المعلوماتية > برمجة الألعاب
الجدُّ الأكبرُ للألعابِ الإلكترونية
في عام 1958 وفي مختبر "بروكهافن" - وبالتحديد قسم الأجهزة في ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية - فكّر رئيسُ القِسم "وليام هيجينبوثام" بطريقةٍ تجعلُ المعرضَ السَّنويّ الخاصّ بالمُختبر أكثرَ حيويةً وتفاعليّةً مع العَامَّة، وقد قَال في إحدَى مقابلاتِه: "إنَّ وجودَ لعبَةٍ يلعبُها النّاس يمكنُ أنْ يُضيفَ الحيَاة إِلى هَذا المَكَان، والتي من شأنِها أنْ تنقُل الرِّسالة بأنَّ لِمساعِينا العلميَّة صلةٌ بالمجتَمع."
وبناءً عَلى هذِه الفكرة؛ أُنشِئَت واحدةٌ من أوائلٍ الألعابِ الإلكترونيَّة في التَّاريخ وسُمّيت "Tennis for two"؛ وهيَ لعبةُ تحدٍّ بين شخصَين، وتتألَّفُ من شاشَة عرض ذبذباتٍ (oscilloscope) قطرُها 5 إنشات، ومقبضٍ إلكترونيٍّ من أجل التَّحكم بزاويَة الكُرة، وزرٍّ لإطلاقِ الكرة عند كلٍّ من اللاعبَين، وكانت اللعبة شبهَ خاليةٍ من الرُّسومات؛ إذْ إنَّها تتألَّف من بعض الرّسومَات البسيطَة فقط؛ وهي خطٌّ عموديٌّ في المنتصف ويمثّل الشّبكة ونقطة صغيرة تمثُّل الكرة.
وحقّقت اللعبَةُ آنذاك شعبيّةً هائِلة؛ إذ اصطَفَّ مئاتُ الأشخاصِ في المعرضِ راغبينَ بتجربَة هذا الاختراعِ الجديد، وعُرضَت نسخةٌ مطورةٌ منها في العامِ اللاحِق عبرَ شاشةِ عرضِ أكبر، مع إضافةِ مستوياتٍ جديدةٍ من الجاذبيَّة؛ أي استطاع اللاعبون تجربةَ اللعبةِ بتأثيرِ كلّ من جاذبيَة القمرِ وجاذبيَّة المشتري.
كيف أُنشِئ النَّموذج الأوليّ؟
عقلُ اللعبةِ هو حاسوبٌ تماثُليّ1 صغير، ويوضِّح كتابُ التَّعليمات الخاصِّ به كيفيّة توليدِ المنحنيات المختلفة على أنبوبِ أشعَّة الكاثود الخاصّ بشاشةِ عرضِ الذّبذبات (oscilloscope)؛ وذلك باستخدام كلٍّ من المقاومات والمكثِّفات والتّبديلات، وهذا ما أوحَى لـ "هيجينبوثام" بفكرةِ استخدامِ هذهِ الطَّريقة لتوليدِ حركةٍ مشابهةٍ لحركةِ ارتدادِ كرة التّنس.
واستخدمَ "هيجينبوثام" أربعَ مضخِّمات تشغيليّة للحاسوب؛ مَهمَّتُها الرّئيسَة توليدُ حركةِ الكرة، وأمّا المضخّمات الستّ المتبقيّة فهي التي عُنيت باستشعار ضربَة الكرةِ على الأرضِ أو الشَّبكة، وبذلك يتحوّل التَّحكُّم إلى اللاعِب الذي تقعُ الكرةُ في ملعبِه، وكانَ من الضَّروريّ استخدامُ تِقنيّات تقسيمِ الوقتِ بين المَهام لتوليدِ كلٍّ من الكرة والشّبكة على الشّاشة.
هل كانت فعلًا "Tennis for two" أوَّل لعبةٍ مبتكَرة؟
الجوابُ هو لا؛ إذِ ابتُكرت – قبل عشرةِ أعوامٍ - لعبةٌ باستخدام تقنيّةٍ تُدعَى "نظامُ تسليةِ أنبوبِ أشعَّة الكاثود"، ولكنَّها تتطلَّب من اللاعبَين - أثناء اللعب - وضعَ قصاصاتٍ أو صورٍ على الشَّاشة، ممّا حدّ من انتشارها.
وفي عام 1951 اختُرع ما يعرف بـ"حاسوب نيمرود"؛ والذي كان نموذجًا يحاكي لعبةً إستراتيجيةً ومنطقيةً قديمة تُدعى "Nim"، واستُخدِمت في هذه اللعبة بعد فترةٍ التِّقنيةُ المستعمَلةُ في "Tennis for two"، إضافة إلى مجموعةٍ من الأضواء الثابتة التي تُطفَأُ وتضيء، وكتيّبِ تعليماتٍ يصفُ كلَّ ما حدثَ أثناءَ سيرِ عمليَّة المحاكاة.
ولم يخترعْ نظامُ "هيجينبوثام" إشاراتٍ فيديويّة، ولكنّه خلَق بأسلوبٍ مميّزٍ طريقةً فريدةً للتناوب بين مُخرجَات الكمبيوتر ودارةِ تبدِيل التّرانزستور، وخلَق صورةَ ملعبِ التِّنس أيضاً، وسمح للاعبَين أن يتحكمّا بالكرة الظاهرة على الشاشة؛ تمامًا مثلُ أيّ لعبةِ فيديو حديثة، ولذلك كانت "Tennis for two" أوَّل لعبةٍ إلكترونيَّةٍ واسعةِ الانتشار، وهي - حقيقةً - الجدُّ الأكبرُ لألعابِ الفيديو.
صورةٌ حديثةٌ لمحاولةِ إعادَةِ إحياءِ الجِهاز في معرض "eGame Revolution" داخلَ متحفِ "The Strong Museum of Play" الواقع في روتشستر- نيويورك - الولايات المتحدّة الأمريكيّة.
1خلافاً للحواسيب الرقميّة التي تُمثَّل فيها المعلوماتُ بنظامٍ ثنائيّ (صفر أو واحد)؛ فإنّ الحواسيب التّماثليّة تُمثِّلُ المعلوماتِ باستخدامِ قيمٍ مستمرَّة.
المصادر