الفيزياء والفلك > فيزياء
السيوف الدمشقية؛ أصالة الماضي تحت عدسة العلم
هي حكاية من حكايا سحر الشرق، قصة سيف بدأت صناعته في دمشق لتنتشر بعد ذلك في بلدان المشرِق، وقد تعددت الحكايات في وصف قوته وحدّة نصله فبعضها يقول أنه حادٌ لدرجة أنه قد يقطع منديلًا من الحرير في الهواء، إنها حكاية السيف الدمشقيّ.
برغم قِدَم صناعة السيوف عند العرب لكن صناعة هذه السيوف -والتي ظهرت مع بدايات القرن العاشر الميلادي- تميزت بصفتين لم تتمتع بها بقية السيوف الموجودة في تلك الفترة وهي الخطوط المميزة المتموجة على طول النصل إضافة إلى الحدة التي لا تُصَدَّق لنصله القوي، وقد عجز الحدادون الأوروبيون عن تقليد صناعة هذه السيوف لزمن طويل حتى أن سر صناعتها قد اختفى لسبب ما، ويُجمِع الخبراء أن السيوف الدمشقية الأصلية الصنع لم تعد موجودة مع بداية القرن التاسع عشر، ولكن التقنيات العلمية الحديثة ودراسة العينات الموجودة حاليًا من هذه السيوف قد تكون قادرة على تقديم تفسير علمي دقيق عن سبب تميز هذه السيوف عن غيرها بل وربما سبب اختفاء جودة صناعتها وإمكانية إعادة تصنيع مماثلات حديثة لها.
فقد كان معروفًا للخبراء أن السيوف الدمشقية الأصلية الصنع قد صُنعت من قطع مسكوبة من الحديد الخام بشكل أقراص بقطر 10 سنتيمترات وسماكة 5 سنتيمترات تُدعى سبائك ووتز (wootz) جُلبت من الهند، وتُصنَع السيوف من هذه السبائك بعمليات متكررة متتالية من الطرق والتعريض للحرارة الشديدة بأشكال معينة اتبعها حِرَفيو تلك الحقبة، وتحوي سبائك الحديد الخام على 1.5% من الكربون إضافة لنسب قليلة من الشوائب كالسيليكون والمنغنيز والفوسفور والكبريت.
ولدراسة تركيب هذه السيوف على مستوى الذرات درس باحث علم المواد بيتر باوفلر وفريقه من جامعة دريسدن في ألمانيا عام 2006 عينات من سيف دمشقي أصلي صُنِع في القرن السابع عشر، وقد دُرسَت هذه العينات بواسطة مجهر إلكتروني؛ إذ كُشِف عن وجود بنية لأنابيب نانوية بعد أن عولجت عينات من السيف في حمض كلور الماء للكشف عن بنية نانوية أخرى وهي أسلاك نانوية من كاربيد الحديد أو ما يُعرَف بالسمنتيت؛ إذ أظهرت الدراسات مسبقًا أن هذه الأسلاك النانوية تتراصف موازية لسطح النصل وعند مسح هذه الأسلاك النانوية بالحمض يظهر الكربيد كخطوط بيضاء على النصل الداكن، وتمتاز حبيبات الكاربيد بالصلابة الشديدة ويعتقد أن تراصف هذه الأسلاك مع الحديد اللين هو ما أكسب السيوف نصلا حادًا جدًّا إضافة للمتانة والمرونة الشديدين.
وكان من المعتقد سابقًا أن الشوائب الموجودة في سبائك الووتز قد ساهمت في تشكيل هذه الشرائط النانوية ولكن لم تكن آلية ذلك واضحة تمامًا، مايقترحه باوفلر وفريقه في دراستهم أن تَشَكُّل الأنابيب الكربونية (والتي ستحوي داخلها شرائط الكاربيد النانوية) قد يكون تتمة الحل لهذا اللغز، فعند درجات الحرارة العالية قد تكون هذه الشوائب حفزت تشكيل أنابيب كربونية نانوية من الكربون الموجود في الخشب والأوراق المحترقة المستخدمة عند تشكيل سبائك الووتز وصهرها؛ إذ من الممكن عندها أن تكون هذه الأنابيب قد امتلأت في هذه العملية بالسمنتيت لتتشكل عندها الشرائط النانوية في نصل السيف تحت تأثير عمليات التصنيع فبالتأكيد لم يكن صانعو السيوف يعلمون أي شيء عندها عن تقنية النانو أو الأنابيب الكربونية.
ومن ناحية أخرى لا يجزم البروفيسور جون فيرهوفن مختص علوم وهندسة المواد من جامعة ولاية أيوا بصحة هذا الفرض؛ إذ يقول أن السمنتيت يمكن أن يوجد بشكل شرائط نانوية دون عوامل مساعدة، مما يجعله كافيا كتبرير للخواص المميزة للسيوف الدمشقية التي نجح جون فيرهوفن في صناعة نصال خناجر منها معتمدًا على نفس المواد الأولية ومكررًا المحاولات حتى وصل لتسلسل يسمح يتشكل شرائط السمنتيت في النصال المصنوعة.
أما عن سبب اختفاء صناعة هذه السيوف في سبب ما يشرح فيرى هوفن أن السبب قد يعود في ذلك لتغير طفيف قد طرأ على سبائك ووتز عند صناعتها في الهند سبب تغيرًا في نسب الشوائب الموجودة فيها مما يمنع تشكل شرائط السمنتيت النانوية فلن يتمكن الحدادون عندها من صناعة سيوف بنفس المتانة والخطوط المميزة على طول النصل، وباستمرار هذه التغيرات لعدة أجيال فمن الطبيعي أن يضيع سر هذه الصناعة ولكن الآن قد يكون من الممكن إعادة إحيائها بعد أن كشف الستار عنها وسيكون ذلك بفضل العمل المشترك للفن والعلم جنبًا إلى جنب.
المصدر:
1- هنا
2- Discovery of Nanotubes in Ancient Damascus Steel
Marianne Reibold، Peter Paufler، Aleksandr A. Levin، Werner Kochmann، Nora Pätzke، Dirk C. Meyer
3- The mystery of Damascus Blades by John D.Verhoeven : Scientific American January 2001.