المعلوماتية > الذكاء الصنعي
أنا متردّدٌ في اتّخاذ قراري؛ أألجأُُ إلى الذّكاء الصّنعيّ أم إلى صديقي المقرّب؟!
يعيشُ العالَم حالةً من التّخبّط ما بين الحقائق والمعلومات المغلوطة، ويعاني الكثيرون من التّفكير السّطحيّ، لذلك يرى القائمون على هذا التِّقنية أنَّ تسخير الذّكاء الصّنعيّ واستخدامه في مجادلة البشر ومناظرتهم في موضوعاتٍ معقَّدة سيُساهم في الوصول إلى نتائجَ منطقيّة وحياديّة بعيدة عن الانحياز والتَّعصب والمشاعر الشَّخصيَّة.
"المُجادِل الإلكترونيّ" Project Debater؛ تِقنيَّة ذكاءٍ صنعيَّ تُطوَّرُ من قِبَل فريقِ الأبحاث في شركة IBM، وبدأ العملُ عليه في 2012 ليُكمل مسيرة IBM المُبهِرة في مجال الذكاء الصنعيّ بعد سَلَفَيْه Deep Blue 1996/1997 و Waston؛ ومن الجدير بالذّكر أنَّ Deep Blue 1996/1997هو جهازُ حاسوب مُزوَّد بتِقنيَّة ذكاء صنعيّ قادر على لعب الشّطرنج والّذي تمكَّنَ من هزيمة "كاسباروف" أفضل لاعب في العالم، وWatson حاسوبٌ قادرٌ على المنافسة في برنامج المسابقات الأمريكيّ Jeopardy؛ البرنامجُ الّذي يُقدّم للمتسابق أجوبةً على أسئلةٍ ضمنَ تصنيف معيّن ويجبُ على المتسابق معرفةَ السّؤال.
ما هوَ الهدفُ من هذا المشروع؟
في البداية؛ يهدف هذا المشروع إلى تنمية الوعي والتّفكير البشريّ من خلال النّقاش المحايد؛ وذلك عبرَ تعليم الحاسوب كيفيَّة صنع وجهات نظرٍمبنيّةٍ على أساسٍ منطقيّ وعلميّ والأخذ بها لمساعدةِ النّاس في اتّخاذ القرار عندما تكونُ الأمور أكثر تعقيدًا من مجرّد كونِ الإجابة نعم أو لا.
كيف يعملُ الـ Debater عند إدخالهِ في مناظرةٍ عن موضوع ٍمعيّن؟
درّب الباحثون المسؤولون عن المشروع Debater على المُجدالة في مواضيع غير شائعة ومنوّعة، فأصبحَ قادرًا على المجادلة في موضوعاتٍ شتّى، وعلى وجه الخصوص؛ تلكَ الموضوعات المغطّاة جيّدًا من قبل البِنية المعلوماتيّة الضّخمة التي يحتويها النّظام، والّتي تتضمَّن مئاتِ الملايين من المقالات من مختلف المجلّات والجرائد الموثوقة والشّهيرة؛ إذ يبحثُ النّظامُ بدقّة ضمن المحتوى المعلوماتيّ الضّخم الخاصّ به لإيجادِ كلّ ما يتعلّق بالموضوع من وجهات نظرٍ وأدلَّة تدعمه، ثمَّ يختارُ أكثرها إقناعًا وقوّة، ويرتّبها على نحوٍ مناسبٍ لكتابة سردٍ حواريّ مُقنع.
ويعتمدُ على ثلاث نقاطٍ رئيسة يتَّبِعُها في عمله:
أولاً: توليدُ خطابٍ أو سردٍ مُقنع استنادًا على المعلومات الّتي لديه وتقديمُه للمنافس أو للنَّظير.
ثانياً: الإصغاءُ لِما يقوله المنافسُ البشريّ واستيعابُه، ثمَّ يفهمُ الادّعاءات والنّقاط التي يتكلَّم المنافس بها من أجلِ تقديم ردٍّ أو طعنٍ مناسب، مع العلم أنّه قادرٌ على الاستماعِ والإصغاء لشخصٍ يتكلّم مدّةً تصل إلى أربع دقائق متواصلةٍ تقريبًا.
ثالثًا: القدرةُ على نمذجةِ مُعضلاتٍ بشريّة واستخدامُها في حواراته؛ وتُعرف المُعضِلات البشريّة بأنَّها قضايا أو حالاتٍ قد يجدُ البعض صعوبةً في اتّخاذ القرار المناسبِ لها لأسبابٍ أخلاقيَّةٍ أو إنسانيَّة تجعلُ من معرفة القرار الصَّائب أمرًا أشبه بالمعضلة.
وبأخذ هذه النّقاط مجتمعةً؛ يكون الـ Debater قادرًا على إظهار سلوكٍ مُقنع في أثناءِ جدالِه مع منافسين بشريّين.
ما موقفُه بالنسبة إلى الموضوع الّذي يُشارك فيه؛ هل ينحازُ إلى جانبٍ معيّن أم يكونُ محايدًا؟
يستطيعُ إيجادَ الإيجابيَّات والسَّلبيَّات اعتمادًا على المعلومات الّتي لديه؛ فمثلاً عندما يكونُ الموضوع المُقترح "يجبُ على الحكومةِ ضبطَ العملِ في مجال الذَّكاء الصّنعيّ"، سيحاولُ تحديدَ الإيجابيَّات والسَّلبيات المتعلّقة بهذه العبارة؛ يعدُّ ضبطَ العملِ في مجال الذّكاء الصّنعي إيجابيّا لحماية الأفراد ولتسريع الاعتماد عليه؛ في حينِ أنَّ الضَّبط والمنعَ الأعمى الغير مدروس للذّكاء الصنعي من قبل الحكومات تُعيق من نُموِّه وتطوّره؛ وهذا أمرٌ سلبيّ.
وكونه يعدُّ -في نهايةِ الأمر- آلة فهو يتَّصفُ بالنَّزاهة نوعًا ما؛ إذ إنّه لا يُمِيل الكفَّة نحوَ أحد الأطراف، وقد صُمّم لمساعدتنا في توسيعِ آفاق تفكيرنا ومستواه، وفي مساعدة النَّاس على رؤيةِ جوانب عدَّة تخصُّ موضوعًا ما.
كيف يستطيعُ نظام الـ Debater معرفةَ فيما إذا كان الادّعاء يدعم القضيّة المطروحةَ أو يحاربها؟
يُعدُّ هذا الأمرُ واحدًا من أهمّ الجوانب الّتي تُميز هذا المشروع؛ فَقدْ دُرِّبَ لمعرفةِ التّفاصيلِ الدّقيقة وفهمها في اللّغة الطّبيعية (اللّغة الّتي نتكلَّم بها)، ومن أجلِ تحديدِ موقفِ ادعّاء معيّنٍ بالنسبة إلى موضوعٍ ما. لنتخيَّل جِدالاً عن إيجابيَّات وسلبيَّات تطبيقِ كاميرات مراقبةٍ على حركة المرور والادَّعاء هوَ "قدْ تفشلُ الصّور الّتي سيقدِّمها الرَّادار في إعطاءِ معلوماتٍ واضحةٍ ودقيقةٍ عن معايير الأمان"؛ سيكتشفُ الإنسانُ غريزيًّا أنَّ هذا ادّعاءٌ يُعارض الموضوع؛ في حين أنَّهُ أمرٌ صعبُ الاكتشافِ بالنّسبة إلى الذَّكاء الصّنعيّ؛ إذ يتعاملُ الـ Debater مع الأمر عن طريق تقسيمهِ إلى أجزاءٍ (مَهمَّات) أصغر، وسيفهمُ أنَّ صورِ برنامج الرَّادار مُرتبطةٌ بتطبيقِ كاميراتٍ لمراقبة حركة المرور، ومن ثَمَّ يفهمُ بقيَّة الجملة على الرّغم من وجود عباراتٍ إيجابيَّة مثل "الأمان" و "فوائد" بالاعتمادِ - مثلاً - على الكلمة "فشل" المذكورة في الادعاء، وبعدَ مُعالجةِ هذهِ الأمور كلّها مع بعضها؛ سيكون قراره مشابهًا لِقرارِ البشر.
ما الفرق بين عملِ الـ Project Debater وعملِ محرّك البحث العادي؟
يُعطي محرّك البحث العادي مجموعةً من النّتائج المتعلّقة بالكلمةِ التي بحثت عنها، أو قد تكون النّتيجة مُعدَّة مُسبقًا (لكلّ كلمةٍ أو عبارةٍ تُدخلها؛ تظهرُ لك متعلقة بها مُضافة يدويّاً)؛ في حين أنَّ المُجادِل يعملُ بطريقةٍ أكثر تطوّرًا وتتطلَّبُ فهمًا عميقًا للموضوع المطروح، وتتطلَّب تحديدَ وجهة نظرٍ بناءً على ما يجده من نتائجَ في المُستندات أيضًا، وبالطَّبع؛ هذا الأمرُ ليس سهلًا بالنسبة إلى الآلات.
ولكي يُعِدَّ المُجادِل كلامه؛ يجب عليهِ فلترةَ الادّعاءات الّتي يجدُها في بحثه، ويستغني عن تلك الّتي يَعدُّها مكرَّرة أو زائدة، ثم يعيد النَّظر مرَّة أخرى إلى ما لديه كي يستخلص ما يجده مُثريًا لوجهةِ نظره وهكذا إلى أن ينتهي من كلامِه.
نهايةً؛ لماذا علينا تعليمُ الآلة كيفَ تُجادل وتُناقش؟
من النَّاحية الثَّقافيَّة؛ لا يمكن أن نقولَ أنَّ الجدال مصدرُه الصّراع والتَّنافس؛ بلْ الدّيمقراطية،وهو يُغني صناعةَ القرار لدينا، ويساعدنا في معرفةِ الإيجابيَّات والسّلبيات للأفكارِ والفلسفاتِ الجديدة، وإنَّه ينبعُ من جوهر التّحضّر؛ فنحنُ لا نتناقشُ من أجل إقناعِ الآخرين في آرائنا فحسب؛ بل لفهمِ وجهة نظرهم أيضًا. ومستقبلًا؛ هناك إيمانٌ من الباحثين المسؤولين عن المشروع بأنَّ الآلات ستساعد البشر في اتّخاذ العديد من القرارات المهمَّة يومياً.
المصادر: