الغذاء والتغذية > الوزن واللياقة
سلسلة الحمية الكيتونية تحت مجهر العلم -1- تعريفها، وأنواعها، وكيفية تطبيقها
ظهرَت في الآونةِ الأخيرة دعواتٌ كثيرةٌ لاتّباع الحميةِ الكيتونيةِ Ketogenic Diet، وقد تزيّنت تلك الدّعواتُ بادّعاءاتٍ تقولُ بأنّها حميةٌ صحيّةٌ تُساعدُ "بطريقةٍ سحريةٍ" على خسارةِ الوزن سريعاً. فما هي هذه الحميةُ وما الأطعمة التي يجب تناولُها وتجنّبها في هذه الحمية؟ وماذا عن حقيقةِ فوائدِها للجسمِ وسرعةِ خسارة الوزن؟
كل هذا نناقشـهُ وإيّاكم بالأدلّةِ العلميّةِ المستندةِ على الدراسات الموثوقة في سلسلةٍ مقدمةٍ إليكم من فريق "الغذاء والتغذية"، نبدؤُها معكم بالتعريف عن هذه الحمية وأنواعها وكيفية اتّباعها.
ولكنْ، قبل البدء بتقديمِ فكرةٍ حول ماهيّةِ هذه الحمية، علينا أنْ نؤكّد َعلى بعضِ التّساؤُلاتِ التي يجبُ على المرءِ أن يُجيبَ عنها، بغضّ النّظرِ عن أهميةِ خسارةِ الوزن لدى الكثيرين.. ولذلك علينا أن نقرر أوّلًا:
هل يمكننا وصفُ الحميةِ التي نرغبُ باتّباعِها بالحميةِ الصحيّة؟
هل لهذه الحمية أعراضٌ جانبية؟
هل هذه الحميةُ متوازنةٌ وقادرةٌ على تزويدِ الجسم بالأغذية اللازمة؟
هل أقُيمت دراساتٌ طويلةُ الأمد تكفي لمعرفة تأثير هذه الحمية على الصحة؟
هل يمكن لمكوّناتِ هذه الحميةِ أن تُعرّضَ الجسمَ لبعضِ المكوّناتِ الضارّة؟ مثلاً، أطعمةٌ منخفضةُ المحتوى من الكربوهيدرات، لكنّها عاليةُ المحتوى من الدّهون المشبعة غير الصحية..
هل يمكننا الاستمرارُ باتّباعِ هذه الحميةِ لفترةٍ طويلةٍ دون أن تؤثّرَ على صحةِ الجسمِ سلباً؟
هل ستكون خسارةُ الوزنِ خسارةً صحيةً يمكن الحفاظُ عليها؟
ويأتي تركيزُنا على عرضِ جميعِ جوانبِ هذه الحمياتِ، خصوصاً المظلمةِ منها، بسببِ انتشارِ حمّى خسارةِ الوزنِ بسرعةٍ، وقيامِ العديدين من غيرِ الأخصائيّين بالترويجِ للحمياتِ غيرِ الصحية. ومنها حميةُ اليويو Yo-Yo Diet التي ثبت مؤخرًا أنّها غيرُ مجديةٍ وتمتلك آثارًا جانبيةً سيئة، وقد تطرّقنا إليها في مقالٍ سابقٍ يمكنكم قراءتُهُ بالضغط هنا.
وللإجابة عن أسئلتنا حول الحميةِ الكيتونية، نقدّم لكم سلسلةً كاملةً ستكون معينًا لكم في الحكمِ عليها سلبًا أو إيجابًا..
ما هي الحمية الكيتونية:
الحمية الكيتونية Ketogenic Diet أو الحمية الكيتوجينية، والتي يُطلقُ عليها اختصارًا اسم Keto، هي نظامٌ غذائيّ منخفضُ المحتوى من الكربوهيدرات وعالي المحتوى من الدهّونِ، وتتشابهُ في الكثيرِ من جوانبِها مع حمية آتكينز Atkins Diet، والحميةِ منخفضةِ الكربوهيدرات low-carb diet.
تعتمدُ هذه الحمية على الحدّ من تناولِ الكربوهيدرات، وتناولِ بالدهون بدلًا عنها، ومن شأن ذلك أن يُدخِلَ الجسمَ في حالة ٍاستقلابيةٍ تسمى الكيتوزية ketosis، والتي توجّهُ الجسمَ لحرق الدهون في سبيلِ الحصولِ على الطاقة، وذلك عبرَ تحويلِ الدهونِ إلى كيتوناتٍ في الكبد، يمكن أن يستخدِمها الدماغُ كمصدرٍ للطاقة (3، 4). ويمكن للوجباتِ الغذائية الكيتونية أن تُحدِثَ انخفاضاً كبيراً في مستوياتِ السّكر والأنسولين في الدم، ممّا يحفّزُ بدورِهِ زيادةَ الكيتونات في الدم (4، 5، 6، 7، 8، 9).
أنواع الحمية الكيتونية:
تنقسمُ الحميةُ الكيتونيّةُ إلى عدّةِ أنواع، أهمُّها:
• الحمية الكيتونية القياسية (المعيارية) Standard ketogenic diet (SKD): نظامٌ غذائيٌّ منخفضُ الكربوهيدرات، ومُعتدلُ البروتينات، وعالي الدهون. وعادةً ما تحتوي على 75٪ من الدهون و20٪ من البروتين، في حين لا تتجاوزُ الكربوهيدرات 5٪ فقط.
• الحميةُ الكيتونيّةُ عاليةُ البروتين High-protein ketogenic diet: مشابهةٌ لسابقتِها، ولكنّها تتّضمّنُ المزيدَ من البروتينات. وتكونُ النسبُ غالباً 60٪ للدهون، و35٪ للبروتين، و5٪ للكربوهيدرات.
• الحمية الكيتونيّة الدوريّة Cyclical ketogenic diet (CKD): تتضمّن فتراتٍ متناوبةً يُسمح فيها بتناول الكربوهيدرات بنسبةٍ أعلى من النسبِ المسموحةِ عادةً، وعلى سبيلِ المثال 5 أيامٍ من اتّباعِ الحميةِ الكيتونية، يليها يومانِ من الحميةِ مرتفعةِ الكربوهيدرات.
• الحمية الكيتونية الموجّهة Targeted ketogenic diet (TKD): يُسمحُ فيها بإضافةِ الكربوهيدراتِ قبل التدريبات الرياضيّةِ وبعدَها.
يُذكرُ أنّ النوعين الأخيرين يُستخدمان بكثرةٍ من قِبل الرياضيين، وتحديداً من قِبلِ لاعبي كمالُ الأجسام، وذلك لتقليلِ التأثيرِ السّلبي للحمية الكيتونية على العضلات بسبب نقص الكربوهيدرات (وسيُتناول هذا الموضوع بالتفصيلِ في مقال لاحق). علماً أن أكثر أنواعِها دراسةً هي الحميةُ الكيتونية القياسية (المعيارية) Standard ketogenic diet (SKD) - والتي سنتناولها في هذه السلسلة - والحميةُ الكيتونيّةُ عاليةُ البروتين.
أطعمةٌ ممنوعةٌ في الحميةِ الكيتونية:
يجب الحدُّ من أي طعامٍ مرتفعِ المحتوى من الكربوهيدرات، وفيما يأتي لائحةٌ بالأطعمةِ التي يجب تخفيضها أو منعها في الحمية الكيتونية:
• الأطعمةُ السكرية: الصودا، وعصير الفواكه، والعصائر، والكعك، والآيس كريم، والحلوى، إلخ.
• الحبوب أو النّشويات: وتشملُ جميعَ المنتجاتِ المصنوعةِ من القمح والأرزّ والمعكرونة والحبوب.
• الفاكهة: جميعُ الفواكه، باستثناء نسبةٍ صغيرةٍ من التوتيّاتِ، مثل الفراولة.
• الفولُ والبقوليات: كالبازلاء، والفاصولياء، والعدس، والحمص، وغيرِها.
• الخضروات والدّرنات الجذرية: كالبطاطا، والبطاطا الحلوة، والجزر، والجزرُ الأبيض.
• الأصناف الغذاﺋﯾﺔ ﻣﻧﺧﻔﺿﺔُ اﻟدﺳم: إذ تكون هذه المنتجاتُ عادةً منخفضةَ الدهون لكنّها مرتفعةُ المحتوى من الكربوهيدرات، ويُخالفُ ذلك توجّهاتِ هذه الحمية التي تهدفُ إلى رفع المدخولِ من الدّهون.
• بعض التّتبيلات أو الصلصات: إذ يحتوي معظمُها على السكريات والدهون غير الصحية.
• الدهون غير الصحية: وتشملُ الزيوتَ النباتية المصنّعة والمهدرجة، والمايونيز وشبيهاتِها.
• المشروبات الكحولية: تحتوي كمياتٍ كبيرةً من الكربوهيدرات، ويمكن لها بذلك أن تخرجَ الجسمَ من حالةِ الكيتوزية.
• أغذية الحميةِ الخاليةُ من السكر: غالبًا ما تكون هذه الأصنافُ عاليةَ المحتوى من السكريات الكحولية والمحليّاتِ الصناعية والتي يمكن أن تؤثر سلبًا على مستويات الكيتون في بعض الحالات.
الأطعمة المسموحة في الحمية الكيتونية:
تتمحور معظم الوجبات الكيتونية حول الأطعمةِ الآتية:
• اللحوم: كاللحوم الحمراء، وشرائحِ اللّحم، والنقانق، والدجاج، والديك الرومي.
• الأسماكُ الدهنية: مثل سمك السّلمون، والسلّمونِ المرقّط، وسمكِ التونة، والماكريل.
• اﻟﺒﻴﺾ.
• الزّبدةُ والقشدة.
• الأجبان: وخاصةً غير المعالجة مثل الشيدر، والماعز، والجبن الأزرق، والموزاريلا.
• المكسّرات والبذور: كاللّوز، والجوز، وبذورِ الكتّان، وبذورِ اليقطين، وبذورِ التشيا (القصعين).
• الزيوتُ الصحيّة: كزيتِ الزيتون البكر، وزيتِ جوزِ الهند، وزيتِ الأفوكادو.
• ثمارُ الأفوكادو الكاملةُ أو الچواكامولي الطازج.
• الخضارُ قليلةـ الكربوهيدرات: وتشملُ معظمَ الخضرواتِ الخضراء، والطماطم، والبصل، والفليفلة، إلخ.
• التوابل: يمكن استخدامُ الملحِ والفلفلِ والأعشابِ والتوابل الصحيةّ المختلفة.
كيفية اتباع الحمية الكيتونية:
إذا كنت مصرّاً على اتّباع الحمية الكيتونيّةِ بعد قراءةِ كاملِ مقالات سلسلتنا حولها، عليك باتّباع القواعدِ الأساسية الآتية:
• الحدُّ (أو الابتعادُ) عن الكربوهيدرات: يجب فحصُ المُلصقاتِ الغذائيةِ لمعرفةِ محتوى الوجباتِ من الكربوهيدرات، ويجبُ ألّا تتجاوزَ كميّاتُها 30 غراماً في اليومِ الواحد.
• تخزينُ الموادِ الغذائيةِ الأساسيّةِ لاستخدامِها وقتَ الحاجة: ومنها اللحمُ والجبنُ والبيضُ الكامل والمكسّرات والزيوتُ والأفوكادو والأسماكُ الزيتية والقشدة. ستكون هذه الموادُ المكوّنات الأساسيّة في جميع الأطباق المراد تخضيرُها.
• تناول كمياتٍ جيدةً من الخضار: تحتوي الدهون على سعراتٍ حراريّةٍ مرتفعة، لذا يجب التركيزُ على الخضار منخفضةِ الكربوهيدرات في كل وجبة للمساعدةِ على الشعورِ بالشبع وتقليلِ كمياتِ الدهونِ المتناولة.
• التجربة: يـنصحُ بتحربةِ أنواعٍ مختلفةٍ من الوجبات الكيتونية لإيجاد النمطِ الأنسب لكلّ شخص.
• قم ببناءِ خطةٍ واضحةٍ لوجباتك القادمة: إذ يحتملُ أن يكون العثورُ على وجباتٍ منخفضة الكربوهيدرات أمراً عسيراً بعض الشيء.
• قياس التقدم: التقط صورًا متلاحقة، وراقب وزنك كل 3 أو 4 أسابيع. حاول تقليلَ حجم الوجباتِ إذا توقف التقدم.
• تعويض المعادن: تغيّرُ الكيتوزية من توازن السوائلِ والمعادن في الجسم، لذا يُنصحُ بتناول الأطعمةِ المالحة وربما الشوارد أو المغنيزيوم لتعويضِ النقص.
• جرّب تناول المكمّلات: يمكن لبعضِ المكمّلات أن تُعزّزَ عمليةَ توليدِ الكيتونات في الجسم، مما يمكن الاعتمادُ على تناولِ زيتِ جوز الهند بانتظام للهدف ذاتِه.
• لا تضغط على نفسك: يتّصف النظام الغذائي الخاصُ بالحميةِ الكيتونية بكونِهِ غريباً عمّا اعتادهُ الجسم، لذا يُنصح بأخذ الأمور برويّة وعدمُ الضغطِ على الجسم كثيراً.
قد ترغب أيضاً بمراقبةِ مستوياتِ الكيتون في البول أو الدم ، لأنها ستعكسُ لك دقّةَ اتّباعك للحمية، ومدى ملائمةِ كمياتِ الكربوهيدراتِ التي تتناولُها للتوجيهاتِ العامّة المطلوبة لتحقيق الكيتوزية. واستنادًا إلى الأبحاث والدراسات المخبرية الحاليّة، فإن أي زيادةٍ في مستوياتِ الأجسامِ الكيتونيّة عن 0.5-1.0 مللي مولار في اللتر تدلّ على أن الكيتوزية الغذائية كانت كافية (9).
هل يجب عليك أن تجرب الحمية الكيتونية؟
لا يوجدُ نظامٌ غذائي واحدٌ يناسب الجميع، إذ يختلف الأشخاص عن بعضِهم البعض بمعدلّ الاستقلاب والجينات وأنواعِ الجسم وأنماطِ الحياة والتفضيلاتِ الشخصية. ومع ذلك، يمكن للحمية الكيتونيّة أن تكون حلًّا محتملًا لمن يعانون من زيادة الوزن أو خطرِ الإصابةِ بمتلازمةِ التمثيلِ الغذائيّ.
ولكنّ اتّباع هذه الحميةِ قد يكون صعبًا على الأشخاصِ الذين لا يحبّون الأطعمةَ الدّهنيةَ ويفضّلون الأطعمةَ الغنيّةَ بالكربوهيدرات، خصوصًا وأن كمياتِ الكربوهيدراتِ فيها لا تبلغ 50 غراماً. كما يُنصحُ باتباع هذه الحمية على المدى القصير، لأنّ تأثيراتِها طويلةَ الأمدِ ما زالت مجهولةً.
يُذكر أنّ هذه الحميةَ قد لا تكون الخيارَ الأفضلَ للرياضيين أو الأشخاصِ الذين يرغبون ببناءِ كتلةٍ عضليّةٍ كبيرة، ذلك أنّ الكربوهيدراتِ تمتلكُ دورًا أساسيًا في الحفاظِ على العضلات.
ولا بدّ لنا من الإشارةِ إلى احتمال الأصابةِ بأعراض سلبيةٍ عند الانتقالِ إلى الحميةِ الكيتونيّة، وتُعرفُ هذه الأعراضُ غالبًا باسم "إنفلونزا الكيتو keto flu"، وتشمل ضعفَ الطاقةِ والتركيز، وزيادةَ الجوع، ومشاكلَ النوم، والغثيان، وعدمَ الارتياحِ الهضميّ، وسوءَ أداءِ التّمارينِ الرياضية. وبالرّغم من ندرةِ حدوثِها، إلّا أنّها يمكن أن تتسبّب بتوقّف بعضِ الأشخاص عن هذه الحميةِ بعد فترةٍ وجيزة، خصوصًا في ضوء الصعوبةِ التي يلقاها أي شخصٍ في الأسابيعِ القليلةِ الأولى من اتّباعِ أيّ نظامٍ غذائيٍّ جديد.
تابعونا في مزيدٍ من المقالات لتتعرّفوا على معلوماتٍ أكثرَ حول الحميةِ الكيتونية، لنتناولَ بالتتابع تأثيراتِها على خسارة الوزن، والأداءِ الرياضي، إضافةً لبعضِ التأثيراتِ الجانبية الأخرى المحتملة..
المصادر: