: علي الوردي.
عدد الصفحات: 302.
الطبعة الثانية: 1994.
دار النشر: دار كوفان لندن.