العمارة والتشييد > التصميم المعماري
ستورستروم... سجنٌ رحيم!
افتَتحت الدَّنمارك سجن ستورستروم Storstrøm من تصميمِ المكتبِ المعماريّ C.F. MØLLER ARCHITECTS مؤخَّراً، وهو ثاني أكبر سجنٍ في البلاد، ويهدفُ الى إعادةِ تأهيلِ السُّجناء وتجنُّبِ فقدانِهم لمهاراتِهم الاجتماعيَّة كما يحدثُ في مختلفِ السُّجون.
سجنُ ستورستروم Storstrøm مُعَدٌّ ليكونَ السِّجنَ الأكثرَ إنسانيَّة في العالم، باستخدامِ هندسةٍ معماريَّةٍ داعمةٍ للسُّجناء من جميعِ النواحي العقليَّة والجسديَّة، مع الحرصِ على تأمينِ بيئةِ عملٍ آمنةٍ وممتعةٍ للموظَّفين.
يقعُ السِّجنُ في جزيرةِ فلاستر Falster في الدنمارك، وتبلغُ مساحةُ المباني العشرة المكوِّنة لهُ ما يقارب 10684 متر مربَّع، وشُكِّلت على هيئةِ قريةٍ صغيرةٍ بارتفاعاتٍ متساوية، رغبةً من المصمِّمين أن يكونَ السِّجنُ كمجتمعٍ مصغَّرٍ يضمنُ ممارسةَ النَّشاطات العقليَّة والبدنيَّة والتَّرفيهيَّة، فيشجِّعُ الإصلاح ويساعدُ عليه كي لا تكونَ سنواتُ السِّجنِ قاسيةً.
الهدفُ العام تصميمُ مبنى بمقياسٍ متناسبٍ مع الشَّوارعِ والسَّاحات المحيطة وبهيكلٍ ملائم، ممَّا يكفلُ محيطاً متنوِّعاً ومريحاً يُخفِّضُ من حدَّةِ المناخِ المؤسَّساتي للسِّجن إلى أدنى حدٍّ ممكنٍ، ويُحافظُ في الوقتِ ذاتِهِ على أمنِ المُنشأة التي تستوعب 250 سجيناً.
ولم يكن هذا المشروعُ دخيلاً قاسياً على النَّسيجِ العمرانيّ للمنطقة، فقد حرصَ المصمِّمون على أن يكونَ كقريةٍ صغيرةٍ تُشابهُ القرى المجاورة وتنسجمُ معها.
صمَّم الفريقُ المعماريّ الواجهات والأسطح بطرقٍ وزوايا مختلفة واستخدام مواد متنوِّعة ومُستدامة للإكساء لا تحتاجُ إلى الصِّيانة كالطُّوب الملوَّن والفاتح والبيتون والفولاذ المجلفن المقاوم للصدأ وغيرِها، والتي استُخدِمت على أجزاءِ المُنشأة بحسبِ وظيفةِ كلِّ جزء ممَّا خلقَ المزيدَ من الاختلافات عمَّا اعتدنا رؤيتَهُ في السُّجون.
جُمِّعت غرفُ الإقامة في وحداتٍ تحوي كلٌّ منها عدداً من الغُرَف يتراوحُ بين أربعِ وسبعِ غُرَف، موزَّعة حولَ محورٍ اجتماعيّ يتكوَّنُ من مطبخٍ مُشتركٍ يُعِدُّونَ فيهِ وجباتِهم الخاصَّة، وغرفةِ معيشةٍ مزيَّنةٍ بألوانٍ بعيدةٍ عن جوِّ السِّجنِ المعتاد وبأعمالٍ فنيَّةٍ أُنشئَت لتُوَزَّعَ في جميعِ أنحاءِ السِّجن.
إضافةً إلى كنيسةٍ ذات ارتفاعٍ مزدوج، وغرفٍ أخرى للعبادة للدِّياناتِ الأخرى متاحة لجميعِ السُّجناء والعاملين في السِّجن.
وبسببِ أهميَّةِ الإنارةِ الطَّبيعيَّةِ وانعكاسِها على الحالةِ النَّفسيَّة زُوِّدت كلُّ غرفةٍ بنافذتين تسمحان بدخولِ ضوءِ النَّهار وتُمكِّنان السُّجناء من التَّمتُّعِ بالمناظرِ الطَّبيعيَّة المحيطة والنَّظر إلى السَّماء.
كما لم يُهمَل النَّشاطُ البدنيّ وأهميَّتُهُ في تحسينِ الحالةِ الاجتماعيَّة والصحيَّة للسُّجناء، إذ أُتيحت مساحاتٌ عديدة لممارسةِ التَّمارينِ الرِّياضيَّة في الدَّاخلِ والخارج.
لكن تبقى هذهِ المُنشأةُ سجناً ويجبُ أن تكونَ مغلقةً وشديدةَ الحراسة بغضِّ النَّظرِ عن كلِّ الانفتاحِ والرَّاحة الذي يؤمِّنهُ تصميمُها، إذ يبلغُ ارتفاعُ الجدرانِ المحيطةِ بها ستَّةَ أمتارٍ تقريباً، إضافةً إلى الكاميراتِ الموزَّعة على الجزيرةِ بأكملِها، والأسلاكِ الفولاذيَّة الممدودة على أسطحِ البناء لتمنعَ طائرات الهيلوكوبتر من أن تحطَّ عليها.
كلَّفَ سجن ستورستروم Storstrøm الحكومةَ الدنماركيَّة مبلغاً قدرُه 160 مليون دولار، في محاولةٍ منهم لخلقِ بيئةٍ أفضل من شأنِها مساعدةُ السُّجناءِ ليكونوا جاهزينَ للعودةِ والانخراطِ في المجتمع بعدَ إطلاقِ سراحِهم.
ها قد انتهت رحلتُنا في هذا الفندق.... عفواً السِّجن! وندعوكَ عزيزي القارئ ألَّا تتسرَّعَ وترتكِبَ الحماقات فتُسجن فيه.
المصادر: