الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
الفيسبوك وأسهمٌ من دونِ حقوقِ تصويت!
وصلَ مارك إلى مستوىً من الثَّراءِ يمكِّنه من تمويلِ مؤسّستِهِ الإنسانيّةِ مع إبقاء قدرته على التَّحكُّمِ بالتّصويتِ في شركَتِه من دونِ الاضطرار لِلّجوءِ إلى خطَّةِ إصدارِ أسهمٍ إضافيّةٍ لا تملُكُ حقوقَ التّصويتِ؛ إذ يتضمَّنُ حقُّ التَّصويتِ مَنْحَ المساهمينَ قوّةَ تحديدِ مَن سيشكّلُ مجلسَ الإدارةِ ويضعُ قوانينَ الشّركةِ وسياستها، ويحدّدُ أيّةَ قراراتٍ إداريّةٍ وتشغيليّةٍ مهمّةٍ، وفي حينِ يتضمَّنُ الإصدارُ المتعدِّدُ بدوره قيامَ الشّركةِ بإصدارِ عدّةِ شرائحَ من الأسهمِ العاديّةِ؛ فإنّها تختلفُ فيما بينَها من ناحيةِ الميِّزاتِ الّتي تتمتَّعُ بها.
وفي هذا السّياقِ، أشارَ مارك إلى ارتفاعِ قيمةِ شركتِه في السّنةِ والنّصفِ الفائِتَة ارتفاعاً كبيراً، ولن يُضطَّرَ إلّا إلى بيعِ جزءٍ صغيرٍ من حصّتِهِ في الشّرِكَةِ لتقديمِ تمويلٍ كبيرٍ إلى مؤسّستِهِ الإنسانيّةِ الّتي ستساعدُ في دعمِ مشاريعِ الصّحّةِ والتّعليمِ، وذلكَ مع الحفاظِ على حقِّهِ في التّحكُّمِ بالتّصويتِ لأكثرَ من عشرينَ سنةً إضافيّةً.
وقال زوكربيرغ في وقتٍ سابقٍ أنَّ خُطَّةَ الإصدارِ هذه ستساعدُ في التّحكُّمِ بالقراراتِ المهمَّةِ للشّرِكَةِ وعدمِ تركِها لتأثيرِ قراراتِ المستثمرينَ قصيرةِ الأجلِ، والّتي غالباً ما تؤثِّرُ سلبيّاً على الشّركةِ، ولكنَّ مُخطَّطَ زوكربيرغ هذا قد واجه العديدَ من الانتقاداتِ فيما يتعلَّقُ بتركُّزِ السُّلطةِ في يده؛ إذ يعتقدُ البعضُ أنَّ ذلكَ قد يقود الشّركةَ إلى وضعٍ غيرِ مُستقرٍّ في المستقبلِ؛ خصوصًا في حالِ حدوثِ فضيحةٍ ما أو تركِهِ لمنصبِهِ كمديرٍ تنفيذيٍّ للشّركةِ على نحوٍ مفاجىءٍ أو طارىء.
وقد أضافَ زوكربيرغ إلى هذا بأنَّ الفيسبوك لم تنشأ لتكونَ شركةً أصلاً، وإنّما للقيامِ بمهمَّةٍ اجتماعيّةٍ، ولكنَّها - بالفعلِ - أصبحت من أكثرِ الشّركاتِ نجاحاً في العالمِ، وكان لمنع المساهمِينَ من بَيعِ طموحاتِهم قصيرةِ الأجلِ دوراً في ذلكَ؛ على حدِّ تعبيرِ مارك زوكربيرغ.
هذا وكان قد أعلنَ في نيسان/أبريل من العامِ 2016 بأنَّ شركتَهُ ستُصدِرُ شريحةً جديدةً من الأسهمِ وَهي الشّريحةُ C، ولا يملكُ حَمَلَةُ هذه الأسهمِ أيّةَ حقوقِ تصويتٍ في قراراتِ الشّركةِ، وكانَ الهدفُ من هذا القرارِ رفعُ رأسِ مالِ الشّركةِ مع عدمِ التّأثيرِ على عمليّةِ اتّخاذِ القراراتِ المُهمّةِ في الشّرِكَةِ والّتي تقعُ على عاتقِ مارك زوكربيرغ بصفتِهِ المديرَ التّنفيذيّ، وقد تذرَّعَ زوكربيرغ عند اتّخاذِهِ هذا القرارَ بأنَّ المساهمينَ عادةً ما يُركّزونَ على أهدافٍ ربحيّةٍ قصيرةِ الأجلِ، وطالَما كان هدفُه هو التّركيزَ على استراتيجيّةِ الشّركةِ على المدى الطّويلِ وتحقيقِ أهدافِها في جعلِ العالَمِ أكثرَ ترابُطاً وانفتاحاً.
لقي قرارُ زوكربيرغ استياءَ المساهمينَ وخاصّةً أنّها ستُقلِّلُ من حقوقِ تصويتِهم، إذ ستنقسِمُ كلُّ حصَّةٍ إلى ثلاثِ حِصَصٍ؛ أي إلى ثلاثِ شرائحَ: الشّريحة A تتمتّعُ بحقِّ التّصويتِ، والشَّريحتان B وَC من دونِ أيّةِ حقوقِ تصويتٍ.
