الطب > مقالات طبية
هل يعبثُ الجنينُ أم يبني في رَحِم أُمِّه!
هل يعبثُ الجنينُ أم يبني في رَحِم أُمِّه!
لا تشعر الأمُّ بحركات جنينها حتى الأسبوع السادس عشر أو الثامن عشر من الحمل، لكنَّ الجنينَ يكون قد بدأ بحَني عنقه منذ الأسبوع العاشر، فتُعَدُّ هذه أُولى حركاته، ويُتبِعُها بحركاتٍ أُخرى تحدث بانتظامٍ منذ الأسبوع الخامس عشر؛ كحركات الأطراف وحركات التنفس والتَّمطُّط. فما سببُ هذه الحركات وما أهميتها في تطوُّر الجنين؟
استَرْعت الحركاتُ الجنينية اهتمامَ المجتمع الطِّبي منذ زمنٍ بوصفها عاملًا قد يتمكَّنون عن طريقه من تقديرِ وضع الجنين الصِّحيِّ و تطوُّره؛ فقد وجد الباحثون أنَّ القوى الميكانيكية التي تُحرِّضها حركاتُ الجنين ضروريةٌ لتطوُّر هيكله العظمي على نحوٍ سليمٍ؛ إذ يترافق عددٌ من الاعتلالات مع حركاتٍ جنينيَّةٍ غير طبيعية.
وقد لاحظوا ارتباطًا وثيقًا بين الولادة المُبكِّرة وأمراض العظام؛ إذ سُمِّيَت (أمراض العظام لدى الخُدَّج)، وهي تحدث بنسبة 30% لدى المولودين قبل الأسبوع 28 من الحمل.
ووُضِعَ عددٌ من التفسيرات لهذه المشكلة، إحداها هي أنَّ الخدِّيج تفوته فترةٌ مهمَّةٌ من عملية التَّعظُّم التي تحدث في الثُّلُث الأخير من الحمل، ففي تلك الفترة -نتيجة نمو الجنين ومن ثم قِلَّة المساحة داخل الرحم- تزداد شدَّةُ المقاوَمة المُطبَّقة من الجنين ضدَّ جدار الرحم؛ ما يُؤدِّي دورًا مُهمًّا في بناء القوة العظمية قبل الولادة.
ما دور الحركة في عملية التَّعظُّم؟
يُؤدِّي التحريضُ الميكانيكي الذي يتجلَّى بقوى الانضغاط والانثناء إلى تفعيل الخلايا التي تُدعى بالخلايا البانية للعظم osteoblasts تفعيلًا مباشرًا، فتستجيب بانياتُ العظم لهذا التفعيل بتشكيل بروتيناتٍ خاصَّةٍ تتوضَّع بين الخلايا فتُشكِّلُ دعامةً لها وتُسمَّى بروتينات المطرس Matrix proteins.
وتتفعَّل بانياتُ العظم بطريقة غير مباشرة نتيجة تأثُّرها بزيادة إفراز بروتينات مُهمَّة من الخلايا العظمية Osteocytes التي بدورها تعمل كجهاز استشعار؛ فتتحسَّس تلك القوى التحريضية الآلية.
استطاع عددٌ من الباحثين في دراسةٍ حديثةٍ أن يُراقبوا القوى التي تُولِّدُها ركلاتُ الجنين وتحرُّكاتُه وتأثيرَها في عظامه على شكل قوى ضغطٍ وشَدٍّ، فوجدوا أنَّ أقصى درجات الضغط كانت مُتركِّزةً في عدد من المناطق؛ كجسم كلٍّ من عظم الفخذ وأحد عظمي الساق (الظنبوب). وشكَّل توزُّعُ قوى الضغط دليلًا على دورها في عملية التَّعظُّم.
ومن جهة أخرى؛ تركَّزت قوى الشدِّ في المناطق غير المُتمَعدِنَة قُربَ المفاصل، بالإضافة إلى السُّطوح المَفصِلية؛ فأشار ذلك إلى دورها المُهمِّ في إعطاء المَفصِل شكلَه في أثناء عملية التطوُّر الجنيني.
ما هي العوامل الفيزيائية المُؤثِّرة في حركات الجنين؟
يُضاف إلى دور الوظيفة العصبية العَضَلية للجنين العديدُ من العوامل التي قد تُؤثِّر في حركته؛ كالمساحة الحُرَّة داخل الرَّحِم وكمية السَّائل الأمنيوسي، وتَوضُّع الجنين في الرحم، بالإضافة إلى عواملَ خارجية مُهمَّة، وتُوجَد أيضًا بعضُ الأدلَّة التي قد تُشير إلى تأثير جنس الجنين في أنماط حركته.
السائل الأمنيوسي Amniotic fluid:
السائل الأمنيوسي هو سائلٌ رائقٌ يملأ الكيسَ الأمنيوسي ويطفو الجنينُ ضمنه في الرَّحِم؛ فيعملُ كوسادةٍ تحميه من الصَّدَمات.
يتكوَّن السائلُ الأمنيوسي أساسًا من الماء، ويُضاف إليه كميَّاتٌ صغيرةٌ من البول الذي يبدأ الجنينُ بطرحه من الأسبوع العاشر للحمل.
يُؤدِّي السائل الأمنيوسي إلى توسيع الرَّحِم؛ ما يَفسِح المجالَ لحركة الجنين بحُرِّية، ووُجِدَ أيضًا أنَّ قِلَّة هذا السائل قد تكون سببًا في تناقص الحركات الجنينية؛ إذ تَسبَّبَ انخفاضُ كمية السائل انخفاضًا مُعتدلًا في تناقص سَعَة حركة الجنين، بينما أدَّى الانخفاضُ الأكثر حِدَّة لكمية السائل إلى تناقصِ كلٍّ من سَعَة حركة الجنين وسرعتها.
توضع الجنين:
يُعدُّ المجيءُ المقعدي تقييدًا شائعَ الحدوث لحركة الجنين؛ إذ وجد الباحثون أنَّ للمجيء المقعدي تأثيرًا عابرًا في مجال حركة الأطراف السفلية وفي ثباتيَّة مَفصِل الورك.
العوامل الخارجية:
تحتلُّ المواد التي تستهلكُها الأمُّ (كالكافيين وبعض الأدوية والمؤثِّرات الصوتية) رأسَ قائمة العوامل الخارجية المُؤثِّرة في حركة الجنين.
فاستهلاك الكافيين فتراتٍ طويلةً -على سبيل المثال- يُسبِّبُ زيادةَ حركات التنفس لدى الجنين، في حين يُؤدِّي التدخين إلى تناقص هذه الحركات، ثمّ إنَّ تناولَ نوع من الأدوية المضادَّة للاكتئاب (مُثبِّطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية SSRIs) يزيدُ من حركات جسم الجنين التشنُّجية ويُنقِص من حركاته التنفسية.
لذا وبناءً على ما سبق؛ تتوضَّح أهميةُ تطوير نظام مراقبةٍ مُستمرَّة للحركات الجنينية في الإجابة عن العديد من الأسئلة فيما يخصُّ العلاقة بين حركة الجنين و كلٍّ من التطوُّرَين الطبيعي أو الشَّاذ للهيكل العظمي، وتُنصَح جميعُ النساء الحوامل بضرورة الخضوع لفحوصٍ دورية من أجل تقييم حركة الجنين والتأكُّد من سلامة تطوُّره ونفي وجود أيَّة اعتلالاتٍ في جهازه العظمي العضلي.
المصادر:
1- هنا
2-هنا
3-هنا
4-هنا