العمارة والتشييد > التشييد
الأبنيةُ المُستدامة
إذا كنتَ تعتقدُ أنَّ تصميمَ الأسقفِ الخضراء لتحسين النَّاحيةِ الجماليَّةِ للمبنى فحسبُ فما عليكَ إلّا إعادةُ التَّفكيرِ في ذلك، فَلهذهِ الأسقفِ الخضراء دورٌ بيئيٌّ كبيرٌ؛ إذ تساهمُ النَّباتاتُ المكوِّنة لها في تخليصِ الجوّ من كميَّاتٍ لا بأس بها من انبعاثاتِ الكربون -عن طريق عمليَّة التركيب الضوئي- التي ترتفعُ نسبتُها في المدن.
وهذا ما تظهرهُ إحدى الدِّراسات التي أجرتها الباحثةُ كريستين جيتير Kristin Getter معَ زملائها في جامعةِ ولاية ميشيغان، إذ قاست كميَّة الكربون الممتصَّة من قِبَلِ 13 سطحاً من الأسقفِ الخضراء، التي تؤكِّدُ الباحثةُ على أهميَّتِها بقولها: "لا أستطيعُ تخيُّل رفضِ شخصٍ ما فكرةَ إنشاءِ الأسقفِ الخضراء".
وأجرى فريقُ البحث عدَّةَ اختباراتٍ لاثني عشر سقفاً مشيَّداً وفق تقنيَّةِ الأسقفِ الخضراء، فوجدوا أنَّ هذهِ الأسطح تمتصُّ قرابة 375 غراماً من الكربون في كلِّ مترٍ مربَّع، وقد لا يبدو هذا الرقم كبيراً للوهلةِ الأولى، ولكنَّ كريستين جيتير أكّدت على أنَّه إذا حُوِّلت أسقفُ الأبنيةِ في مدينةِ ديترويت ميشيغان التي تضمُّ قرابة مليون نسمة إلى أسقفٍ خضراء كليَّاً؛ فَسوفَ يزولُ الكربون من غلافِ المدينة الجويّ الذي تسبِّبُه 10000 شاحنة وسيَّارة رياضيَّة متوسِّطة الحجم تتنقَّلُ على طرقِ المدينةِ في العامِ الواحد.
لكنَّ البدء بإنشاءِ هذهِ الأسقف صديقةِ البيئة لن يُخفِّضَ كميَّةَ الكربون مباشرةً، إذ يتطلَّبُ تحضيرُ هذه الأسقف مواد خاصَّةً تسبِّبُ انبعاث غازِ الكربون، ولا يستطيعُ السقفُ الواحد التخلُّصَ من الكربون المُنبعِث كليَّاً إلا بعد سبعِ سنواتٍ تقريباً. وأكدَّت جيتير أنَّ سعيَ فريقِها لتطويرِ مواد بناء أقل إصداراً للكربون يمكنُ أن يُقلِّصَ المدَّة الزَّمنيَّة السَّابقة إلى ثلاثِ سنواتٍ تقريباً.
وقد أشادَ الباحثُ جون سادلير Jon Sadler من جامعةِ برمنغهام في المملكةِ المتَّحدة بالفوائدِ الكبيرةِ لاستخدامِ الأسقُفِ الخضراء مثل زيادةِ التنوُّع البيولوجي، ولكنَّهُ لم يقتنع بقدرتِها الفعليَّة على امتصاصِ الكربون، فهي - برأيه - تحتاجُ مساحاتٍ كبيرة وواسعة لتكونَ فاعلةً، إضافةً إلى أنَّ هذا الحلّ يتطلَّبُ وقتاً لا بأس به لإعطاءِ النَّتائجِ المرجوَّة.
وأبدى لانس شميت Lance Schmidt - أحدُ داعمي فكرة الأبنية المُستدامة ومديرٌ في شركة F.G Ayers - رأياً مختلفاً عن آراء المعارضين لهذه التقنيَّة بسبب كلفتِها المرتفعة، إذ أرادَ أن يثبتَ مع زملائه أنَّ الأبنيةَ المُستدامة غيرُ مكلِفة فضلاً عن أنّها صديقةٌ للبيئة، مُبرهِناً على ذلك ببناءِ منزلٍ بسقفٍ أخضر ليُظهِر قابليةَ تنفيذِ هذه الأبنية بأسعارٍ مقبولةٍ ومنطقيَّة.
فقُدِّرت كلفةُ منزلٍ بمساحةِ 110 متر مربع ومُستوفٍ للمعايير المطلوبة من المنظَّمة الوطنية للأبنية المستدامة National Association of Home Builders' green building ومعايير الطَّاقة الحكوميَّة بـ 92000 دولار تقريباً، ويبلغُ متوسِّط فاتورةِ الغاز الشهريَّة فيه قرابة 38 دولار، وهو أقلُّ بكثير من المنازلِ الأخرى بالمساحةِ ذاتِها.
يؤكِّدُ إنشاءُ مثل هذهِ المنازل للنَّاسِ عموماً وللعاملين في مجالِ التَّشييد والبناء خصوصاً أنَّهُ يمكنُنا حفظُ مواد البناء وتقليلُ النفايات النَّاتجة عن عمليَّات البناء، إضافةً إلى تحسينِ كفاءةِ الطَّاقة المنزليَّة، وكلُّ ذلكَ دون وجود زيادة كبيرة في التَّكاليف وبما يخدمُ البيئة، ممَّا حثّ البنَّائين على استخدامِ وتجريبِ عددٍ كبيرٍ من الأساليب المطوَّرة لتحقيقِ أكبرِ فائدةٍ مرجوَّة.
وعلى سبيل المثال: يبلغُ التَّباعدُ بينَ الجوائزِ من النَّوع 2-by-8s في التَّصميمِ الحاليّ 50 سم (19.2 إنش)، عوضاً عن 40 سم (16 إنش) في التَّصاميم العادية، محقِّقاً وفراً في كميَّاتِ الخشبِ المُستخدمة، ويفسِّرُ لانس شميت ذلكَ بسببِ قوَّةِ التَّحمُّل الكبيرة للَّوحِ الخشبيّ المتوضِّع فوقَ هذه الجوائز، فهي تمتازُ بقوَّةٍ كافيةٍ لتحمُّلِ هذا التَّباعد، وكذلكَ نجدُ في هذا المنزل أنَّ التَّباعدَ بينَ الدَّعامات في وسطِ الجدران يصلُ إلى 60 سم (24 إنش) محقِّقاً وفراً إضافيَّاً في تكلفة الخشب، وممَّا يسمحُ بخلقِ مساحات عزلٍ أكبر، إذ أنشئت مساحةُ عزلٍ إضافيَّةٍ باستخدامِ طريقةِ الدَّعامات المعلَّقة بوصلِ بقايا القطعِ الخشبيَّة المُستخدمة إلى دعاماتِ السَّطح لرفعِ هذهِ الدَّعامات بضعة إنشات فوقَ الجدران الخارجيَّة لتوفيرِ مساحة العزل تلك.
إضافةً إلى أنَّ المنزلَ يحتوي على نظامِ جمعِ غاز الرَّادون -وهو غازٌ سامٌّ جدَّاً يتسرَّبُ من باطنِ الأرض إلى المباني عبرَ الشُّقوقِ الموجودةِ في الأساسات، ويتشكَّلُ نتيجةَ تحلُّلِ اليورانيوم والثوريوم- ويتمثَّلُ هذا النِّظام بأنبوبِ تنفيسٍ لإخراجِ غاز الرَّادون المتسرِّب للمنازل، وتبلغُ كلفتُه قرابة 100 دولار، والتي تُعَدُّ أقلَّ كثيراً من كلفة التخلُّص من هذا الغاز في حالِ اكتشافِ وجودِه بعدَ بناءِ المنازل.
تُفرَزُ نفاياتُ البناء لإعادةِ تدويرها ممَّا يوفِّرُ المالَ الناجمَ عن ضرائبِ جمعِ القُمامة من جهة، ويقلِّلُ كميَّةَ النفايات التي ينتهي بها المطاف إلى مكبَّاتِ النفايات ومدافن القمامة، ويقلِّلُ التلوُّثَ الناجمَ عن هذهِ المدافن من جهةٍ أخرى، إذ توضَعُ علاماتٌ معيَّنةٌ على عدَّةِ صناديق لجمعِ أنواعٍ مختلفةٍ من المواد، ويُنقَلُ معظمُها لإعادةِ تدويرها.
يجدرُ الذِّكر أنَّ طلَّاب برنامج أكرون بوبليك Akron Public Schools' Education قد شاركوا في البناء وكانت هذه فرصةً لهم لتعلُّمِ تقنيَّات الأبنية الصَّديقة للبيئة.
أمَّا الآن وبعدَ أن تعرَّفتَ على تقنيَّةِ الأسقف الخضراء؛ فهل تعتقدُ عزيزي القارئ أنَّه من المفيدِ تطبيقُها لتقليلِ انبعاثاتِ غاز الكربون في بلادنا؟ شاركنا برأيك.
المصدر: