المعلوماتية > عام
أنتَ تنعمُ بخدماتٍ "مجانيّة" وهم ينعمون بالبيتكوين!
رُبَّما لاحظتَ الحملَ الزّائد الذي تضعهُ بعضُ المواقعِ - في أثناءِ تصفّحِها - على وحدةِ المعالجةِ المركزية الخاصَّةِ بحاسوبكَ فتجدها بطيئةً.
وإنْ كانَ جهازُك غيرَ مجهِّزٍ بعتادٍ صُلبٍ لِمثلِ هذهِ الحمولاتِ الكبيرة؛ فمِنَ الممكنِ أنْ يكونَ سببُ هذا البِطء هو بعضُ الأسطرِ البرمجيَّة المكتوبة بلغةِ JavaScript، وتُدرجُ هذهِ الأسطرُ ضمنَ شِّيفرةِ الموقعِ المصدريَّةِ، وتقومُ بالتَّعدين المُشفَّر، إذْ بدلًا من إغراقِك بالإعلاناتِ المُزعجة؛ قد تنعمُ الآنَ بتجربةِ تصفُّحٍ خاليةٍ منَ الإعلانات، ولكنْ ربّما تُستَهلكُ قدراتُ حاسوبِك دونَ عِلمكَ، لمساعدةِ المواقعِ بتعدينِ العُملاتِ الرَّقميَّة؛ تعدينِ العُملةِ "مونيرو"الجديدة؛ والّتي تُركِّزُ على الخصوصيَّة أكثرَ من عملةِ "البيتكوين".
والمقولةُ الشَّهيرةُ "لا شيءَ مجانيٌّ في الحياة" تنطبقُ على شبكةِ الإنترنت أيضًا؛ إذْ إنَّ غالبيّةَ المواقعِ التي لا تطلبُ ثمنًا لخدماتِها إمّا تجمعُ معلوماتِك الشَّخصيَّة وإمّا تُغرِقُك بالإعلانات، وقد بدأت حديثًا بتوليدِ العُملاتِ الرَّقميَّةَ باستخدامِ مُعالجِ حاسوبِك الشَّخصيّ، ومنْ أهمِّ هذهِ المواقعِ؛ موقعُ التّورنت الشَّهير "The Pirate "Bay، والذي زُعمَ بأنَّهُ كان يستخدمُ حواسيبَ زُوَّارِه لتعدينِ العُملاتِ الرَّقميَّة باستعارةِ حواسيِبهم دونَ علمِهم، ويحدثُ الشّيءُ نفسَه تمامًا في مقهى ستار بوكس بالأرجنتين عبرَ شبكةِ الإنترنت الخاصّة به.
وأنتَ كمُستخدِمٍ عاديّ؛ يُمكنكَ أنْ تُلاحظَ هذهِ العمليَّةَ بسببِ بطءِ سرعةِ حاسوبِك أو ارتفاعِ درجةِ حرارةِ المُعالِج أو صوتِ مروحةِ التَّبريدِ الخاصَّةِ به في أثناءِ تصفُّحِك موقعًا بسيطًا لا يحتاجُ أيَّةَ قُوّةٍ حاسوبيَّة.
ولكنْ، مَاذَا يعنِي التَّعدِين؟
إنَّ العُملاتِ الرّقميّةَ لا تُطبَعُ مِن قبلِ بنكٍ مركزيٍّ مثل الأموالِ العاديَّة، وإنَّما تولَّدُ مِنْ قبَلِ حواسيبَ تحلُّ معادلاتٍ رياضيَّةٍ معقَّدةٍ وصعبة، والتعدينُ هوَ منافَسةٌ بينَ عدَّةِ مستخدمِينَ، ومَن يحلُّ المعادلةَ على نحوٍ أسرعَ؛ يُكافَأُ بالعُملة.
ولكنَّ هذا ليسَ أمرًا سهلًا؛ إذْ إنّه في حال كانتِ العُملَةُ هي "البيتكوين"؛ يتطلَّبُ التعدينُ مواصفاتٍ عتاديَّةً خاصَّةً واستهلاكَ كميَّاتٍ هائلةٍ منَ الطَّاقة، إذْ تستهلكُ كلُّ عمليَّة تحويلٍ لبيتكوين واحدٍ مقدارًا منَ الطَّاقةِ يكفِي لغليانِ 36000 قدرًا منَ الماءِ فِي سنةٍ واحدَة، وتَستهلِكُ شبكةَ تعدينِ البيتكوينِ طاقةً أكثرَ منَ التي تَستهلكُهَا دولةُ إيرلندا بأكمَلِها.
وفِي هذهِ الأيَّام ؛ يَستخدمُ المُعدِّنون المُختصّصون أنواعًا خاصَّةً منَ العتادِ الصُّلبِ لتعدينِ البيتكوين، ممَّا يُعطِيهِم أفضليَّةً مميَّزَةً عنِ المُستخدمِينَ الذينَ يُعدِّنونَ على حواسيبَ مكتبيَّةٍ عاديَّةٍ أو على حواسيبِهِم المحمولَة، وعُرفَت الصّينُ بمزارعِ البيتكوين الّتي تضمُّ قرابةَ 70% من مُعدِّني البيتكوين في العالَم كلِّه.
ويُقصَدُ بهذهِ المزارعِ - نظريًّا - المنشآتِ الّتي تُزوَّدُ بعتادٍ مُخصَّصٍ للتعدينِ يعملُ على مدارِ السَّاعة؛ وذلكَ يوضِّحُ أنَّ مشاركةَ شخصٍ ما بحاسوبٍ مكتبيٍّ عاديٍّ في عمليّةِ التَّعدين ليسَ إلّا مضيعةً للوقتِ والكهرباء.
وفِي المقابل، صُمِّمَت خوارزمياتٌ لتعدينِ عُملاتٍ رقميَّة أُخرَى مثل العُملة "مونيرو"؛ لتسهيلِ عمليّةِ التعدين على الحواسيبِ العاديَّةِ مِنْ قبلِ المُستخدمِين العاديين، وهذا هو سببُ ظهورِعُملاتٍ رقميَّةٍ أُخرَى مثل لايت كوين أيضًا.
ويستطيعُ الأشخاصُ الرَّاغبونَ بالتَّعدين جعلَ مجموعةٍ من الحواسيبِ تَتشاركُ معًا فِي حلِّ المعادلاتِ ثمَّ تَتشاركُ المالَ فيمَا بينها، وبالطَّبع كلَّما كانَت مجموعةُ الحواسيبِ أكبرَ كُلَّما زادَت فرصةُ ربحِ هذهِ الأموال الرَّقميّة، وهكذا تستطيعُ الحواسيبُ الفرديَّةُ العاديَّةُ المساعدةَ ولو بجزءٍ صغيرٍ في عمليَّةِ التَّعدين الضَّخمة.
مفهومُ CryptoJacking
يعني مصطلحُ CryptoJacking استخدامَ الحواسيبِ عن طريقِ الاستفادةِ من قوَّةِ معالجاتِها دونَ علمِ أصحابِها - ربَّما لحظاتٍ أو ساعاتٍ - لِتعدينِ العملاتِ الرَّقميَّةِ.
وعموماً؛ عندما تُستخدَمُ حواسيبُ المستخدمينَ دونَ علمهم من قِبَلِ أصحابِ المواقع؛ يضيفُهم المُعدِّنون إلى مجموعةٍ تعملُ على حلِّ مَهمَّةٍ أو مُعادلةٍ واحدةٍ مُعقَّدةٍ وصعبة، ويحدثُ ذلك غالباً باستخدامِ المبرمجين برنامجًا صغيرًا متاحًا للشراءِ مثلَ برنامج JSECOIN أو coinhive، ويساعدُ البرنامجُ الأخيرُ المبرمجين في إضافةِ "أكوادٍ برمجيةٍ" تبدو كإعلانٍ تجاريٍّ للمستخدِمِ يعملُ في الخلفيةِ أثناءَ التَّصفُّحِ، ولكنَّه ليسَ مُجرَّدَ إعلان، بل يجعلُ من حواسيبِ الزوَّارِ جزءاً من مجموعةِ التعدين فتُعَدَّنُ العملاتُ بأقلَّ تكاليفَ ممكنةٍ لأصحابِ المواقع. ويحوي موقع "كوين هايف" تعليماتٍ واضحةً عن كيفيَّةِ تطبيقِ التعدين وتنفيذِهِ أيضاً حتَّى إنَّه يحتوي على معادلةٍ بسيطةٍ لِحسابِ الرِّبحِ المتوقَّع.
ولا يجِبُ على المبرمِجِين التَّعديلُ على الكود أو إلقاءُ أيَّةِ نظرةٍ عليه؛ إذْ تُوجدُ إضافاتٌ كاملةٌ جاهزةٌ يستطيعونَ تحميلها علَى مخدّماتِ إدارةِ المُحتوى CMS مثل wordpress، وبعدَ قليلٍ منَ التَّعريفِ والإعدادِ للإضافات؛ يستطيعونَ البدءَ بالتَّعدينِ باستخدامِ حواسيبِ المُستخدمِين.
صورةٌ توضِّحُ أحدَ هذهِ الإضافاتِ في موقِع wordpress
وتُبيِّنُ التقديراتُ أنَّ 220 موقعًا من أصلِ أوَّلِ 1000 موقعٍ في العالَم يستخدِمُونَ حواسيبَ زُوَّارِهِم بهذهِ الطَّريقة لِجَنيِ قرابَةَ 43000 دولارٍ في أقلِّ من شهرٍ واحِد.
وقدْ لا يبدو مبلغًا طائلًا بالنّسبةِ إلى شركة؛ لكنْ تبحثُ مواقعُ مشاركةِ الملفَّاتِ بالتَّحديدِ عَنْ طُرقٍ جديدةٍ لإدارةِ أعمالِهم مِنْ أجلِ الدَّعمِ الماليّ، ويُحاولُون جعلَ تعدينِ العملاتِ مصدرَ دخلٍ جديدٍ لهم.
واشتكى زُوَّارُ موقعِ "Pirate Bay" منْ أنَّ معالجاتِ حواسيبِهم تَستهلكُ ما يقاربُ 85% منْ قدرتِها في أثناءِ تصفُّحِهم الموقِع؛ بينَما يستهلكُ المعالجُ 10% فقط منْ أجلِ عملياتٍ عاديَّةٍ أُخرَى، وكانَ ردُّ الموقعِ بأنَّ الاستهلاكَ الكبيرَ لقدرةِ المعالِجِ سببُه خللٌ في النِّظامِ، ونَفت إضافَتهَا حواسيبَ الزّوارِ إلى مجموعاتِ التَّعدين.
صورةٌ توضِّحُ استهلاكَ المعالجِ بعدَ بدءِ عمليَّة التَّعدينِ السِّريَّة على الحاسوب مِنْ قبلِ أحدِ المواقِع.
لماذا يتمثَّلُ الهدفُ في وحدةِ المُعالَجةِ المركزيةِ CPU في حواسيبِ المُستخدِمين؟
لمّا كانت وحدةُ المعالجةِ الغرافيكيَّة GPU تحوي على عددٍ أكبرَ من وحدةِ المنطق والحساب ALU مُقارَنةً بالـ CPU - علماً أنَّ الـ ALU تسمحُ بإنجازِ الأعمالِ الحسابيةِ الضَّخمة - فقد صُمِّمتِ العديدُ من أدواتِ التَّعدينِ الافتراضيةِ للاستفادةِ من هذه الوحدةِ؛ وحدةِ المعالجةِ الغرافيكيةِ GPU، والَّتي تُعرَفُ بِاسمِ "كَرت الشاشةِ" أيضاً.
وإنَّ الـ GPU أقوى في ناحيةِ الحسابِ الرياضيِّ؛ لهذا فإنَّها قد أصبحت شهيرةً بينَ المُعدِّنين، وغدا الطلبُ كبيراً عليها، ممَّا أدَّى إلى نَقصٍ عالميٍّ في كروتِ الشاشةِ القويَّةِ؛ وخصوصاً تلكَ الكروت المُخصَّصةِ للتعدين.
ولكنَّ السؤالَ الذي يجبُ أن نطرحَه هو: لماذا تُستَهدَفُ الـ CPU وليس الـ GPU في حواسيبِ المُستخدِمينَ طالما أنَّ الـ GPU أقوى حسابيًّا؟
لا يستطيعُ المبرمجون الاعتمادَ الكُلّيَّ على كروتِ الشاشةِ؛ إذ يُوجَدُ العديدُ من المُستخدِمينَ الَّذينَ لا يستعملونَها؛ ومُعظمُ الحواسيبِ العادية تَستخدمُ كرتَ شاشةٍ مُدمَجًا أو كرتًا يستهلكُ طاقةً أقلَّ، فضلاً عن كونِه رخيصاً فيكونُ هذا النوعُ بطيئًا جدًّا مُقارنةً بكرتِ الشاشةِ المُنفِصِل - وإنَّ كروتَ الشاشةِ المُدمَجةَ مُصنَّعةٌ داخلَ اللوحةِ الأمِّ للحاسوبِ، في حين أنَّ كرتَ الشاشةِ المُنفصِلَ هو من ضمن الإضافاتِ الاختياريَّةِ على "الهاردوير" ويتطلَّبُ استهلاكَ طاقةٍ أعلى بكثير-، ولهذا السببِ؛ فالتَّعدينُ باستخدامِ الـ CPU أكثرُ شيوعاً، لأنَّ عددَ الضحايا (المستخدمين المستهدفين) أكبرُ.
وعلى أيّةِ حالٍ؛ تُوجَدُ أداةُ تعدينٍ جديدةٌ اسمُها Claymore’s Cryptonight GPU Miner وقد صُمِّمت للاستفادةِ من قوَّةِ كلٍّ من الـ CPU و GPU معًا.
وكمستخدمٍ عاديّ؛ كيفَ تستطيعُ معرفةَ فيمَا إذَا كانَ مُتصفِّحُك يُعدِّنُ بالسِّرِ، وكيفَ تمنعُ هذهِ المواقعَ من استخدامِ حاسوبِك؟
بالطَّبعِ لا أحدَ يُحبُّ أنْ يُشارِكَ حاسوبُه بمجموعاتِ التَّعدينِ دونَ عِلمِه، وخاصَّةً أنّ ذلكَ يبطِّئُ الحاسوبَ ويستهلِكُ قدراتِ المعالج؛ ممَّا يجعلُ القيامَ بأيَّةِ مهمَّةٍ أُخرى تستغرقُ وقتًا طويلًا، ويصاحبُه أيضًا استهلاكٌ كبيرٌ للبطاريَّةِ في حالةِ الحواسيبِ المحمُولة.
ويجبُ توخِّي الحذرَ مِنْ هذهِ المواقعِ الّتي تتضمَّنُ تعدينًا مُشفَّرًا مُضمَّنًا بكودِ الموقعِ البرمجيّ، فإذا كنتَ ترَى حاسوبَك يستهلكُ قدراتِ المعالجِ على نحوٍ هائلٍ ولا يُوجدُ سِوى علامةِ تبويبٍ واحدةٍ فِي المُتصفِّح، وأنتَ لا تفعلُ أيَّ شيءٍ يتطلَّبُ حملًا أو استهلاكًا كبيرًا؛ فَمنَ المُرجَّحِ أنَّ حاسوبَكَ يُعدِّنُ العُملاتِ الرَّقميَّة.
وعلى الرَّغمِ مِن أنَّ برنامجَ "coinhive" يُخبِرُ المبرمجِينَ أنَّه يجبُ عليهِم إعلامُ زُوَّارِ الموقِعِ بأنَّهم يُضافُوا إلى مجموعاتِ التَّعدين؛ لكنَّ المبرمجين - بالطّبعِ - لنْ يُعلِموا أحدًا بأيّ شيء.
ولِحمايةِ حاسوبِك الشّخصيّ قدْ تحتاجُ إلى أداةٍ برمجيَّةٍ تفحصُ كودَ الموقِع في أثناءِ زيارتِه مثلُ البرامجِ الّتي تمنعُ الإعلاناتِ "Ad blockers"، وتستطيعُ البرامجُ المضادة للفيروسات الكشفَ عن التَّعدينِ المُشفَّر أيضًا.
وإنْ كنتَ تستخدمُ "Google Chrome"؛ فتستطيعُ تنصيبَ إضافاتٍ Extension عليه مثل Miner blockers.
إليكُم أمثلةً عن هذه الإضافاتِ في متجرِ الويب الخاصّ بـ Google Chrome :
ويعتقدُ بعضُ المُستخدمِينَ العالميّين أنَّ السَّماحَ للمواقعِ باستخدامِ القليلِ مِنْ قدرةِ معالجِ حاسوبِهم بديلٌ أفضلُ منْ إغراقِهم بالإعلانات !!
ولكنْ مهمَا كانَ الأمر؛ فإنّنا في نهايةِ المطافِ ندفعُ ثمنًا ما - إنْ زوَّدناهُم بمعلوماتِنا الشَّخصيَّة أو أغرقُونا بالإعلانات أو استخدَمُوا حواسيبَنا لمساعدتِهم في التَّعدين - مقابلَ الخدماتِ "المجَّانيَّة" المُقدَّمَة.
المصادر: