الطب > طب العيون
زراعةُ قرنَّيةِ العينِ أملٌ جديدٌ لعلاجِ ضعفِ الإبصارِ
تعدُّ زراعةُ الأعضاءِ واحدةً منْ أكثرِ الابتكاراتِ تأثيرًا في مجالِ العلاجاتِ الطبيّةِ في القرنِ العشرينَ، وزرعُ القرنيَّةِ هوَ أكثرُ أنواعِ عملياتِ زراعةِ الأعضاءِ في العالم شيوعاً. وقدْ أشارتِ الدراساتُ إلى أنَّ هناكَ قرابةَ 100،000 حالةٍ منْ حالاتِ زرعِ القرنيَّةِ تُجرى حولَ العالمِ كلَّ عامٍ.
وذكرتْ إحصائياتُ مُنظمَّةِ Donate Life America (امنَحِ الحياةَ في أمريكا) أنَّهُ مُنذُ عامِ 1961 هناكَ أكثرُ منْ 1،500،000 مريضٍ من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ في جميعِ أنحاءِ العالمِ قد صُحِّحَ نظرُهُم بفضلِ عمليةِ زرعِ القرنيَّةِ.
ويعودُ هذا الاكتشافُ العظيمُ إلى الطبيبِ النّمساويِّ إدوارد تسيرم Eduard Zirm، الذي أنجزَ أوّلَ عمليةِ زرعِ قرنيَّةِ ناجحةٍ في جمهوريَّةِ التشيك عام 1905 لِمُزارعٍ يبلغُ منْ العمرِ 45 سنةً كانَ يعاني حينَهَا منْ حرقٍ في القرنيّةِ بمادّةٍ كلسيّةٍ، وأعطى الطُعمُ نتيجةً جيّدةً لفترةٍ مطوّلةٍ سمحتْ للمريضِ خلالَها بالعودةِ إلى عملِهِ وحياتِهِ الطبيعيّةِ؛ مِمَّا جعلَ هذا حدثًا رائدًا في زرعِ الأعضاءِ الباكرِ.
لِماذا تحتاجُ لإجراءِ زراعةِ القرنيَّةِ؟؟
القرنيَّةُ هيَ نسيجٌ شفَّافٌ يتوضَّعُ في مُقدِّمةِ كرةِ العينِ، لتغطِّيَ الطبقةَ الخارجيَّةَ منهَا وتحميَهَا منَ الغبارِ والجراثيمِ وباقي الملوثاتِ، وتَكْمُنُ وظيفتُها الأساسيَّةُ في كَسرِ أشّعةِ الضوءِ الداخلةِ إلى العينِ بواسطةِ حافتِها المقوّسةِ، لذلكَ فهيَ تؤدّي دورًا مهمًا في قدرةِ الشبكيّةِ على تركيزِ الضوءِ لنتمكنَ منْ رؤيةِ الصورِ بوضوحٍ.
وبذلك عندَ حدوثِ خللٍ في وظيفتِها سينحرفُ الضوءُ الداخلُ إلى العينِ عنْ مسارِه الطبيعيِّ مؤديًّا إلى انخفاضِ جودةِ الرؤيةِ، ويمكنُ في بعضِ الحالاتِ أنْ تنتهيَ بالعمى.
ونذكرُ منْ هذهِ الحالاتِ:
١-القرنيَّةَ المخروطيّةَ.
٢-حَثْلَ فوكس (ضمورُ الخلايا البِطانيةِ).
٣-وذمةَ القرنيَّةِ.
٤-قرحةَ القرنيَّةِ.
٥-خدشَ القرنيَّةِ نتيجةَ عملٍ جراحيٍّ سابقٍ أو إنتان.
٦-تغيُّمَ القرنيَّةِ.
ولا بدَّ منَ التنويهِ إلى أنَّ جراحةَ زرعِ القرنيَّةِ تُمثِّلُ الحلَّ النهائيَّ لهذهِ الحالاتِ الطبيّةِ، وذلكَ بعدَ فشلِ باقي طرائقِ العلاجِ المُتَّبعةِ.
وبدايةً يجبُ أنْ يخضعَ المريضُ لفحصِ عينٍ شاملٍ يُقاسُ به حجمُ العينِ لتحديدِ حجمِ الطُّعمِ المُرَادِ استخدامُه؛ وكذلكَ قياسُ ضغطِ العينِ، وفحصُ قعرِ العينِ للتحقّقِ منْ سلامةِ شبكيَّةِ العينِ؛ إضافةً إلى ضرورةِ علاجِ مشكلاتِ العينِ الأُخرى في حالِ وجودِها كالإنتاناتِ؛ لأنَّ تجاهلَ هذهِ النقطةِ سيقللُّ منْ نسبةِ نجاحِ العمليّةِ.
وأظهرتِ الدراساتُ أنَّ معظمَ القرنيَّاتِ المستخدمةِ في عملياتِ الزرعِ تأتي منَ المتبرعينَ المتوفِّينَ على عكسِ باقي الأعضاءِ مثلَ الكبدِ والكُليةِ، وبذلك لنْ يحتاجَ المرضى للانتظارِ فتراتٍ طويلةٍ.
وبمزيدٍ منَ البحثِ والتحليلِ تبيّنَ أنَّ هنالكَ العديدَ منَ الأساليبِ المستخدمةِ في جراحةِ زرعِ القرنيَّةِ التي غالبًا ما تُجرى تحتَ التخديرِ الموضعيَّ.
إذْ كانَ الأسلوبُ القديمُ يتضمَّنُ إزالةَ القرنيَّةِ المصابةِ كليًّا وتثبيتَ القرنيَّةِ السليمةِ بواسطةِ الغُرَزِ(القطب)، وذلكَ في حالاتِ الإصابةِ الشديدةِ فقط؛ إذ إنَّها تحتاجُ لوقتِ استشفاءٍ أطولَ؛ وأمَّا عندَ اتّباعِ الأساليبِ الحديثةِ - التي يُستخدمُ فيها أجهزةٌ دقيقةٌ مثلَ أَشِعَّةِ الليزر - فيُزالُ الجزءُ المصابُ منَ القرنيَّةِ فحسب؛ ثُمَّ يُزرَعُ نسيجُ المتبرّعِ مكانَ النسيجِ المُزالِ تمامًا، وهذا ما يعني وقتَ استشفاءٍ أقلَّ، وكذلكَ احتمالُ إنتانٍ ورفضِ زرعٍ أقلَّ، نتيجةً لاستخدامِ القليلِ منَ الأنسجةِ المانحةِ.
ومنْ هذهِ الطرقِ المُتَّبعةِ:
أولًا- رأبُ القرنيَّةِ الأماميَّةِ العميقةِ: (DALK).
ثانيًا- رأبُ القرنيَّةِ الأماميَّةِ السطحيَّةِ: (SALK).
ثالثًا- رأبُ بطانةِ القرنيَّةِ: (DSEK وَ DMEK).
ففي جراحةِ زراعةِ القرنيَّةِ الأماميَّةِ يُزالُ النسيجُ المصابُ منْ طبقاتِ القرنيَّةِ مُتَضمِّنًا كُلًّا منَ الظهارةِ والسدى تاركًا الطبقةَ الخلفيَّةَ في مكانِها، وتختلفُ زراعةُ القرنيَّةِ الأماميَّةِ السطحيَّةِ عنِ العميقةِ؛ إذْ في رأبِ القرنيَّةِ الأماميَّةِ العميقةِ DALK يُشَقُ شَقٌّ صغيرٌ في جهةٍ مُحدَّدةٍ منْ كرةِ العينِ للسماحِ بإزالةِ الجزأين الأماميِّ والمتوسطِ منَ القرنيَّةِ المتأذيَّةِ دونَ إصابةِ الطبقاتِ الخلفيَّةِ، ثمّ يُغرَزُ النسيجُ السليمُ من المتبرعِ مكانَ الجزءِ المزالِ تمامًا.
أمَّا رأبُ القرنيَّةِ الأماميَّةِ السطحيَّةِ SALK فتُزالُ الطبقةُ الأماميَّةُ المتأذيّةُ فقطْ، وفي جراحةِ زراعةِ بِطانةِ القرنيَّةِ يُزالُ النسيجُ المصابُ فحسبُ؛ ولكنّه يُزالُ منْ طبقاتِ القرنيَّةِ الخلفيَّةِ مُتضمِّنًا البطانةَ حتى امتدادِ غشاءِ ديسيميه، ثُمَّ يُزرعُ نسيجُ المتبرعِ بحذرٍ.
وهناك نمطانِ لهذا الإجراءِ:
رأبُ بطانةِ القرنيَّةِ بتجريدِ غشاءِ ديسيميهDSEK وهوَ الأشيعُ استخدامًا؛ إذْ يستخدمُ نسيجُ المتبرعِ لاستبدالِ قرابة ثلثِ القرنيةِ، في حين أنَّنا في حالةِ رأبِ بطانةِ القرنيَّةِ مع غشاءِ ديسيميه DMEK نستخدمُ طبقةً أكثرَ رقَّةً من نسيجِ المتبرعِ فتكونُ هشّةً؛ لذلكَ تُعدُّ غيرَ شائعةِ الاستخدامِ كسابقتِها.
وعلى الرغمِ منْ أنَّ زراعةِ القرنيّةِ تعدُّ عمليةً آمنةً، لكن لا بُدَّ منْ تنبيهِ المريضِ إلى بعضِ مضاعفاتِ هذا العملِ الجراحيِّ منْ:
١-إنتاناتٍ
٢-سادٍّ (زيادةِ خطرِ تغيُّمِ عدسةِ العينِ) (مياه بيضاء).
٣- زَرَقٍ (ارتفاعِ ضغطِ كرةِ العينِ) (مياه زرقاء).
٤-رفضِ الطُّعمِ وهوَ الأهمُّ؛ إذْ يتظاهرُ بألمٍ واحمرارٍ وحساسيّةٍ للضوءِ بالإضافةِ إلى فقدانِ القدرةِ الإبصاريّةِ؛ لكنْ وجدتِ الدراساتُ أنَّ رفضَ الطُّعمِ يحدثُ في 10% من الحالاتِ فقط.
وقد نشرتْ مجلةُ الأكاديميّةِ الأمريكيّةِ لطبِ وجراحةِ العيونِ دراسةً شملتْ 24500 عمليةِ زرعِ قرنيَّة، وبيّنت انخفاضَ مُعدَّلِ نجاحِ عمليةِ الزرعِ كُلمَّا كانتْ قرنيَّةُ المرضى مُوعّاةً أكثر؛ لذلكَ ففي هذهِ الحالةِ لا بُدَّ منْ معالجة المرضى بمثبِّطاتِ المناعةِ قبلَ العملِ الجراحيِّ مثلَ Bevacizumab أو Ranibizumab أو نوعٍ آخرَ من الأدويةِ يعملُ على مستوى النسخِ الجينيِّ للحدِّ منْ نموِّ الوعاءِ؛ وأحدُ هذهِ الأدويةِ GS101 وهوَ الآنَ يُستخدمُ في التجاربِ السريريَّةِ.
ونوَّهتْ هذهِ الدراسةُ إلى عدِّ كلٍّ من العمرِ المتقدِّمِ وجنسِ الذكورِ منْ عواملِ الخطورةِ الإضافيةِ لانخفاضِ مُعدَّلِ نجاحِ العمليَّةِ.
ومن ثَمَّ ففي حالِ كانَ المريضُ لا يتحمّلُ زرعَ القرنيَّةِ؛ فهلْ هناكَ منْ حلٍّ آخرَ؟!
يمكنُ للطبيبِ أنْ يلجأ إلى استخدامِ القرنيَّةِ الاصطناعيَّةِ، والتي أصبحتْ مُتاحةً على نطاقٍ واسعٍ بفضلٍ تقدُّمِ هذهِ التقنيَّاتِ وتطوّرها.
وأخيرًا؛ يستعيدُ معظمُ المرضى الخاضعينَ لجراحةِ زرعِ القرنيَّةِ بصرَهَم جزئيًّا على الأقلِ؛ إذْ يمكنُ أنْ تصبحَ القدرةُ البصريّةُ في بادئِ الأمرِ أسوأَ ممّا كانتْ عليهِ قبلَ العملِ الجراحيِّ – وذلكَ في الأسابيعِ الأولى حتى عدّةِ أشهرٍ – لكنْ لا قلقَ منْ ذلكَ؛ فهذا طبيعيٌّ حتّى تتكيّفَ العينُ معَ القرنيَّةِ الجديدةِ.
المصادر: