المعلوماتية > الذكاء الصنعي
عندما تشك الأنظمة الذكية في نفسها
هل تعرضت في أحد الأيام لمشكلة واحترت بين حلَّين اثنين لكلٍّ منهما سلبياته وإيجابياته؟ غالباً راودك الشكُّ ولكن اختيارك وقع على الحل ذي احتمالية النجاح الأكبر من وجهة نظرك، صحيح؟ حسناً، هذا ما نتميز به نحن البشر عن غيرنا من المخلوقات...أو الحواسيب.
لم يعد بإمكاننا الوثوق بذلك كلياً بعد الآن، فقد أعلنت شركاتٌ تقنيةٌ عملاقة -كغوغل Google وأوبر Uber- أنها في خِضم عمليةِ تطويرِ منصتي تعلمٍ عميق deep-learning frameworks قادرتين على حساب الاحتمالات على نحوٍ يشبه طريقتَنا نحن البشر. أو بمعنىً آخر، نظامٌ قادرٌ على الشك في نفسه عند اتخاذه لأي قرار.
أثبتت أنظمة التعلم العميق فاعليتَها في الأعوام السابقة، إلا أنها تتطلب مصادرَ حاسوبيةً كبيرةً وكميةَ بياناتٍ ضخمة. ومع ذلك، فإن المشروع الجديد لإدخال الاحتمالية ضمن قدرات أنظمة الذكاء الصنعي مهمٌ جداً في حالاتٍ مثل الآلات المستقلة autonomous machines كروبوت تنظيف المنازل أو السيارات ذاتيةِ القيادة، ومن هنا ينبع اهتمام غوغل وأوبر.
ولا تنحصر الاستعمالات حسب رأي العلماء على السيارات فقط، فيمكن لأي نظام ذكاء صنعي أن يستفيد من هذه التقنية استفادةً كبيرة؛ فأن يستطيع مثلاً نظامٌ محددٌّ حصرَ خياراتِه بعشرات النتائج أفضل بكثير من المئات أو الآلاف منها.
ويشرح يارين غال Yarin Gal، الباحثُ في جامعة كامبريدج، في ورقته البحثية عن الاحتمالية بأن استخداماتِها لا حصر لها في حياتنا اليومية؛ فعلى سبيل المثال، يعتمد الطبيب على رأي خبير الأشعة في تحليل معطيات صور الرنين المغناطيسي والأشعة، ولكن أنظمةَ اكتشاف السرطان الآليةَ -والتي كُشف عنها للعالم حديثاً- المبنيةَ على صور المرنان المغناطيسي من الممكن أن تعطيَ معلوماتٍ غيرَ موثوقة. وقد تضلل هذه المعلوماتُ حتى الخبير، خاصة إذا كانت مبنيةً على معطياتٍ لم يصادفها النظام من قبل. ولكن إذا أُضيفت خاصيةُ التشكيك إلى هذا النظام، فسيَعلم الخبيرُ عندها أن النظام خمن النتيجة وهو غير متأكد منها.
يقول دستن تران Dustin Tran، وهو باحثٌ وطالبُ دكتوراه يعمل مع غوغل: "نحن بحاجة إلى نظام قادر على معرفة مدى دقة قراراته، فعدمُ امتلاك سيارةٍ ذاتيةِ القيادة مقدرةً كهذه قد يؤدي إلى نتيجة كارثية".
ويعتقد زوبين غاهراماني Zoubin Ghahramani، وهو عالمٌ لدى شركة أوبر، أن هذا المشروع يعكس مدى أهميةِ التشكيك في قراراتنا نحن البشر؛ فهذا دليلٌ على مدى ذكائنا وقدرتنا على التفكير المنطقي، وإذا ما أُضيفت هذه الخاصية إلى أنظمة الذكاء الصنعي، فهذا يعني أنها ستصبح أذكى وأقلَّ عرضةً للأخطاء.
ومن الجدير بالذكر أن أوبر أطلقت لغةَ برمجةٍ جديدةً تدعى بايرو Pyro قادرةً على دمج التعلم العميق بالبرمجة الاحتمالية probabilistic programming.
ويعتقد ديفد بلي David Blei، البروفيسور في جامعة كولومبيا، بأن دمج التعلم العميق بالبرمجة الاحتمالية مشروعٌ واعد، ولكنه ما زال بحاجة إلى الكثير من العمل بسبب وجود العديد من العقبات التقنية.
ويعتقد العلماء بأن هناك فرصةً جيدةً لدمج فرعين مهمين من عالم البرمجيات الحالي، ألا وهما الشبكات العصبونية neural networks والبرمجة الاحتمالية probabilistic programming، لا سيما وأن التركيز بات كبيراً جداً على الشبكات العصبونية في الأعوام السابقة إلى درجة إهمال عددٍ من الفروع الأخرى. ولكن الخبر المفرح أن هذه الأنظمة -بسبب اندماجها معاً- ستصبح أذكى مما كانت عليه سابقاً عبر تعلمها ما لم تكن تعرفه من قبل.
المصادر: