علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
الكراهية. ثمّ لم ينجُ منها أحد! الجزء الأول
وأنتَ مُلقىً على سريرٍ في مشفىً بعدَ تعرّضِك لأذىً تسبّبَ به شخصٌ ما عمداً، أيُّهما سيغلبُ: أشعورُك بالألمِ أم رغبتُك في بمعرفةِ هذا الشخصِ لتنقضَّ عليه وتفعلَ به ما فعلَه بك؟
نعم؛ ستسيطرُ عليكَ مجموعةٌ من المشاعرِ؛ قد تكونُ مزيجاً من الغضب، الاستياء، أو الإحساسِ بعدمِ الأمانِ والكرهِ الشديد. وعندما يتمكنُ منكَ إحساسٌ غامرٌ بالكره نحو شخصٍ ما، فإنّك تعي تماماً المشاعرَ التي تدورُ في نفسك، وتدركُ حالاً الشعورَ العميقَ من النفور والغضب والاستياء الذي يغمرك. وقد تخجلُ من التعبيرِ عن أحاسيسك تلك بالكلمات، لأنك تدركُ تماماً بأنه يتحتّمُ عليها أن تكون قبيحةً لن تسلمَ بسببها من اللوم. وامتناعُك هذا عن التعبيرِ اللفظيّ سيخلقُ لديكَ إحساساً بالضيقِ يولّدُه ذاك الصوتُ الذي يدورُ داخلَ رأسِك معلناً رغبتَه الواضحة في التدميرِ أو التخلّصِ من مسبّباتِ هذا الشعور. فنحن عندما نكرهُ نبحثُ عن هدفٍ نلقي عليه هذا الكمّ من المشاعرِ السلبيّةِ التي نختبرُها من خوفٍ واشمئزازٍ واستياء.
وتعدُّ الكراهيةُ واحدةً من أقوى المشاعرِ الإنسانيّةِ في عصرِنا الحالي، وهي المسبّبُ الدائمُ لعذابِ وحزنِ الكثيرين. شاحنةٌ تدهسُ المارّةَ على الطريقِ، أو عملياتُ إطلاقِ نارٍ في المدارسِ يذهب ضحيّتُها أطفالٌ أبرياء، هي كلها حوادثُ قد لا تكونُ الكراهيةُ الدافعَ المحرّكَ الوحيدَ لها، بل قد تكونُ عملياتِ قتلٍ مخطّطٌ لها وليست عشوائية. إلاّ أنّ التقاريرَ المستمرةَ عن عملياتِ القتلِ والتدميرِ تُؤكّد وجودَ مشاعرِ الكرهِ والبغضِ لدى المتورّطين في حوادثَ من هذا القبيل. وتعتقدُ Susan Opotow، الأستاذةُ في جامعةِ نيويورك- كُلّيةِ علم الاجتماع، بقدرةِ الكرهِ على تشجيعِ العنف وتقول:"عندما تسيطرُ حالةُ الكرهِ الشديد على الفرد فإنّ أخلاقه ستعملُ كعاملٍ محفّزٍ يخلقُ المبرراتِ الأخلاقيةَ للأذى والتدمير.".
ما تأثيرُ الكراهيةِ على طاقتنا؟
لا شكّ أنّ الانفعالاتِ السلبيةَ تستهلكُ طاقتَنا وتحدُّ من قدرتِنا على مواجهةِ الحياةِ والاستمرار في العمل، وقد تعرقلُ أحياناً فرصَ التواصلِ بين الناس، وتؤدي لتبنّي التحيّزاتِ اللاعقلانيةَ التي تلعبُ دوراً كبيراً في ارتكابِ جرائمِ الكراهية؛ لأنّ شعورنا بالكرهِ يدفعُنا إلى الإحساسِ بالكآبة واليأس. وأنّ معاناتِنا مشاعرَ سلبيّةً كالغضبِ والاستياءِ والخوفِ يدفعُنا بدورِه إلى الشعورِ بالكرهِ متمثّلاً برغبتِنا في تدميرِ الآخر الذي تسبّبَ لنا بحالةِ الكراهيةِ البغيضةِ التي نشعرُ بها، والتي لوّعتنا بمشاعرِ الفُرقة والوحدة. وقد تُصاحبُ حالةُ الكراهيةُ هذه نيةُ الثأرِ من مسبّبِها، فنتمنّى عندئذٍ أن يَختبرَ هذا الأخيرُ مشاعرَ الخوفِ والبؤسِ نفسِها التي شعرنا بها، أو نتمنّى بعمقٍ أن يعاني هذا الشخصُ الويلاتِ قبلَ موته. وهو ما قد يفسّرُ جرائمَ الكراهية التي يشهدُها عالمُنا هذه الأيام. إلاّ أنّ البعضَ يلجأُ إلى إطلاقِ العنانِ لمشاعرِ الحقدِ كنوع ٍ من العقابِ بدلاً عن العنفِ، أو وسيلةً للعلاجِ يواجهُ من خلاله المشاعرَ السلبيّةَ التي تنتابُه نتيجةَ تعرّضِه للأذى.
المصادر: