الطب > مقالات طبية
نمطُ الحياةِ الخَمول ومخاطرُه (الجزءُ الأوَّل)
يعلمُ معظمُنا التأثيراتِ الضارةَ للتدخينِ والكحول والطعام غير الصحي؛ فنحاولُ جاهدين اجتنابَ كلٍّ منها، ولكن قد نجهل مدى خطورة الجلوسِ المديد وقلةِ النشاط الجسدي، فنحنُ نمضي ساعاتٍ طويلةً ملتصقين بالكرسي: في المكتب، وحينَ نتناولُ وجباتِنا، وأمام التلفاز، وفي المقاهي والمطاعم، وفي أثناء قيادة السيارة، بل نحضُرُ دروسَنا جالسين على مقاعدِ المدرجات والصفوف، ثم نُمضي المساءَ مستلقين على الأريكة والجوَّالُ في أيدينا؛ فتكاد حياتنا تخلو من أيّ نشاط بدنيٍّ. وقد ذكرت إحصائياتُ منظمة الصحة العالمية أنَّ ١ من بين كلِّ ٤ بالغين لا يمارسُ النشاط الجسدي ممارسةً كافيةً، وأنَّ أكثرَ من ٨٠% من المراهقين في العالم ليسوا نشيطين كفايةً!
ولكن؛ ما نمطُ الحياةِ الخَمول أو قليلِ النشاط sedentary lifestyle؟
هو نمطُ الحياة المليءُ بالجلوس والاستلقاء مع القليلِ من النشاط البدني أو بغيابِه تمامًا، فحسب منظمة الصحة العالمية؛ يُتَّهَمُ الخمولُ - أو عدمُ كفاية النشاط البدني - بكونِه عاملَ خطرٍ رئيسًا في الموت في أنحاء العالم، فضلًا عن أنَّه عاملُ خطرٍ أوَّليٌ في الأمراضِ المُزمِنة كالأمراض القلبية الوعائية والسرطان والسكري. وصُرِّح في دراسةٍ أجراها باحثون في أستراليا أنَّ كلَّ ساعة يمضيها الشخص في مشاهدة التلفاز ترفعُ احتمال الموت لأسبابٍ قلبية وعائية بنسبة ١٨%.
ولكن؛ يجب التفريق بين النشاط الجسدي والتمرين؛ أمّا الأوَّلُ فهو النشاط الذي نؤدّيه في حياتنا اليومية وفي العمل كالانتقال من مكان إلى مكان أو توصيلِ شيءٍ ما مثلاً، ويُستفادُ منه عندما يكون متوسِّطًا إلى عالي الشدّة (إذ سنتكلم عن قدرِ النشاط الفيزيائي الموصى به فيما بعد)، وأمَّا الثاني فهو النشاطُ الذي يهدف إلى الحفاظ على اللياقة البدنية و يمارَسُ على نحوٍ متكرٍّر بناءً على برنامج معين.
إذاً؛ ما الأمراضُ التي يزيدُ نمطُ الحياة الخَمول من خطرِ الإصابة بها؟
اتّباعُ هذا النمط من الحياةِ يؤثِّرُ في وظائفِ الجسم المختلفة، كالاستقلاب والإفراز الغُدّي والتروية الدموية والجهاز المناعي والعظام والعضلات، ممَّا يؤدّي إلى العديد من الأمراض المُزمِنة ومنها:
- ضمور عضلاتِ الطرفِ السفلي والعضلات الأَلْيوية: إذ تؤدّي قلة نشاطها إلى تحللها وضعف وظيفتها التقلُّصية، وتجبُ الإشارةُ إلى أهمية هذه العضلات في المشي ودعم وضعية الجسم، فتصبح إصاباتُ السقوط والرَّضّ أكثرَ شيوعاً عند ضمور هذه العضلات.
- البدانة: إذ تَنقص الحريرات المحروقة ويُصبح استقلابُ السكريات والدسم أقلَّ فعالية، فتُخْتَزَن في الجسم على شكل دهون، فضلًا عن أنَّ قلة النشاط تزيدُ من الإصابةِ بالمتلازمة الاستقلابية وارتفاع شحوم الدم.
-آلام الظهر: يزيدُ الجلوس ساعاتٍ طويلةً مشكلاتِ العمود الفقري، خاصَّةً إذا كانت وضعيةُ الجلوس غير صحية، فيؤدّي ذلك إلى انضغاطِ فقرات العمود الفقري وتنكُّسها باكرًا.
-السرطان: مثل سرطانات الكولون وسرطان الثدي وسرطان الرحم، لكن ما يزال السببُ غيرَ معروف أو غير واضحٍ حتى الآن.
- السكري: وجدت الدراسات أنَّ مقاومةَ أنسجةِ الجسم الأنسولينَ تزداد مع الاستلقاء المديد، ممَّا يزيد تركيز سكَّرِ الدم عن الحد الطبيعي، ووجدت أنَّ خطر الإصابة بالسكري يرتفعُ بنسبة ١١٢% عند الأشخاص الذين يمضون وقتًا طويلًا في وضعية الجلوس أيضًا.
- خُثار وريدي عميق: وهو تشكُّلُ خثرة في أوردة الطرف السفلي بسبب الركودة الدموية الناجمة عن الجلوسِ الطويل وقلةِ الحركة، كما في السفر مدَّةً طويلةً. وهي حالة إسعافية قد تُسبِّبُ اختلاطاتٍ شديدة أو قد تسببُ الموت! إذ تُطلِقُ هذه الخثرةُ أجزاءً منها لتنتقلَ عبر الجريان الدموي، ولتستقرَّ في أماكنَ أخرى من الجسم، فتنقطع الترويةُ الدموية عن الأعضاء المختلفة كما يحدث في الرّئتين، وهذا ما يُعرف بالصِّمَّة الرئوية.
- الأمراض الوعائية القلبية: أجريت دراسةٌ على ٧٧٤٤ رجل بين عمر الـ ٢٠- ٨٩ سنةً كانوا في بداية الدراسة خالين من أيّ أمراض قلبية وعائية، وأمضوا وقتهم في مشاهدة التلفاز وقيادة السيارة، وقد أظهرت أنَّ ٣٣٧ وفاة بسببِ مرض قلبي وعائي حدثت في الـ ٢١ سنة اللاحقة. وأمّا في الرجالِ الذين أمضوا أكثر من ١٠ ساعاتٍ في الأسبوع في قيادة السيارة أو أكثر من ٢٣ ساعة في الأسبوع بمشاهدة التلفاز وقيادة السيارة معاً؛ فقد شُهِدَ ارتفاعٌ في خطر الموت بسببٍ قلبي وعائي بنسبة ٨٢% و ٦٢% مقارنة بالذين أمضوا أقل من ٤ ساعات و أقل من ١١ ساعة في الأسبوع في فعل ذلك.
التوتُّر والاكتئاب: يزداد خطر الإصابة بهما عندَ الأشخاص الخَمولين، لكنَّ الآليةَ ما تزالُ مجهولةً، وقد تُعزَى هذه الزيادة إلى فُقدانِ فرصةِ كسبِ فوائد النشاط البدني.
المصادر: