الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية
الجمهوريّة المدنيّة نمط حكم ديمقراطي الجزء الثاني
نتابعُ في مقالنا عن النظامِ الجمهوريّ مع مفهومِ الجمهوريينَ المُعاصِرين للسُلطة والقوانين التّي تتّبعها لتحقيق أهدافها، فالسُلطة هي المُمثِّل الأول عن طبيعة الحُكم المُنفَّذ.
السُلطة وقوانينها:
يراهن الجمهوريون المدنيون المعاصرون -ليس على إظهار أنّ التّحرُرَ من التبعية للسُلطة التعسُّفية هي منفعة إنسانية مهمة في حد ذاتها- بل على إظهارِ كيفيةِ توافقِ الحرّية الجمهوريّة مع مفهوم أوسع للازدهار البشري، وخصوصًا، الحريّة النسبيّة التي يجب أن نحدّدها مقابلَ المنافعِ الإنسانية المهمة الأخرى في تحقيق تطور الإنسان.
وفي سبيل ذلك يهدفُ الجمهوريون المدنيون المعاصرون إلى تعزيزِ الحريّة من خلال وضعِ سياسات عامّة لتجنبِ المخاطرِ التي يمكن أن تهدد الحرية السياسية، وهنا ركّز الجمهوريون على خطرِ تولِّي بعض الأفراد أو المجموعات داخلَ المجتمعِ المدنيّ سلطاتٍ تعسُّفيةً على الآخرين، وكَحلٍّ لهذا التهديد اقترحَ الجمهوريون إدخالَ نظامٍ قانونيٍّ محليٍّ من أجل تنظيم العلاقات المتبادلة للمواطنين وعدّوه ضمانةً لِتمكين الحريّة وليس فقط لِحمايتها.
وهناك العديدُ من الأخطار المُحتَملة الأخرى التي كان الجمهوريون الكلاسيكيون أقلَّ إدراكًا لها، فعلى سبيل المثال، هناك خطر الحرمان من الاحتياجات الأساسِ، الذي سَيضعُ أعضاءَ المجتمعِ الأقلّ حظًاً في وضع الضُعف الاقتصادي، وبالتّالي قد يُقدِّم الأفرادُ أنفسهم إلى السُلطةِ التعسُّفيةِ لأصحابِ الأعمالِ الاستغلاليّةِ أو يصبحونَ مُعتمِدين على نزواتِ الجمعيّات الخيريّة من أجل تلبيةِ تلك الاحتياجات؛ لذلك فإن ضمان التَمتُّع بالحرية الجمهورية قد يتطلبُ بعض الأحكام العامة على الاحتياجاتِ الأساس غير المُلبّاة.
وينشأُ خطرٌ آخرُ على حريةِ الجمهوريين في سياقِ الحياةِ الأسريّة والعلاقاتِ بينَ الجنسين التي كانت ترتكز على نظامٍ عموديٍّ يكون فيه الزوجُ المُهيمِنَ على السُلطة على حساب الزوجةِ الأُمِّ والأطفالِ، ولتخطّيْ هذا الخطر اشتمل برنامج الجمهورية المدنية المُعاصِر على قوانين تتناسب مع كل من توسيع حقوق الأطفال، والقضاء على الهيمنة الجندريّة.
وبالإضافةِ إلى أنّ معظمَ الجمهورياتِ المدنيّةَ المعاصرةَ تتعارضُ مع النموذجِ الشعبويّ للديمقراطيّة، الذي ينصّ على أنّ جميع القوانين والسياسات العامة يجبُ أن تُعبِّر عن الإرادة الجماعية للشعب لكي تُعدَّ شرعيّةً.
وبدلًا من ذلك، فإنّها تؤيّدُ فكرةً تنصُّ على أنَّ المؤسساتِ الديمقراطيةَ يجبُ أن تمنحَ المواطنينَ فرصةً فعّالةً للطعنِ في قراراتِ ممثليهم، ومن شأنِ هذا أن يجعلَ الموظفين الحكوميين الذين يتمتعون بالسُلطة مسؤولينَ أمام الأهدافِ التي يقصدون خدمتها، وأمام الوسائل المسموح لهم بتوظيفها.
ولهذه الديمقراطية الصحيحة ثلاثة متطلبات وهي:
1- مطالبة صانعي القرار المعنيين (الهيئات التشريعية، والمحاكم، والبيروقراطيين، وما إلى ذلك) بتقديم أسبابٍ لقراراتهم، ويجبُ أن تخضعَ تلك الأسبابُ إلى نقاشٍ عامٍّ مفتوحٍ.
2- وأن تكونَ المعارضةُ مسموحةً على قِدَمِ المساواة لجميع الأشخاص والجماعات في المجتمع.
3- وأخيرًا أن توجدَ مؤسساتٌ للطعن والمُعارَضة مثل المحاكم الدّستورية، حيث يمكن للمواطنين أن يثيروا اعتراضاتٍ على القوانينِ والسّياساتِ العامّة.
كما تقومُ الجمهوريّة على مبدأِ المُشاركةِ في تحقيقِ المصلحةِ العامّة، وترى أنّ الفسادَ على خلافِ ذلك فهو تعزيزٌ للمصلحةِ الشّخصيّة على حسابِ الصالِح العام، وبناءً عليه يرى منتقدو الجمهورية أن هذا يتضمن تضحياتٍ ذاتيّةً واسعةً ونبذاً للفردانيّة والتماهي للذات مع المجتمع، في حينِ أنّ الجمهوريين المدنيين يدحضون هذا النقد، ويقرّون أن تحقيق المصلحة العامة أمرٌ بعيدٌ كل البُعدِ عن الدّعوةِ إلى خضوعِ الأفرادِ لأهدافٍ جماعية، لأنه يُمكِّن المواطنين من متابعة أهدافهم الخاصة بضماناتٍ أَمنيّة.
إنّ التمسُّك بالجدلِ القائم على تأويل وتطوير مبادئ الجمهورية التقليدية جعل الجمهوريين المعاصرين يهملون بعض النّظريات السّياسيّة المحورية، فحديثًا فقط بدأوا بالاهتمام بالبعض منها مثل التعددية الثقافية، والعدالة التوزيعية،والعلاقات الدولية.
المصادر:
[1] - هنا;
[2] - هنا