الغذاء والتغذية > الوزن واللياقة
سلسلة الحمية الكيتونية تحت مجهر العلم -2- تأثير الحمية الكيتونية على خسارة الوزن
تحدثنا في مقالنا السابق هنا عن تعريف الحمية الكيتونية وأنواعها والأطعمة المسموحة والممنوعة فيها، ونتابع معكم في مقالنا الحالي مع تفاصيل أكثر عن هذه الحمية لنناقش سويًا، وبصورةٍ علمية، تأثيرَها على خسارة الوزن..
تعدّ الحمية الكيتونية وسيلةً فعالة لخسارة الوزن، وذلك وفقاً لما أثبتته عدّة دراسات (6، 7، 8، 9، 10، 11). كذلك توصّلت بعض الأبحاث إلى أن فعاليةِ الحميةِ الكيتونية في تخفيض الوزن كانت أكثر من فعاليةِ النظمِ الغذائية منخفضة الدهون (12، 13، 14، 15)، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى تأثيرِ الحمية الكيتونية في رفعِ نسبةِ الكيتونات المتزايدة، وخفضِ مستوياتِ سكر الدم، وتحسينِ حساسية الخلايا للأنسولين (16، 17، 18، 19، 20، 21).
ويوضّح الرسم البياني الآتي مثالاً للنتائجِ النموذجيةِ لفقدانِ الوزنِ عند اتّباع حميةٍ منخفضةِ الكربوهيدرات وأخرى منخفضة الدهون (22):
ما هي الآليات المحتملة لخسارة الوزن عند اتّباع الحمية الكيتونية؟
هنالك عدّة جوانب محتملة لتعزيز فقدان الوزن بفعل الحمية الكيتونية، نذكرها لكم فيما يأتي:
• تناولُ كمياتٍ أكبر من البروتينات: تتضمن الحمية الكيتونية - حسب توجيهاتِها العامة - زيادةَ الكميةِ المتناولة من البروتينات، ومن المعروفِ أن البروتينات تساعدُ في إنقاص الوزن (23).
محدوديةُ الأطعمة المسموحة: توجد الكربوهيدرات في أعدادٍ هائلةٍ من الأطعمة حولنا، ولذلك فإن الحدّ من تناول الكربوهيدرات يحدّ من خياراتِ الطعام المتاحة لنا، ممّا يمكن أنْ يُقلّلَ بشكلٍ ملحوظٍ من السعرات الحرارية الواردة، والذي يعدّ أمرًا أساسيًا لفقدانِ الدهون (24، 25).
• استحداثُ (أو تخليق) الغلوكوز Gluconeogenesis: وهي عمليةٌٌ يقوم بها الجسم لتحويلِ الدهون والبروتين إلى غلوكوز كمصدرٍ للطاقة، ويمكن لهذه العملية أن تحرق الكثيرَ من السعرات الحرارية الإضافية كل يوم (26، 27).
• قمع الشهية: تساعدُ الوجباتُ الغذائية الكيتونية على تحفيزِ الشعور بالشبع، وينعكس ذلك على تغيّراتٍ إيجابيةٍ في الهرمونات المسؤولةِ عن الجوع والشبع (28)، كهرمون الليبتين Leptin والغريلين Ghrelin.
• تحسين حساسية الأنسولين Insulin sensitivity: يمكن للحميةِ الكيتونيةِ تحسينُ حساسيةِ الأنسولين لدرجةٍ كبير، ممّا يمكن أن يساعد في تحسينِ استخدامِ الطاقة والتمثيل الغذائي (29).
• انخفاضُ تخزينِ الدهون: تشيرُ بعض الأبحاث (30) إلى أن الحميةَ الكيتونيةَ يمكن أن تُقلّلَ من عمليةِ تحويل السكر إلى دهون تُخزّن في النسيج الشحمي Lipogenesis.
• زيادةُ حرقِ الدهون: أشارت الأبحاثُ إلى أن الحميةَ الكيتونيةَ تزيدُ كميةَ الدهونِ المحروقةِ أثناءَ فتراتِ الراحة والنشاطِ اليومي وممارسة الرياضة (31 ، 32).
ما هي الانتقاداتُ الموجّهةُ للحميةِ الكيتونية حول تأثيرِها على الوزن؟
يوجد كمٌّ هائلٌ من الانتقادات التي طالت الحميةَ الكيتونية، وقد تكون فعاليّتها قصيرةُ الأمد واحدةً من أهمِّ هذه الانتقادات، إذ يشكّك بعض المختصّين بفعاليةِ هذه الحمية، ويعتقدون بأنّها لا تعمل إلّا على المدى القصير، خصوصاً وأنّ تأثيراتِها لم تُدرس على المدى الطويل بعد.
يضاف لما سبق أنّ معظم الوزن المفقود في البدايات هو وزنُ الماء فقط، وهو أمرٌ يجهلُهُ الكثيرون، إذ يتحرّرُ الماء المحتجزُ بفعلِ تفكّكِ الغليكوجين فينخفضُ الوزن بسرعةٍ نسبيًا بمجرّد خسارةِ هذا الماء، وذلك وفقًا لما ذكرته Lisa Cimperman، أخصائيةُ التغذية السريرية في المركز الطبي University Hospitals Case Medical Center في كليفلاند بولاية أوهايو، والمتحدثةُ باسم أكاديميةِ التغذية وعلم التغذية The Academy of Nutrition and Dietetics. ويتوافق ذلك مع ما جاءَ في نتائجِ إحدى الدراسات (33) التي أشارَت إلى أن انخفاضَ الوزنِ في المجموعةِ التي اتّبعت الحميةَ الكيتونيّة لا يعني بالضرورةِ أنّ هذه الطريقة أكثر فعاليّةً في إنقاصِ الوزن. خصوصاً وأنّ النتائجَ بيّنت أن النسبةَ الأكبرَ من فقدانِ الوزن كانت ناتجةً عن فقدانِ الماء بدلاً من دهون الجسم، علماً أن وزن الماء يمكن أن يعودَ سريعًا.
وبحسب Cimperman فإنّ دخولَ الجسم في حالة الكيتوزية يتزامنُ مع فقدانِ الكتلةِ العضلية، ممّا يمكن أن يولّدَ شعورًا بالتعب يُفضي بعد فترةٍ معيّنة إلى دخولِ الجسمِ في أعراضٍ تشبهُ المجاعة، فيصبحُ فقدانُ الوزن صعبًا بل ومستعصيًا أحيانًا، وهو ما يمرّ به معظمُ متّبعي هذه الحمية، إذ يتوقّف الوزن عن الانخفاضِ فجأةً دون أي فكرةٍ عن السبب وراءَ ذلك.
من جهةٍ أخرى، وعلى عكسِ ما تراه Cimperman، يعتقد أخصائيّ التغذية الرياضيّة Rudy Mawer أنّ الحميةَ الكيتونيةَ قد لا تسبّب بالضرورةِ فقدانَ العضلات، إلّا أنّها برأيِهِ ليسَت حميةً مثاليةً لشخصٍ يُحاولُ اكتسابَ كتلة عضلية.
كذلك حذّرَ العديدُ من الخبراءِ على ضرورةِ عدمِ اتّباعِ الحميةِ الكيتونيةِ إلّا تحتَ إشرافٍ طبيّ ولفتراتٍ وجيزةٍ فقط، فقد انتشرَت الكثيرُ من الإفاداتِ حول تأثيراتِها الإيجابيةِ على مرضى السرطان، لكنّ ذلك لا يعني بالضرورةِ أنّها ستكون فعّالةً في جميعِ الحالات. فقد أكّدت Francine Blinten، أخصائيةُ التغذيةِ السريرية ومستشارةُ الصحةِ العامة في Old Greenwich، أنّ اقترانَ العلاجِ الكيميائيّ مع الحميةِ الكيتونيةِ قد ساعدَ في تقليصِ الأورام لدى مرضى السرطان، والحدّ من النوباتِ بين المرضى الذين يُعانون من الصرع، لكنّ اتّباعَ الحميةِ الكيتونيّةِ من قبل الأشخاص العاديين (غيرِ المرضى) يجبُ أن يكون مدروساً بدقّة، خوفًا من احتمالِ التسبّبِ بضررٍ لعضلةِ القلب، وتدهورِ الحالةِ الصحيّةِ للأشخاص الذين يعانون من مشاكلَ كامنةٍ في الكبد والكلى.
من جهةٍ أخرى، أوضحَت Blinten أن الأشخاص المصابين بالنوعِ الثاني من السكري يمكن أن يستفيدوا من فقدانِ الوزن عند اتّباعِ نظامٍ غذائيّ منخفضِ الكربوهيدرات، لأنّهُ يُحسّنُ من حساسيةِ الأنسولين كما ذُكر سابقاً.
وأكّدت على عدمِ وجود طرائقَ سحريةٍ لفقدانِ الوزن، بل يعتمدُ الأمر على اختيارِ الأسلوب الصحيح للسّيطرةِ على الوزن على المدى الطويل عبرَ اتّباعِ نظامٍ غذائيّ متوازنٍ يَرتكزُ على الفاكهةِ والخضرواتِ والحبوبِ الكاملة والبقوليّاتِ والسمكِ وزيت الزيتونِ، وبمعنى آخر، فإن الحميةَ المتوسطية Mediterranean diet هي أكثرَ أنماطِ الحمياتِ التي يمكن اتّباعُها مدى الحياة. ويجب أن يقترنَ ذلك بالرياضةِ المنتظمةِ، مع الابتعادِ عن مجلّاتِ الموضةِ التي تولّد شعورًا سلبيًا وتروّج لحمياتٍ غيرِ مدروسة، خصوصًا بين صفوفِ المراهقين، وذلك حسب Melinda Hemmelgarn، أخصائيةُ تغذيةٍ مسجلة في كولومبيا، ميزوري، ومضيفة برنامج the Food Sleuth radio show.
يُذكر أخيراً أنّ تقليلَ الكربوهيدرات أمرٌ ضروريّ ومفيدٌ في أي نظامٍ يهدفُ إلى فقدانِ الوزن، لكنّ التطرّف في اتّباعِ أنظمةٍ كالحميةِ الكيتونية أمرٌ غيرُ محمودِ العواقب، ولذلك يُنصحُ باتّباعِ الأنظمةِ الحاويةِ على الكربوهيدرات عاليةِ الجودة والغنيةِ بالأليافِ والنشويات المقاوِمَة، مثل الخضارِ والبقوليّاتِ والحبوبِ الكاملة التي تدعم فقدانَ الوزن وتقّلُل عواملَ خطرِ الإصابةِ بمتلازمةِ التمثيلِ الغذائيّ.
المصدر: