علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
ماذا يحدثُ في الدماغِ أثناءَ التأمّلِ أو الصلاة؟
تؤثّرُ الطقوسُ الروحيةُ التي نمارسُها - أيّاً كان شكلُها أو مسماها - على أدمغتِنا بعمق. وإنّ الشعورَ بالراحةِ النفسيةِ الذي يتلو ممارسَتها لا يأتي من العدم. فقد أظهرتْ العديدُ من الأبحاثِ أنّ ممارسةََ التأملِ لها أثرٌ محفّزٌ للمزاج. إذ أنها تزيدُ إنتاجَ الهرمونات والنواقلِ العصبيّةِ الآتية:
- السيروتونين: والذي يشتهرُ بكونه هرمون السعادة، والذي يؤدي دوراً هاماً في رفعِ المزاج، وبهذه الطريقةِ يؤثّرُ على الصحةِ العامة للفرد.
- مركّبُ (Dehydroepiandrosterone (DHEA): والذي يحظى بلقبِ مركّبِ العمرِ الطويل. وهو المركّبُ الهادمُ للضغطِ العصبي، والذي يطيلُ العمرَ الفيزيولوجي1 للإنسان، أو ما يُعرَفُ بالعمر الحقيقي.
- حمضُ الغابا GABA: الذي يتميّزُ بتأثيرِه المهدّئ، فهو ناقلٌ عصبيٌّ مثبّطٌ في الجهازِ العصبيّ المركزي، ويتأثر هذا المركّبٌ سلباً بتعاطي الكحولِ والعقاقير والتبغ والكافيين.
- مركّبُ الأندورفين: المسؤولُ عن السعادةِ الكلّية، والمسكّنُ الداخليُّ للألم، فضلاً عن أنه يحفّزُ الشعورِ بالراحة. فقد أثبتتْ الدراساتُ والأبحاثُ أنّ التأمّلَ يزيدُ من إنتاجِه في الجسمِ أكثرَ مما تفعلُ ممارسةُ الرياضة.
- هرمون النمو GH: نبعُ الشبابِ الدائم.
- هرمونُ الميلاتونين: مركبُ النوم، والذي تفرزهُ الغدةُ الصنوبرية. ويمتازُ بقدرتِه على تعزيزِ وتقويةِ جهاز المناعةِ وإبطاء عجلةِ التقدّمِ في العمر، بالإضافةِ إلى المساهمةِ في الوقايةِ من ما يقاربُ مائة مرضٍ مختلف.
كما أنه يخفضُ من:
- مستويات الكورتيزول في الجسم، والمعروفِ بأنه هرمونُ الشدّةِ النفسية. فالتعرّضُ لمستوياتٍ مرتفعةٍ من الكورتيزولِ، والناتجة عن حالاتِ الشدّةِ النفسيةِ المتكررةِ، يمزّقُ أجسادَنا، ويدمرُ عضلاتِنا وعظامَنا ويثبّطُ إنتاجَ الهرموناتِ المفيدةِ، فيؤدي للتوترِ والإحباطِ، ويرفعُ التوتّر الشرياني ويسببُ الأرقَ والحالةََ الالتهابية، وتطولُ القائمة.
هذه التأثيراتُ السابقةُ الذكر تشملُ مستوىً واحداً وهو مستوى الجزيئاتِ الصغيرة. وبالإضافةِ إلى ذلك أظهر تصويرُ الدماغ باستخدامِ جهازِ الرنينِ المغناطيسيِّ MRI أنّ الصلاةَ لها أثرٌ على شهوةِ الكحول، فتنقصُها لدى المدمنين عليه.
في دراسةٍ هي الأولى من نوعِها شاركَ فيها مدمنون متطوعون في مركز NYU langone الطبّي، عٌرضت صورٌ محفّزةٌ لشهوةِ الكحولِ على المشاركين بعد أن طُلب منهم أن يقرؤوا مواداً حياديّة في جريدة. ثم عُرضتْ عليهم الصورُ نفسُها مرةً أخرى بعد أن طُلب منهم تلاوة تراتيل تحضُّ على العفّة، فكانتْ شهوتُهم للكحولِ أقلّ بعدَ تلاوتهِم لتلك التراتيل. ولدى إخضاعِهم للتصوير بواسطةِ جهاز الرنين المغناطيسيّ أظهرتْ صورُ أدمغتهم بعدَ تلاوةِ التراتيلَ تغيّراتٍ في الفصّ الجبهي، وهو المنطقةُ من الدماغ المسؤولةِ عن التحكّمِ بالعواطفِ والانتباهِ وإعادةِ التقييم الدلاليّ للمشاعرِ والتي تظهرُ اختلاف الفهمِ بين الأشخاصِ وفقاً لوجهاتِ نظرهم. أي أنّ رغبتهم تغيّرتْ مع تغيّرِ نظرتِهم للأمر. أي بمعنىً آخرَ صلاتُهم بدّلتْ موقفَهم تجاهَ شرب الكحول.
المفعولُ المهدّئ للصلاة والتأمل:
بكلّ بساطةٍ تمنعنا الصلاُة أو التأمل عن الصراعِ والعراك. فعندما نصلي لا نكونُ قادرين على الضربِ والركل والقتال، وهذا لا يعني أبداً أنّ الصلاة تكبتُنا عن فعل ذلك، بل أنها تمنعُنا عن الدخول في حالةِ دفاعٍ عن النفس واهتياجٍ يؤدّي إلى اتخاذ قراراتٍ خاطئةٍ وغيرِ حكيمة. يُضاف إلى ذلك أثرُ التأمل أو الصلاةِ في التقليل من الغضبِ وزيادةِ القدرةِ على ضبطِ النفس. وهذا يفسّره بعضُ باحثي علم النفس بأن الصلاةَ هي نوعٌ آخر من التفاعلِ الاجتماعي (مع الإله)، ومن المعروفِ في مجال علم النفس أن التفاعلات الاجتماعية تؤدي دوراً كبيراً في الوقايةِ من الاستفزازِ وتساعدُ على إحكام القبضة على الذات.
يقولُ الدكتور Paul Hokemeyer، المعالجُ المختصّ بمشاكلِ الزواج والعائلة والإدمان: "إنّ الصلاةَ مفيدةٌ لأنّها تركّزُ أفكارَنا على أمرٍ خارجٍ عنّا.". ففي أوقاتِ التوتّرِ يدخلُ جهازُنا العصبي المركزي في حالة زيادةِ نشاطٍ تؤدي إلى أحدِ أمرين: إما الاندفاعُ إلى مزاجِ البقاء على قيد الحياة فنصبحُ عندها عنيفين فنقاتل. أو الهروبُ والدخولُ في حالةِ جمود؛ أي أن نهربَ من حالةٍ راهنةٍ إلى أخرى مستقبليّة، وهو ما يصدُّنا عن التفكير بوضوحٍ واتخاذ القراراتِ الصائبة، والتصرّفِ بطرقٍ مدمّرةٍ للنفس. ولكن عند الجلوسِ للصلاة أو التأمّل فإننا ننتقلُ من المزاجِ المتوتّرِ إلى حالةٍ من التركيزِ تُنشّطُ الفصّ الجبهي للدماغِ المسؤولِ عن اتخاذ القراراتِ الذكية والواعية. أي أن التأمل أو الصلاةَ يساعداننا على أن نكون واقعيين مع أنفسِنا، فنحدّد ما نشعرُ به الآن ونَعِي موقعَنا واحتياجاتنا.
رغم كل ما سبق، تعد هذه الأبحاث مجتمعة خطوة لفهم آليات التأمل عامة، وكذا التفاعلات الروحانية أياً كان مضمونها، ورغم حاجتنا للمزيد فإنها خطوة متقدمة في سبيل فهم أشمل لوعينا وتصرفاتنا.
1العمر الفيزيولوجي: هو البيولوجي الفعلي للجسم والذي قد يكون أكبر أو أصغر أو مساوياً للعمر التقويمي الذي تحتفل فيه كل سنة.
المصادر: