الموسيقا > موسيقا
من البيتلز إلى مادونا ومايكل جاكسون؛ تأثيرُ الموسيقا على المجتمعات.
من بين جميع الفنون، قد تكونُ الموسيقا أداةَ تحديد الهويَّةِ الأكثرِ دقةً لأيِّ مجتمع، انطلاقاً من موسيقا الميتال الغاضبة وموسيقا الهيب هوب التي عبَّرت عن الظلم والعنصرية والفقر الذي تعرَّضَ له الأمريكيون الأفارقة إلى موسيقا البوب الغربية التي مثَّلت بشكلٍ أو بآخر الهيمنةَ الأمريكيةَ على العالم والاستعمار الثقافي، كل هذا وأكثر يجسِّدُ بطريقةٍ أو بأخرى التأثيرَ المحتَّمَ للموسيقا على المجتمعات والثقافات.
عندما ظهرت فرقةُ البيتلز لأولِ مرةٍ على التلفزيون الأمريكي، كان بالفعل حدثاً جللاً. أكثر من 73 مليون متفرج يتابعون الفرقةَ البريطانية. كانَ ذلك أشبهَ بمدِّ جسرٍ ثقافيٍ بين أمريكا وبريطانيا ممَّا ساهمَ بعَوْلَمَةِ صناعة الموسيقا في ستينيات القرن الماضي، الأمر الذي ما زال أثرُهُ قائماً إلى يومنا هذا. كانَ نتاجُهم الموسيقي مؤشراً على مرحلةٍ سادَت فيها الحريةُ الفكرية والفلسفةُ الوجودية خلال المدِّ اليساري في العالم.
ساعدتِ الفرقةُ ظاهرةَ الهيبيز الاجتماعية على الانتشار آنذاك، وكانت قد نشرتْ أفكارَ الحب، والحرية، والسلام و العدالة الاجتماعية، كما ناهضت القيمَ الرأسمالية والثقافةَ الاستهلاكية وكان الكثيرُ من رموزِ هذه الحركة من الموسيقيين مثل بوب ديلان وجوان بايز والثنائي سايمون & غارفنكل.
الارتباطُ الوثيق بينَ التمرُّدِ الشبابي والأفكار النهضويَّة كانَ أكثرَ حضوراً و بروزاً في الخمسينيات والستينيات من أي وقتٍ مضى، و لطالما كانتِ الاضطراباتُ السياسيةُ متزامنةً مع التحوُّلاتِ الموسيقيةِ تحديداً من الستينيات حتى التسعينيات.
إذا أخذنا موسيقا الروك أند رول على سبيل المثال التي أثَّرت على جميعِ نواحي الحياة من اللغةِ إلى الأزياء، كانتْ أولُ بوادرِ الاختلاطِ الحقيقي بينَ الثقافة الأفريقية الأمريكية والأمريكيين البيض خلالَ عصرِ العزلِ العنصري، إذِ اجتمعَ المراهقون من كلا العرقَيْن على الموسيقا التي استمدَّت سلالمَها الموسيقيَّةَ من البلوز والجاز ذوي الأصولِ الأفريقية-الأمريكية واختلطت بموسيقا الكاونتري مع عناصرَ جديدةٍ لتشكِّلَ ما هو أشبه بمزيجٍ يعبِّرُ عن خلطةِ الشعب الأمريكي عامة، بالإضافة إلى تزامنِ هيمَنَةِ هذا النمط الموسيقي مع نشوءِ حركاتٍ مناهضةٍ للتمييز العنصري وحقوق الإنسان، كما تُعَدُّ موسيقا الروك أند رول من أولِ الأنماطِ الموسيقيةِ على الإطلاق التي اتَّجهت لفئةٍ عمريةٍ معينةٍ دونَ سواها ممَّا شكَّل انقلاباً في صناعة الموسيقا ما زال ممتداً حتى الوقت الحاضر.
في السبعينيات بقيَ أثرُ المشاكل الاجتماعية وظواهرِ التمييز العنصري حاضراً بل وبشكلٍ أقوى في الموسيقا، فقد ظهرتْ موسيقا الهيب هوب في مطلع السبعينيات كأولِ حركةٍ ثقافيةٍ للأمريكيين الأفارقة في أمريكا، وجاءت هذه الحركةُ من رغبةِ مجتمعاتِ الأفارقة الأمريكيين بالتعبيرِ عن النفس وإثباتِ حضورهم في المجتمع الأمريكي بعدما عانوهُ من تمييزٍ عنصريٍ وظلمٍ وفقرٍ. مثَّلت موسيقا الهيب هوب نظامَ اتصالٍ بينَ الأفارقة الأمريكيين عبرَ الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت إحدى أهداف هذه الموسيقا في البداية هي إنقاذَ الشباب الأمريكي-الأفريقي من عالمِ الجريمة والعنفِ والمخدرات، لكنَّ هذه الموضوعات تبقى حاضرةً ليومنا هذا في موسيقا الهيب هوب وتتمحورُ أغلبُ أغانيه حولها، ممَّا ساهمَ في تنميطِ صورةِ فناني الهيب هوب والراب، خاصةً بينَ مجتمعات الأمريكيين البيض.
يُوجَّهُ الانتقادُ باستمرارٍ تجاهَ فناني الراب للاعتقاد بأنهم يوجهون رسائلَ ضدَّ المرأة تقللُ من شأنها، في حين أنَّ بعضَ الفنانين يواجهون مثلَ هذه الاتهامات بأنَّ أغانيهم وموضوعاتهم لا تمثلُ بشكلٍ فعليٍ تصرفاتِهم وحياتِهم على الصعيد الشخصي وأنَّ هذه الأساليبَ في مخاطبة المرأة أو استخدام الجنس والمخدرات كموضوعٍ في أغانيهم هو بشكلٍ أساسيٍ لجذب المستمعين.
لم يقتصرْ تأثيرُ الهيب هوب على أمريكا بلِ امتدَّ إلى أفريقيا وأوروبا وآسيا، وشكَّلَ هذا الامتدادُ الموسيقي أهمَّ صورِ النفوذ الأمريكي الثقافي في جميع أنحاء العالم، ويُعتَقدُ أنَّ الهيب هوب هي الموسيقا الأكثر تأثيراً في الخمس عقود الماضية.
أما الثمانينيات فشكلت نقطةَ تحولٍ، ففي مطلع العقد كان مقتلُ جون لينون وتبعه وفاة بوب مارلي، اللذَين كانا أكبرَ رموزِ التمرُّد والحرية ممَّا صدمَ معجبيهم حول العالم، و بدأ بزوغُ فجر الموسيقا الإلكترونية ودخولُ عناصرَ جديدةٍ كوَّنَت أنماطاً موسيقيةً مستجدةً مثل السينثبوب. بدأ التركيز على العنصر المرئي للموسيقا بشكلٍ كبير.
لم تغب العواملُ الفكرية عن موضوعات الموسيقا في تلك الحقبة، لكنَّ دخولَ التكنولوجية وتطوير مفهوم الفيديو أخذَ حيزاً كبيراً من اهتمام الناس، فقد عادت بشكل أو بآخر الحالة الاستهلاكية مع بدء انحسارِ الفكرِ التقدمي الاشتراكي وتفرُّدِ أمريكا بقيادة العالم في مطلع العقد الذي تلاه.
وفي الجانبِ الآخر ظهرَ فنانون أمثال مادونا بأسلوبها التجريبي الجريء وطرحِها لوجهةِ نظرِها عن الأقليات والمثليةِ الجنسيةِ وحرية المرأة بطريقةٍ صارخةٍ وفجةٍ بالنسبة للبعض أحياناً، ممَّا أثَّرَ هذا على الإعلام والرأي العام العالمي، فلم يسبق لأحدٍ من نجوم البوب - وخاصةً بين النساء - الإقدامُ على التعبير عن رأيهم عن الدين والجنس والسياسة بهذه الطريقة. هذه الظاهرة الفنية والاجتماعية على حدٍ سواء أثَّرت على عدةِ أجيالٍ من المغنيين لاحقاً، وأعلنت حقبةً جديدةً من أساليبِ التعبير في الموسيقا. كان لمايكل جاكسون ربما الدورُ الأكبرُ في تغيير موسيقا البوب على الإطلاق، إذ يُعد أهمَّ فنان من أصول أفريقية في التاريخ. تحدَّى جاكسون الحواجزَ العرقية وجعلَ من موسيقاه التي كتبها بنفسه أداةً لتواصله مع كل الشعوب، وربما لم يُقابل فنانٌ بهذا الترحيب من مختلفِ الثقافات كما قُوبل جاكسون فضلاً عن كونه مصدرَ إلهامٍ للموسيقيين الشباب والمغنين والفنانين والراقصين.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا
8- هنا
9- هنا
10- هنا
11- هنا