الغذاء والتغذية > الوزن واللياقة
سلسلةُ الحميةِ الكيتونيَّة تحت مجهرِ العِلم -3- تأثيرُ الحميةِ الكيتونيَّة على الأداءِ الرياضي
تحدّثنا في مقالاتنا السّابقةِ عن تعريفِ الحميةِ الكيتونيّةِ وأنواعِها وتفاصيلِ الأطعمةِ المسموحةِ والممنوعةِ فيها هنا ثمّ تابعنا وإيّاكم الغوصَ في تأثيراتِها على الجسمِ، فبدأنا بدورِها في خسارةِ الوزن هنا ونكمل سلسلَتَنا معكم في مقال اليوم حولَ تأثيرِها على الأداء الرياضيّ.. فتابعونا..
ما أهميةُ الكربوهيدرات لنموِّ العضلات؟
لا بُدَّ من فهم أهمية الكربوهيدرات للعضلات قبل التمكُّنِ من استيعابِ قلقِ المختصِّينَ من التأثيرِ السَّلبيِّ للحميةِ الكيتونيَّةِ على الأداءِ الرياضيِّ وتشكُّلِ العضلات. فإلى الآن، لم يُثبِت أي بحثٍ أنَّ الوجباتِ الغذائيَّةِ منخفضةِ الكربوهيدرات أو الوجباتِ الكيتونيَّةِ هي الأفضلُ للرِّياضاتِ ذاتِ الكثافةِ العاليةِ أو تمارين القوَّة، وهذا لأنَّ الكربوهيدراتِ تساعدُ على نموِّ العضلاتِ وأداءِ التمارينِ عاليةِ الكثافةِ بطرائقَ عدَّة:
• تعزيزُ الاستشفاء Recovery: قد تساعد الكربوهيدرات في الاستشفاء بعد التمرين (4).
• إنتاجُ الأنسولين: وتحفِّز الكربوهيدرات إنتاجَ الأنسولين، مما يساعدُ على توصيلِ المواد الغذائيَّة وامتصاصها (5).
• توفيرُ الوقود: تؤدّي الكربوهيدرات دورًا مهمًا في أنظمةِ الطَّاقةِ اللاهوائيَّةِ وتُعدُّ مصادر الوقودِ الأساسيَّةِ لممارسةِ الرِّياضات ذاتِ الكثافة العالية (6).
• الحدُّ من انهيار العضلات: تُساعد الكربوهيدرات والأنسولين على تقليلِ انهيارِ العضلات، مما يُحسِّن من توازنِ البروتين الصَّافي (7 ، 8).
• تحسينُ النَّقل العصبيِّ: فتحسّنُ الكربوهيدرات من عملية النَّقل العصبي، ومقاومةِ التَّعبِ والتركيزِ الذهنيِّ أثناء التمرين (9).
وعلى الرّغمِ من ذلك، فهذا لا يعني أنَّ النِّظام الغذائيَّ الخاصَّ بك يجب أن يكون ذا محتوى عالٍ جدًا من الكربوهيدرات، فقد تكونُ الحميةُ المعتدلةُ الكربوهيدرات كافيةٌ لمعظم الرِّياضات. وفي الواقع، يبدو أنَّ النظامَ الغذائيَّ المعتدلَ الكربوهيدرات والعالي بالبروتين هو الأمثلُ لنموِّ العضلات (10).
ويمكن تقسيم تأثير الحمية الكيتونية أو الحمية منخفضة الكربوهيدرات على الأداء الرياضي إلى ثلاثة أقسام:
الحمية منخفضة الكربوهيدرات وحرق الدهون:
في النظامِ الغذائيِّ منخفض الكربوهيدرات أو الحمية الكيتونية، يصبحُ الجسمُ أكثَر كفاءةً في استخدام الدهون كوقودٍ بسبب قَّلة الكربوهيدرات، وهي عمليةٌ تعرف باسم التكيُّف مع الدهون fat adaptation، فالانخفاضُ الحادُّ في الكربوهيدرات يسببُ ارتفاعًا في الكيتونات، والتي تُنتجُ في الكبد من الأحماض الدهنية (13).
يمكن أن تُوفر الكيتونات الطاقَة في غيابِ الكربوهيدرات، ويحدثُ هذا خلال فتراتِ الصّيام الطويلة (الصيامُ الكامل وهو مختلفٌ عن الصيام الديني)، وأثناءَ فتراتِ التمارينِ الطويلةِ والشَّاقةِ أو لِمَن يُعاني من مرضِ السكري من النوع الأول غيرِ المُتحكَّم فيه (14، 15، 16). والدماغ أيضًا والذي يُعدُّ الغلوكوز غذاءَهُ الرئيسي فيمكنُ تغذيته جزئيًا بالكيتونات (17). وتتوفّرُ الطاقة المتبقية عن طريق عملية تخليق الغلوكوز gluconeogenesis، وهي عملية يُحطّم الجسمُ فيها الدهونَ والبروتينات، ويحوّلها إلى الكربوهيدرات (الجلوكوز) (17).
يُمكنُ للتكيّفِ مع الدهون أن يكون قويًا جدًا، وقد وجدَت دراسةٌ أُجريت على رياضيي التحمّلِ الشديِد أنَّ المجموعة المتّبعةَ للحميِة الكيتونيِة قد أحرقت ما يصل إلى 2.3 ضعفًا من الدهونِ في جلسةِ تمرينٍ لمدَّةِ 3 ساعات (18).
وعلى الرغمِ مما سبَق فلا يزالُ هناك جدلٌ مستمرٌ عن كيفيةِ تأثيرِ هذه الأنظمةِ الغذائيةِ على أداءِ التمارين الرياضيِة (19، 20).
الحميةُ منخفضةُ الكربوهيدرات وغليكوجين العضلات:
تتفككّ الكربوهيدرات المستخدمة كمصدرٍ للطاقة إلى الغلوكوز، فيتحرَّرُ في الدم ويوفِّر الوقودَ الرئيسيَّ لممارسة الرياضات المعتدلة وعالية الكثافة (21). ولعدة عقود، أظهرت الأبحاث مرارًا أنَّ تناول الكربوهيدرات يمكن له أن يساعدَ في أداء التمارين الرياضية، وخاصةً تمارين التحمل (22).
والمؤسِف أنَّ الجسم البشري يستطيعُ تخزين كربوهيدرات (الغليكوجين) كافيةٍ لساعتين فقط من ممارسةِ الرياضة، وبعد هذا الوقت قد يحدثُ التعبُ والإجهادُ وانخفاض الأداءِ والتحمّلِ بسبب نقص الطاقة، وهذا معروف باسم "الإصطدام" "Hitting the Wall" أو "bonking" (23 ، 24 ، 25). ولمواجهةِ هذا فإن معظم الرياضيين الذين يمارسونَ الرياضات الشديدةَ يتبعون حميةً عاليةَ الكربوهيدرات.
ولا تحتوي النُّظمُ الغذائيةُ منخفضةُ الكربوهيدراتِ كالحمية الكيتونيةِ على الكثيرِ من الكربوهيدرات، ومن ثمَّ فلا تساعدُ في تحسينِ احتياطيات الغليكوجين المخزَّن في العضلات بل تسبِّب استهلاكَه جزئيًا أو كليًا بعد استنفاذ غليكوجين الكبد.
الحميةُ منخفضةُ الكربوهيدرات والتحمّلِ الرياضي:
أثناءَ التمرين فإنَّ نوعيةَ الوقود تختلف حسب شدَّته، فبينما توفِّر الدهونُ مزيدًا من الطاقةِ التي تتحرر بسرعةٍ بطيئةٍ عند التمارين ذات الشدّات القليلة، فإنَّ الكربوهيدرات توفّرُ كمياتٍ أكبر من الطاقة التي تتحرر بسرعةٍ كبيرةٍ للتمارين الأكثر شدة، ويُعرف هذا بـ "تأثير التبادل crossover effect".
وفي الآونةِ الأخيرة، أرادَ الباحثون معرفَة ما إذا كان النِّظامُ الغذائيُّ منخفضَ الكربوهيدراتِ يمكن أن يغيِّرَ هذا التأثير (19 ، 20). وقد وَجدت الدِّراساتُ أنَّ الرياضيينَ المتّبعينَ للحميةِ الكيتونية يحرقون معظم الدهون بنسبةٍ تصل إلى 70٪ من الحدِّ الأقصى، مقابل 55٪ فقط لدى الرياضيينَ ذوي حمياتِ الكربوهيدراتِ العالية، ولكن على الّرغم من هذه النتائج الإيجابيَّةَ قد تكون الدهون غير قادرةٍ على إنتاجِ الطّاقة بسرعةٍ كافيةٍ لتلبيةِ متطلَّباتِ عضلاتِ الرياضيين عند التمرينِ الشَّديد (26 ، 27 ، 28). ولذلك هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من البحوثِ قبل تقديمِ أيّة توصياتٍ حازمةٍ باتّباعِ الحميةِ الكيتونيةِ من قبل الرياضيين.
ما هي الانتقاداتُ الموجّهةُ للحميةِ الكيتونية حول تأثيرِها على الوزن؟
فكما ذكرنا سابقًا، يوجد كمٌّ هائلٌ من الانتقاداتِ التي طالَتِ الحميةَ الكيتونية، وقد تكونُ فعاليّتها قصيرةُ الأمدِ إحدى أهمِّ هذه الانتقادات، إذ يشكّكُ بعض المختصّينَ بفعاليةِ هذه الحمية، ويعتقدونَ أنَّها لا تعملُ إلّا على المدى القصير، خصوصاً وأنَّ تأثيراتِها لم تُدرس على المدى الطويلِ بعد.
ويُضافُ لما سبق أنَّ معظم الوزنِ المفقودِ في البدايات هو وزنُ الماء فقط، وهو أمرٌ يجهلُهُ الكثيرون، إذ يتحرّرُ الماء المحتجزُ بفعلِ تفكّكِ الغليكوجين فينخفضُ الوزنُ بسرعةٍ نسبيًا بمجرّد خسارةِ هذا الماء، وذلك وفقًا لما ذكرته Lisa Cimperman، أخصائيةُ التغذية السريرية في المركز الطبي University Hospitals Case Medical Center في كليفلاند بولاية أوهايو، والمتحدثةُ باسم أكاديميةِ التغذية وعلم التغذية The Academy of Nutrition and Dietetics. ويتوافَقُ ذلك مع ما جاءَ في نتائجِ إحدى الدراسات (29) والتي أشارَت إلى أنَّ انخفاضَ الوزنِ في المجموعةِ التي اتّبعت الحميةَ الكيتونيّة لا يعني بالضرورةِ أنَّ هذه الطريقةَ أكرثر فعاليّةً في إنقاصِ الوزن، خصوصًا وأنَّ النتائجَ قد بيّنت أنَّ النسبةَ الأكبرَ من فقدانِ الوزن كانت ناتجةً عن فقدانِ الماء بدلًا من دهونِ الجسم، علمًا أنَّ وزنَ الماءِ يمكن أن يعودَ سريعًا.
وبحسبِ Cimperman فإنّ دخولَ الجسمِ في حالةِ الكيتوزية يتزامنُ مع فقدانِ الكتلةِ العضلية، ممّا يمكنُ أن يولِّدَ شعورًا بالتعب يُفضي بعد فترةٍ معيّنة إلى دخولِ الجسمِ في أعراضٍ تشبهُ المجاعة، فيصبحُ فقدانُ الوزن صعبًا بل ومستعصيًا أحيانًا، وهو ما يمرّ به معظمُ متّبعي هذه الحمية، إذ يتوقّفُ الوزنُ عن الانخفاضِ فجأةً دون أدنى فكرةٍ عن السبب وراءَ ذلك.
من جهةٍ أخرى، وعلى عكسِ ما تراه Cimperman، يَعتقدُ أخصائيّ التغذية الرياضيّة Rudy Mawer أنّ الحميةَ الكيتونيةَ قد لا تسبّب بالضرورةِ فقدانَ العضلات، إلّا أنّها برأيِهِ ليسَت حميةً مثاليةً لشخصٍ يُحاولُ اكتسابَ كتلةٍ عضلية.
كذلك حذّرَ العديدُ من الخُبراءِ على ضرورةِ عدمِ اتّباعِ الحميةِ الكيتونيةِ إلّا تحتَ إشرافٍ طبيّ ولفتراتٍ وجيزةٍ فقط، فقد انتشرَت الكثيرُ من الإفاداتِ حول تأثيراتِها الإيجابيةِ على مرضى السرطان، لكنّ ذلك لا يعني بالضرورةِ أنّها ستكون فعّالةً في جميعِ الحالات. فقد أكّدت Francine Blinten، أخصائيةُ التغذيةِ السريرية ومستشارةُ الصحةِ العامة في Old Greenwich، أنّ اقترانَ العلاجِ الكيميائيّ مع الحميةِ الكيتونيةِ قد ساعدَ في تقليصِ الأورامِ لدى مرضى السرطان، والحدّ من النوباتِ بين المرضى الذين يُعانون من الصرع، لكنّ اتّباعَ الحميةِ الكيتونيّةِ من قبل الأشخاص العاديين (غيرِ المرضى) يجبُ أن يكون مدروسًا بدِقّة، خوفًا من احتمالِ التسبّبِ بضررٍ لعضلةِ القلب، وتدهورِ الحالةِ الصحيّةِ للأشخاص الذين يعانون من مشاكلَ كامنةٍ في الكبد والكلى.
من جهةٍ أخرى، أوضحَت Blinten أن الأشخاص المصابين بالنوعِ الثاني من السكري يمكن لهم الاستفادةَ من فقدانِ الوزنِ عند اتّباعِ نظامٍ غذائيّ منخفضِ الكربوهيدرات، لأنّهُ يُحسّنُ من حساسيةِ الأنسولين كما ذُكر سابقًا، وأكّدت على عدمِ وجود طرائقَ سحريةٍ لفقدانِ الوزن بل؛ يعتمدُ الأمر على اختيارِ الأسلوبِ الصحيحِ للسّيطرةِ على الوزنِ على المدى الطويِل عبرَ اتّباعِ نظامٍ غذائيّ متوازنٍ يَرتكزُ على الفاكهةِ والخضراواتِ والحبوبِ الكاملة والبقوليّاتِ والسمكِ وزيتِ الزيتونِ، وبمعنى آخر؛ فإن الحميةَ المتوسطيَّة Mediterranean diet هي أكثرُ أنماطِ الحمياتِ التي يمكن اتّباعُها مدى الحياة، ويجب أن يقترنَ ذلك بالرياضةِ المنتظمةِ مع الابتعادِ عن مجلّاتِ الموضةِ التي تولّد شعورًا سلبيًا وتروّج لحمياتٍ غيرِ مدروسة، خصوصًا بين صفوفِ المراهقين، وذلك حسب Melinda Hemmelgarn، أخصائيةُ تغذيةٍ مسجلة في كولومبيا، ميزوري، ومضيفة برنامج the Food Sleuth radio show.
وقد بحثَت العديدُ من الدِّراسات في آثارِ النِّظامِ الغذائيِّ منخفض الكربوهيدرات على رياضاتِ التَّحمل ذاتِ الكثافةِ العالية، وعلى الرّغم من ذلك فقد قدموا نتائج مختلطة؛ إذ وجدَت دراسةٌ واحدةٌ أنَّه لا فرق بين رياضيي المجموعات الكيتونية ورياضيي المجموعاتِ عاليةِ الكربوهيدرات في السباقاتِ عاليةِ الكثافة، وأنَّ المجموعة الكيتونية لم تتعب بعد ركوبِ الدراجاتِ عند تطبيقها بكثافةٍ منخفضة، وهذا على الأرجح بسبب استخدامِ الجسمِ للدهون أكثر كمصدرٍ للوقود (11). وعلى الرغم من ذلك فإنَّ هذه النتائج أقلّ أهميةً بالنسبة للرياضيين الذين يمارسون تمرينًا عاليَ الكثافِة أو تمارين رياضيةٍ تقلُّ مدّتها عن ساعتين.
ووَجدَت بعض الدراسات أنَّ الاستجابةَ الفرديةَ قد تختلف أيضًا، فعلى سبيل المثال؛ وَجدَت إحدى الدراساتِ أنَّ بعض الرياضيين حققوا أداءً أفضلَ في التَّحمل عند اتباعِ الحميةِ الكيتونية، في حين شهدَ آخرونَ انخفاضًا حادًا (12).
وفي الوقت الحالي، لا يُظهرُ البحثُ أنَّ اتباع النظامَ الغذائيَّ المنخفضَ الكربوهيدرات أو الحميةِ الكيتونية يمكن أن يحسِّنَ الأداءَ الرياضيَّ عالي الكثافة مقارنةً بالنظامِ الغذائيِّ العالي الكربوهيدرات.
المصادر والدراسات المرجعية: