مِبشَرَةُ الجُبْنِ في لندن

استمع على ساوندكلاود 🎧

عندما يتعلّق الأمر بناطحات السّحاب ذواتِ التّصاميم البديعة لابدَّ أن تكون لندنُ المدينةُ City of London في مقدّمة العواصم الأوروبيّة بمبانيها العالية وتخطيطها المميَّز الّذي شهد تطوّراً جذريّاً على مدار بِضْعَةِ العقودِ الماضية.

إنّ مبنى Leadenhall المعروفَ باسم مِبشَرَةِ الجبن Cheesegrater والبالغَ طولُه 225 متراً يُعدّ واحداً من أهمّ المباني في لندنَ المدينةِ نظراً لشكله الفريد وتصميمه المعدنيّ المميَّز، وكونَه يوظِّفُ مساحةَ 56000 مترٍ مربَّعٍ موزعةً على 42 طابقاً مكتبيّاً.

يتميّز مبنى Leadenhall بشكله المائل المصمَّم من قِبَل المهندس المعماريّ Rogers Strik Harbour الّذي وصف المباني المكتبيّة في لندنَ بأنّها مملّةٌ بعض الشّيء. الفكرةُ من شكل البرج المائل هي كيفيّة التّغلّب على محدِّدات الموقع، والحفاظِ على مظهر كاتدرائيّة St Paul's Cathedral من بروز أيِّ مبنىً يعكّر خطّ الأفق من خلفها.

وبسبب هذا الشّكل المثلّثيّ يتراجع كلّ طابقٍ عن الطّابق الّذي تحتَه بمقدارِ 75 سنتيمتراً. يصل ارتفاع كلّ طابقٍ إلى 4 أمتارٍ تتضمّن بلاطةً خرسانيّةً بسماكةِ 15 سنتيمتراً مع جوائزَ عميقةٍ بسماكةِ 70 سنتيمترٍ. شُكِّل الفراغ البِنيويّ للمبنى الّذي ارتفاعُه 2.75 ميلّيمترٍ باستخدام جوائزَ خلويّةٍ أي مفرَّغةٍ، مع تركِ فتحاتٍ فيها من أجل التّمديدات الكهربائيّة وغيرها من الأمور الخدميّة.

وذَكَرَ روجرز أنّه استخدم في هذا المبنى العديد من الأفكار الّتي استخدمها في مبانٍ سابقةٍ، مثلِ وضْعِ الخدمات الميكانيكيّة خارج المبنى، ولكنّ التّطوّر التّكنولوجيّ يقتضي أنّ هذه الأفكار ستُنفَّذ هنا بطرائقَ جديدةٍ ومختلفةٍ.

بُنِيَ هذا المبنى باستخدام ما يعرف بالإطارات الضّخمة Mega Frame، فقُسِّم المبنى إلى 8 مستوياتٍ كبيرةٍ، يرتفع كلٌّ منها 28 متراً ويحتوي 8 طوابقَ باستثناء المستوى الأوّل المكوَّن من 5 طوابق. تقع طوابق المكاتب في المستويات السّتّة الوسطى، أمّا المستوى العلويّ فتشكِّلُ أربعةٌ منطقة توليد الكهرباء الّتي تُدعى العِلّيّةَ. ويُعرف الطّابق الأرضيّ في المبنى باسم Galleria، وهو عبارةٌ عن مساحةٍ كبيرةٍ مفتوحةٍ للعامّة زُوِّدت بعناصرَ طبيعيّةٍ وبسُلَّمَين متحرّكَينِ يربطان شارعَ Leadenhall Street بمداخلِ المبنى الرّئيسيّة وبصالات الاستقبال في الطّابقين الأوّل والثّاني حيث يمكن استقلالُ المصعد إلى طوابقَ عُليا. وعُلِّقَ الطّابقان الثّالث والرّابع ضمن فراغ الطّابق الأرضيّ تحتَ بِنيَة المستوى الخامس الّذي يُعدّ أوّل مستوىً ممتدٍّ على مساحة المبنى كاملِها، والّذي يبرُز من جهة المبنى الجنوبيّة مشكِّلاً مظلةً للرِّياح تمتدُّ 10 أمتارٍ فوقَ شارع Leadenhall Street.

سمح استخدام الإطارات الضّخمة بأن يكونَ الطّابق الأرضيّ كبيراً ومفتوحاً، لكنّها ولّدت الحاجة إلى استخدام أعمدةٍ معدنيّةٍ صلبةٍ للتّعويض عن الدّعم الجانبيّ. أُنجِزتِ الأعمال المعدنيّة بمهارةٍ عاليةٍ باستخدام أربعِ رافعاتٍ بُرجيّةٍ ثابتةٍ، وذلك في المبنى كلِّه عدا أعمدةِ الطّابق الأرضيّ Galleria الّتي ترتفع 23 متراً والّتي نُصِبت باستخدام رافعةٍ متحرّكةٍ.

كان التّحدّي الأكبرُ الّذي واجه فريقَ العملِ من ناحيةِ التّصميمِ كيفيّةَ ربط العناصر المعدنيّة على نحوٍ عمليٍّ مع الحفاظ على الجماليّة المعماريّة، إذ إنّ العناصرَ المعدنيّةَ كلَّها ستكون ظاهرةً. ففي تصميم الإطارات الضّخمة المقترَحِ، تلتقي في العُقَدِ معظمِها ستّةُ عناصرَ وبزوايا مختلفةٍ، تنقل نقاطُ الاتّصال هذه قوىً تصل إلى 6000 طنٍّ في ثلاثةِ اتّجاهاتٍ مختلفةٍ على الأقلِّ في آنٍ معاً. فكان الحلّ تصميمَ عُقدٍ ضخمةٍ تتراوح زِنَةُ كلٍّ منها بين 16 و20 طنٍّ لتربطَ بين عناصر الإطار مباشرةً بواسطةِ وصلاتٍ مسبقةِ الإجهادِ. تُمكِّن هذه العُقدُ القوى من الانتقال بين العناصر المختلفة عبرَ وصلاتٍ ملحومةٍ بين صفائحَ موجَّهةٍ.

وكذلك مثّلت مسألة استقرار المبنى تحدّياً آخرَ بسبب ضخامة الإطارات الموجودة في كلٍّ من المستويات السّبعة، لذلك كان لا بدّ من استخدام نظامٍ داعمٍ لتحقيق الاستقرار في الجهة الشّماليّة من المبنى بواسطة إطاراتٍ على شكل الحرف K.

ولا تنتهي هنا التّحدّيات الّتي واجهها وتغلّب عليها فريقُ العمل أثناءَ تشييد المبنى، فمن أجل مقاومة أحمال الرّياح والأحمال الضّخمة النّاجمة عن الرّافعات البُرجيّة في ظلّ غياب نواةٍ مركزيّةٍ تدعم المبنى أثناءَ التّنفيذ، أُنشِئَت دعامةٌ معدنيّةٌ مؤقّتةٌ سُمّيت صندوقَ القوّةِ Strong Box، وسَمَحَت بإجراء أعمال تركيب الإطارات الفولاذيّة قبلَ أنْ تستقرَّ الأعمدةُ الخارجيّة الضّخمة الموجودةُ في إطارات المستويات السّبعةِ جميعِها.

تُعُمِّدَ من أجل سرعة البناء وسهولته أنْ تكونَ المكوّناتُ الأساسيّةُ معظمُها في هذا المبنى مسبقةَ الصّنعِ، ما ساعد على الاستغناء عن تنفيذ أعمال اللّحام الصّعبة في الموقع، إذ أُنجِزَت في منشأة Severfiled – Watson، وبالرّغم من ذلك استغرق العمل على بعض العُقدِ ما يَقرُبُ 600 ساعةٍ. ذلك بأنّ لهذه العُقدِ 11 نوعاً مختلفاً، يختلف كلٌّ منها عن الآخرِ تبعاً للقوى المارّة فيها. تستوعب أنواع العُقد معظمُها ستّةَ عناصرٍ، وبعضُها يستوعب من العناصر ما يصلُ عددهُ إلى ثمانيةٍ.

رُتّبت العُقَدُ ورُكِّبت اعتماداً على الشّكل الهندسيّ للإطارات، وأُخِذ في الحُسبان كلٌّ من عرضِ العناصر المستخدَمة والزّوايا بينها والتّوافق مع المتطلّبات المعماريّة لشكل المبنى.

يقع بعضٌ من أثقلِ الأعمدة في الجزء المائل من المبنى، وتحمل العناصر المائلة الّتي هي في حالة شدٍّ بسبب كتلة المبنى حمولاتٍ أخفَّ بكثيرٍ من حمولاتِ العناصر الشّاقوليّةِ أيِ الأعمدةِ الممتدّة على طول المبنى والّتي تصل حمولاتُها إلى خمسين ميغا نيوتن. استُخدِم مقطعٌ مربّعٌ للأعمدة ومقطعُ I للعناصر المائلة.

يتمتّع هذا المبنى بكثيرٍ من الخصائص الّتي تميّزه عن باقي أبراج لندنَ المدينةِ، بدايةً من تكيّفه مع الموقع والعقبات الّتي واجهها تصميمُه، ووصولاً لحلوله الإنشائيّة وطرائق تنفيذها، فهل وجدتم فيه أعزّاءَنا القرّاءَ ما يثيرُ إعجابكم؟

إعداد: Shatha Al Shoufi

_________

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا