هوَسُ العشق

من الجميل أن تكنّ مشاعرَ الحبّ لشخصٍ ما وأن يبادلك المشاعر ذاتها، ولكن في بعض الحالاتِ المرَضيّةِ لا يفهمُ بعضُ الأشخاص أن الطرف الآخر لا يحبهم ولا يضمرُ لهم المشاعر ذاتها، بل على العكس تماماً. وقد يظنُّ المصابون أن الطرفَ الآخر واقعٌ في غرامهم؛ وهو ما يدعوه الأطباءُ النفسيون بالإيروتومانيا، أو بالهوسِ الشبقي .Erotomania.

ويُقصَدُ بالهوسِ الشبقي تلك الأوهام التي تداهمُ المصابَ مُحدِثةً لديه اعتقاداً خاطئاً بأنَّ هناك شخصاً آخرَ واقعٌ في حبه، ويكون هذا الشخصُ غالباً مرموقَ القامةِ في المجتمع، أو من المشاهير أو السياسيين. والإيروتومانيا أحدُ الأشكالِ غيرِ المألوفة لتوهُّمِ جنون العظمة، وهو ما قد يدفعُ المريض إلى الإتيانِ بتصرفاتٍ سلبيةٍ للتقرّبِ من الطرف الآخر، وإنْ قابله الأخيرُ بالرفض؛ ما قد يجعلُ المريضَ مصدرَ خطرٍ على نفسِه وعلى المجتمع.

ويُعدُّ هذا الاضطرابُ من الحالاتِ النادرة، وتشيرُ بعضُ المصادر إلى أنه يصيبُ النساء أكثرَ من الرجال؛ إذ يبدأُ فجأةً وتدومُ أعراضُه فتراتٍ طويلةً على الرغم من وجود أدلّةٍ واضحة تشيرُ إلى العكس من ذلك.

ويُطلقُ على هذا الاضطراب أحياناً متلازمة دي كليرامبو؛ نسبةً إلى الطبيب الفرنسي كليرامبو الذي وصف هذه الحالة أوّل مرّةٍ عام 1921 للميلاد.

وليس الهوَسُ الشبقيُّ مرضاً نفسياً قائماً بذاته، فقد يُشخَّص الأشخاصُ الذين يعانون الهوسَ الشبقيَّ بالإصابة بالتوهُّمات، ويمكن أن يكونَ الهوسُ الشبقيُّ عَرَضاً لحالةٍ نفسيةٍ أُخرى كالفُصام (شيزوفرينيا).

أعراض متلازمة الهوس الشبقي:

يتجسدُ العَرَض الرئيسي في اعتقاد المصابِ بوجود شخصٍ يحبه إلى درجة كبيرة، مع عدم وجود أيِّ دليل على حبّ هذا الشخص له، وغالباً ما تترافق الإصابةُ مع مجموعةٍ من الأعراض وأبرزها:

- الاعتقادُ بأن الشخص يرسل رسائل سريّة له، فعلى سبيل المثال؛ الشخص المصاب بالإيروتومانيا يعتقدُ أن مذيعة الأخبار ترسلُ رموزاً سريّة للتواصل معه.

- يشمل السلوك المرتبط بالإيروتومانيا المطاردةَ والتواصلَ الكتابي وسلوكيات أخرى مزعِجة، وإن كان التواصل مرفوضاً من قِبل الطرف الآخر.

- اقتناعُ المريض تماماً بأن الشخص الآخر يحاول التواصل معه، فمثلاً إذا استصدر الشخصُ المرغوب أمراً تقييدياً من المحكمة بعدم الاقتراب منه فقد يعتقد المصاب بأنها رسالةٌ سريّة تشجعه على المتابعة بقوة أكبر.

أسباب متلازمة الهوس الشبقي:

 إن أهم العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالهوس الشبقي هو ارتباطه بأمراض نفسية أخرى؛ كالفصام واضطرابُ الفصام الوجدانيّ واضطرابُ الاكتئابِ الرئيسي مع صفاتٍ ذهانيّة،والاضطرابُ ثنائي القطب ومرض الزهايمر.

اقترحتْ تقاريرُ معينةٌ أنَّ شبكاتِ التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى تفاقمِ الحالة أو إلى إطلاق المعتقدات التوهّمية المرتبطة بالهوس الشبقي؛ إذ تقضي وسائل التواصل الاجتماعي على بعضِ الحواجز المقامةِ بين البشر، ويُمكّنُ استخدامُها من المراقبة والتواصل والمطاردة ومضايقة الأشخاص.

تشخيص متلازمة الهوس الشبقي:

إن متلازمةَ الهوس الشبقي نادرةُ الحدوث؛ ما يجعلُ تشخيصها أمراً صعباً، وقد لا يميّزُ بعضُ الأطباءِ النفسيين أسباب الإيروتومانيا أو لا يتعرفون على الأعراض عندما يقابلونها.

يجب استيفاء الشروط الآتية قبل تشخيص الحالة:

- أن تتضمن الأوهامُ أحداثاً ممكنةَ الحدوث حتى لو كانت بعيدة الاحتمال.

- أن ينطبقَ الوهمُ على القضية ذات الصلة فقط.

- إذا كانت الحالة المزاجية المتدنية أو نوبات الهوس موجودةً أيضاً؛ فإنَّ مدة الأعراض التوهّمية يجب أن تكون أطول من الحالة المزاجية أو الهوس.

- يجب استبعاد الفصام، واضطرابات المزاج، والتسمم.

علاج متلازمة الهوس الشبقي:

بعد ملاحظةِ الأعراضِ وتشخيص الحالة يجب البدءُ بالعلاج الفوري لتفادي حدوث أيّ اختلاطات.

- قد يشملُ العلاجُ الأدويةَ أو الاستشفاء.

- قد يكون العلاجُ بالأدوية المضادة للذُّهان فعّالاً في بعض الحالات، وعادةً ما يُجمَعُ بين الدواء والعلاج النفسي.

- يجب اختيارُ العلاجِ وفقاً لاحتياجات كلِّ شخصٍ مصابٍ على حِدة، وأن تركز الأولوياتُ على الحفاظِ على الوظيفةِ الاجتماعية والتقليلِ من مخاطرِ السلوك الإشكالي، وتحسينِ نوعية حياة الشخص المصاب.

وفي النهاية؛ يجب عدم إهمال الدور الذي تؤدّيه وسائلُ الإعلام الاجتماعية في أيّ سلوك مثيرٍ للاضطراب عند وضعِ خطة العلاج .

مصادر المقال

هنا

هنا

هنا