البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات
التَّعاطفُ وعلاقتُه بالجينات.
التَّعاطفُ Empathy هو القُدرةُ على تحديدِ أفكارِ الآخرين ومشاعرهم ورغباتِهم ونواياهم؛ وهذا ما يُدعى بالتّعاطفِ المعرفيِّ، أمَّا التَّعاطفُ الحسّي فهو الاستجابةُ المُناسبة لحالةِ الآخرينَ العقليّة والنّفسية.
منذُ خمسين عامًا طوَّرَ الباحثونَ في جامعةِ كامبريدج - البروفيسور سيمون بارون- كوهن Professor Simon Baron-Cohen، والأستاذة سالي ويل رايت Dr. Sally Wheelwright - ما يُعرفُ بنسبةِ التَّعاطف Empathy Quotient (EQ) التي تُحدَّدُ عن طريق استبيانٍ ذاتيّ؛ إذ يُجيبُ الشّخصُ فيه عن مجموعةٍ من الأسئلة، ويضمُّ الاستبيانُ 60 سؤالًا؛ 40 منها تقيسُ التَّعاطفَ وتحملُ القيمةََ 2 أو 1 أو 0، و20 منها أسئلة مكمّلة، أو تُدعى control، ويُحسَب مجموعُ القيمِ النّاتجةِ عن كل سؤالٍ ليُعطي في النّهاية قيمةً محدَّدةً تعبّرُ عن نسبةِ التَّعاطف عند الشخص.
أظهرَ البحثُ السّابقُ أنَّ بعضَ الأشخاصِ أَكثرُ تَعاطُفًا من الآخرين، ووسطيًّا؛ تعدُّ النّساءُ أكثر تَعاطفًا من الرّجال، وأشارَ البحثُ إلى انخفاضِ نسبةِ التّعاطف عند المُصابين بالتَّوحُّدِ؛ بسببِ انخفاضِ قدرتهم على التّعاطفِ المَعرفيِّ على الرَّغم من قدرتهم على التَّعاطف الحسي.
أجرَت الأبحاثُ الحديثةُ دراسةً جينيّةً لعيِّناتِ اللُّعابِ المأخوذةِ من 46،861 مُشترِكٍ بعد إكمالِهم اختبارَ نسبةِ التَّعاطف EQ، فأظهرت هذه الدّراسةُ الحديثةُ ثلاث نتائج مُهمَّة:
1. وجدت الدّراسةُ أنَّ نسبةََ التَّعاطف لدينا مرتبطةٌ جزئيًّا بالجينات؛ إذ يعود عُشر اختلافاتِ التَّعاطف بين الأشخاص إلى العواملِ الجينيّة.
2. أكّدت الدّراسةُ أنَّ النساءَ وسطيًّا أكثرُ تعاطفًا من الرِّجال، ولكن؛ لا يعتمدُ هذا الاختلافُ على الجينات، بل لا يوجد أيُّ اختلافٍ في الجيناتِ التي تتحكَّمُ بالتَّعاطف بين الرجال والنساء؛ وهذا يشيرُ إلى أنَّ اختلافَ التَّعاطفِ بين الجنسَين عائدٌ إلى تأثير الأسبابِ البيولوجيّة الأُخرى غيرِ الجينيّة؛ كتأثيرِ هرمونات ما قبل الولادة، أو الأسبابِ غير البيولوجيّة؛ كالتّنشئةِ الاجتماعية.
3. وجدت الدّراسةُ أنَّ التّغيّراتِ الجينيّة مرتبطةٌ بانخفاضِ نسبةِ التَّعاطفِ، وبارتفاعِ احتمالِ الإصابةِ بالتَّوحُّد.
ويقول البروفيسور بارون- كوهن عن فوائد هذه الدّراسة: "إنَّ اكتشافَنا بأنَّ جزءًا من تعاطُفنا مع الآخرين يعتمدُ على الجينات يُساعدُ على فهم الناس بعُمقٍ، وخاصّةً أولئك المصابينَ بالتَّوحُّد، والذين يَصعبُ عليهم تخيُّلُ أفكار الأخرين ومشاعرهم".
ويقول أيضًا: "يفتحُ هذا البحثُ المجالَ لدراسةِ إعاقةٍ جديدةٍ لا تقلُّ أهميةً عن الإعاقاتِ الأُخرى؛ كعُسرِ القراءةِ أو ضعفِ البصر، ويجبُ علينا أن ندعمَ الأشخاصَ ذوي الإعاقاتِ بطرائقَ تعليمٍ حديثةٍ بالإضافة إلى تعديلاتٍ حياتيّةٍ أُخرى تعملُ على تحسين انخراطِهم في المجتمع".
ومن جهةٍ أُخرى؛ أشارَ العديدُ من الباحثين المشاركين إلى ضرورة الانتباه إلى أنَّ عُشرَ الاختلافات بين الأفراد يعودُ إلى العوامل الجينيَّة، فإنَّ دراسةََ العوامل الأُخرى - التي تعودُ إليها 90% من الاختلافات - لا يقلُّ أهميةً عن دراسة العوامل الجينيّة، وخاصّةً عندما نهدفُ إلى فهمٍ أعمقٍ للحالاتِ الطبية كالتَّوحُّدِ وغيرِها، وإيجادِ طرائقَ جديدة لتحسين تنشئتهم الاجتماعية، ولم يُحدِّدِ البحثُ الجيناتِ التي تتحكَّمُ بهذه الاختلافات بدقَّةٍ.
ويشيرُ المشاركون إلى ضرورةِ إكمالِ هذا البحث، ودعمِه بدراساتٍ مستقبليّةٍ تعتمدُ على عددٍ أكبر من العيّنات، ثمَّ تطبيق البحثِ عليها لتأكيد هذه النَّتائج والتَّوصُّلِ إلى نتائجَ أُخرى في هذا المجال.
المصدر: