البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

مُستقِلًّّا عن النُّطفةِ أو البُويضةِ، جنينٌ يَتَشكَّلُ في المَخبر!

يَصُبُّ كثيرٌ مِن الباحثينَ جلَّ اهتمامِهُم على دراسةِ الاستِنسَاخِ، فقد حقَّقُوا تقدُّمًَا مُهمًّا في الحَقنِ المجهريِّ لِتخصيبِ البُويضاتِ، والذي نجحَ في الوصولِ إلى حَيِّزِ التَّطبيقِ، وساعدَ كثيريْنَ في تحقيقِ حُلُمِ الأُبوَّةِ؛ ولا يزالُ الهَوَسُ بابتكارِ الحياةِ مَخبريًّا مِن أَهمِّ التَّحدِّياتِ.

وقد دَمَجَ الباحثونَ في طَبقِ زَرْعٍ خَلويٍّ نوعَين مختلفَين من الخلايا الجذعيَّةِ الجنينيَّة الفأريَّة، أحدُها يُنسَبُ إلى خطٍّ خَلويٍّ جذعيٍّ من المَشيمَةِ، والآخَرُ جنينيٌّ؛ فتطوَّرَتْ إلى مرحلةٍ مُبكِّرةٍ من الجنينِ، ومِن ثَمَّ نُقِلَتْ إلى الرَّحِمِ؛ فأدّت دورَها في تحريضِ تغيُّراتٍ في الرَّحِمِ مُشابِهةٍ لِتلكَ التي يُحدِثُها جنينٌ بِعُمرِ 3،5 يوم، لكنْ؛ وللأَسفِ؛ لم تُحقِّقْ تَعشيشًا ناجحًا؛ وهنا توقَّفَتِ التَّجربة!

وردًّا على التَّساؤُلِ المَطروحِ عن السَّبَبِ؛ أوضَحَ البروفيسور نيكولاوس ريفرون - من جامعةِ ماستريخت بِهولندا - أنَّ الخَلايا المزروعةَ مُشابِهَةٌ للأَروماتِ الطَّبيعيَّة، والتي تتشكَّلُ عند الثَّديياتِ في غُضونِ أيَّامٍ قليلةٍ بعدَ الإِخصابِ، ولها شكلُ كُرةٍ مُجوَّفَةٍ مُؤلَّفَةٍ من قرابةِ 100 خليَّةٍ، وعندَ تَعشيشِها في الرَّحِمِ تُشكِّلُ خَلايا الأرومةِ الدَّاخليَّةُ الجَنينَ، في حينِ تُشكِّلُ الخَلايا في جدارِ  الأرومة المَشيمةَ، لكنَّ عدمَ اصطفافِ الخلايا على نحوٍ صحيحٍ - والتي في حالِ استمرارِها بالنموّ ستعطي جنينًا مُشوَّهًا - قد منعَ حدوثَ التعشيش.

ونجحَ فريقٌ آخرُ بتحقيقِ تَعشيشٍ ناجِحٍ في رَحِمِ الأُمِّ؛ إذ نمَّوا الخَلايا الجذعيَّةِ المَشيميَّةِ والجَنينيَّةِ بصورةٍ مُنفَصلَةٍ، وفي المرحلةِ التَّاليةِ دُمِجَت المزرعَتَان الخَلَويَّتَان معًا، وأُضيفَتْ عواملُ محرِّضَةٌ على التَّواصُلِ الخَلَويِّ والتَّنسيقِ الذَّاتيِّ، وبعد نقلِ الجنينِ إِلى رَحِمِ الفَأرِ بدأَتِ الخلايا  بالانقسامِ والاندماجِ مع الأَوعيةِ الدَّمويَّةِ لِلأُمِّ.

وقد بدا البروفيسور ريفرون مُتحمِّسًا لِلتَّطبيقاتِ الطبيةِ؛ إذ تُتيحُ التَّجربةُ دراسةَ أسبابِ الإجهاضِ وقِلَّةِ الخُصُوبَةِ. وأضاف أَنَّ أمثلةَ التَّجربةِ والوصولِ إلى كائِنٍ مُتكاملٍ مُتضمِّنًا الجَنينَ وأنسجتَهُ الخارجيَّةِ مِن مَشيمةٍ وكيسٍ مُحِّيٍّ قد تَستغرِقُ ثلاثَ سنواتٍ عند الفئران. ويُشيرُ إلى أنَّ أنسجةَ البَشرِ تَختلِفُ اختلافًا كبيرًا عن أنسجةِ الفئران، وما زال العلماءُ غيرَ قادرين على معرفةِ إذا ما كانَ الرَّحِمُ عند البشرِ سيَستَجيبُ  بالطَّريقةِ السَّابِقَةِ نفسِها.

وحذَّرَ الخُبراءُ من استغلالِ هذه التِّقنيَّةِ لِتخليقِ جنينٍ بشريٍّ وصُولًا إلى إِنتاجِ جُيوشٍ من البشرِ المُستنسَخينَ؛ ولرُبَّما لن يستغرقَ إِسقاطُ التَّجربةِ على خلايا بشريَّةٍ أكثرَ من عقدَين. ولكنَّ البروفيسور ريفرون يَستبعِدُ هذه الاحتمالاتِ مُعلِّلًا أَنَّ التقنيَّةَ غيرُ ملائِمةٍ، فضلًا عن أنَّها تَحتاجُ رَحِمًا حاضِنًا؛ فإِسقاطُ تجارِبَ كَهذه على صعيدِ البشرِ غيرُ مقبولٍ في رأيِهِ أبدًا، وسيخضَعُ لِتساؤلاتٍ قانونيَّةٍ وأخلاقيَّةٍ. وعبَّرَ بوضوحٍ عن موقفِهِ مُردِّدًا: "الاستنساخُ عند البشرِ ممنوعٌ تمامًا".

وقد شارَكَه العديدُ من العلماءِ هذا الموقِفَ أيضاً، وكان ذلك مصدر راحة كبيرة؛ إذ إنَّ هذه التِّقنيَّة لا تزالُ بعيدةَ التَّطبيقِ عند البشرِ.

إِذن؛ ما الذي يُخطِّطُ له العلماءُ بعد تَخليقِ فِئرانٍ بَدءًا من خلاياها الجذعيَّةِ؟

إضافةً إلى ما ذكرناه آنِفًا؛ فدراسةُ الأّجِنَّةِ الفَأريَّةِ مُكلِفةٌ جدًّا؛ ولذلكَ فنَجاحُ هذه التَّجربةِ سيمنَحُنا الفرصةَ للحصولِ على عددٍ لا نهائيٍّ من الأَجِنَّةِ بِتكلِفةٍ مُخفَّضةٍ، والتي يُمكنُ الاستفادةُ منها في تجاربِ الأَدويةِ واختبارات الخُصوبةِ.

ولقد صرَّحَ الطَّبيبُ "دوسكو إليك" من جامعةِ الملكِ في لندن بأنَّها المرَّةُ الأُولى التي يَتوصَّلُ فيها العلماءُ إلى آليَّةٍ جُزيئيَّةٍ فعَّالةٍ في الزَّرْعِ الخَلويِّ في الرَّحِمِ، وأنَّ نتائجَ هذه الدّراسةِ ستفتَحُ آفاقًا مُهمَّةً في دراسةِ حالاتِ العُقمِ وأسبابِه وتطوُّرِ المُقارباتِ المُستَخدمةِ في المساعَدةِ على الإِنجابِ.

ويَتأمَّلُ البروفيسور ريفرون أن يتوصَّلُوا إلى اكتشافاتٍ تُساعِدُهم في فَهمِ الحالاتِ الفيزيولوجيَّةِ المرَضِيَّةِ لدى البالِغين، والتي تَنْتُجُ من عيوبٍ صغيرةٍ في المرحلةِ الجنينيَّة؛ كَداءِ السُّكَّريِّ والأمراضِ القلبيَّةِ الوعائيَّةِ.

المصادر: 

يتضمَّنُ فيديو يَظهرُ فيه البروفيسور ريفرون شخصيًّا ليتحدَّثَ باختصارٍ عن التَّجربة:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

الملخص من مجلة nature

هنا

فيديو، يبدأ بمناقشة التجربة بالدقيقة 02:00

هنا