وفي هذه الحالةِ سوف تُقَيَّمُ الشّركةُ بناءً على قيمةِ الأسهمِ الإجماليّةِ؛ والّتي قد تختلفُ عن مجموعِ قيمةِ نَوعَي الأسهم السّوقيّة؛ إذ إنَّ محلِّلي الأسعارِ يأخذونَ بعينِ النظر أنَّ الأسهمَ الّتي قد لا تتضمَّنُ حقوقَ تصويتٍ يكون تسويقُها أصعبَ لأنَّ ميِّزاتِها قليلة.
ويختلفُ الإصدارُ المتعدِّدُ للأسهمِ عن تجزئةِ الأسهم (Stock Split) والّذي تزيدُ بواسطته الشّركةُ عددَ أسهُمِها عن طريقِ تقسيمِ قيمةِ كلِّ سهمٍ إلى اثنتينِ أو أكثر؛ إذ إنَّ قيمةَ الشّركةِ الإجماليّةِ لا تتغيّرُ هنا، وإنّما عددُ الأسهمِ هو الذي يتغيرُ فقط؛ وتتغيّرُ قيمةُ كلِّ سهمٍ معه، وتلجأ الشّركةُ إلى تجزئةِ الأسهُمِ لعدَّةِ أسبابٍ؛ وقد يكونُ السّببُ النّفسيُّ هو الأهمُّ، إذ إنَّ استمرارَ ارتفاعِ قيمةِ السّهمِ قد يوحي للمستثمرِ بأنَّ السَّهمَ مُسعّرٌ بأعلى ممَّا يستحقُّ، لذا تلجأُ الشّركةُ إلى تجزئةِ القيمةِ ليظهرَ السَّهمُ بسعرٍ أقلّ، وكذلك فتجزئةُ السَّهمِ تزيدُ من سيولتهِ؛ لأنَّ انخفاضَ السعرِ يتضمَّنُ قدرةً أكبرَ على البيعِ وانخفاضاً أكبرَ في هامشِ البيعِ والشِّراء، وتختلفُ هذه الشّرائحُ عن الأسهمِ الممتازةِ أيضاً، واّلتي تأخذُ نسبةً مُحدَّدةً من الأرباحِ وبفتراتٍ مُحدَّدَةٍ، فضلاً عن أنّها تُصفّى قبلَ بقيَةِ الأسهمِ، وهي أساساً لا تملِكُ أيَّ حقوقِ تصويتٍ.
ويبدو من الجيّدِ جدّاً أن تمتلكَ حصةً صغيرةً في شركةٍ ما، لكنَّكَ تملُكُ إمكانيّةَ تحكُّمٍ كبيرةٍ في قراراتِ الشّركةِ المُهمَّةِ نتيجةَ ميزةِ التّصويتِ، وهذا ما تُقدِّمُه ميزةُ إصدارِ نوعَينِ أو أكثرَ من الأسهمِ العاديّةِ، ويدَّعي مؤيّدو هذه العمليّةِ أنَّها ستحمي الشَّرِكَةَ من التّذبذُباتِ السِّعريّةِ؛ إذ ستسمحُ للإدارةِ باتّخاذِ قراراتٍ سيّئةٍ بعواقبَ أخفَّ وطأةً، ومن جهةٍ أخرى يبدو من غيرِ العادلِ تَحكُّمُ قِلَّةٍ قليلةٍ من المالكينَ في القراراتِ الحاسِمَةِ، وتُعَدُّ شركةُ Hollinger الدّوليّةُ (وهي شركةٌ إعلاميّةٌ عالميَّةٌ) أكبرَ مثالٍ على الأثرِ السّلبيِّ للإصدارِ المتعدِّدِ؛ إذ مُنِحَ المديرُ التّنفيذيُّ السَّابقُ Conard Black جميعَ الأسهُمِ ذاتِ التّصنيفِ A والّتي أعطَتهُ 30% من حقوقِ المُلكيّةِ وَ73% من حقوقِ التّصويتِ، وقد أدارَ الشّرِكَةَ كما لو أنَّهُ المالِكُ الوحيدُ لها، وكذلك أحاطَ نفسَهُ بمجلسِ إدارَةٍ مكوَّنٍ من أصدقَائِهِ، والّذينَ يُرجَّحُ أنَّهم لن يُعارضوا قراراتِه، ولم يكن لبقيّةِ حَمَلَةِ الأسهمِ أيَّةُ قوّةٍ في التّأثيرِ على القراراتِ الّتي تتعلَّقُ بالأرباحِ والاستحواذِ والاندماج.
وفي النّهاية وقعَت الشّرِكة في خطرِ الإفلاسِ، ولكن يبقى أداءُ شركاتٍ كبيرةٍ مثلَ فيسبوك وألفابت (غوغل سابقاً) خيرَ دليلٍ على قدرةِ الشّرِكَاتِ ذاتِ الإصدارِ المُتعدِّدِ على الاستمرارِ في النّجاحِ، والحفاظِ على أهدافِها واستراتيجيّاتِها بعيدةِ المدى.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا
4 - هنا