الفلسفة وعلم الاجتماع > أعلام ومفكرون
هل وجدَ فيلسوفُ التشاؤم خلاصًا في الحياة؟
هل وجدَ فيلسوفُ التشاؤم خلاصًا في الحياة؟
وُلِدَ الفيلسوفُ الألمانيُّ آرثر شوبنهاور في 22 فبراير عام 1788 من عائلةٍ ثريّةٍ فكانَ أبوه صاحبَ مصرفٍ كبيرٍ، وكانت أمُّه يوهانّا ذات روحٍ تفاؤليةٍ مُحبّة للمتعةِ؛ الذي سبّب نفورًا بينها وبين ابنها البائس.
وعُرِفَ بفلسفة التشاؤم فكانتِ الحياةُ في فكره شرّاً مطلقاً مليئةً بالأسى والألم، وكان الوجودُ عنده سلسلةً من المصائب والنكبات، وتوفيَ في 21 أيلول عام 1860.
تلقّى دروسًا خاصّةً في اليونانية واللاتينية، وكانَ تقدّمُه ملحوظًا فيهما، في حين كانت كتاباته باللغة الألمانية قد أبانت عن فكرٍ ناضج.
والتحق بجامعةِ جوتنجن عام 1809، وسجّل كطالبٍ في الطّبّ ثمّ في السّنةِ التاليةِ تحوّلَ إلى الفلسفةِ وجذبته شهرةُ الفيلسوف الألماني "فيخته" إلى برلين عام 1811 ليحصلَ على الدّكتوراه عن رسالته التي تحملُ عنوانَ "الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية".
وكانَ يعيشُ في رخاءٍ ماديٍّ فظلّ حرًا من قيودِ العملِ ولجأ إلى التدريس لينشرَ مذهبه، وبعد حين من الزمن عَدَلَ عنه إلى العيش عيشة خالية حتى اللحظة الأخيرة.
وكان متريثًا في إنتاجه، ووضعَ لنفسه مبدأً لم يحدْ عنه؛ وهو ألّا يقولَ شيئًا إلا إذا كان لديه ما يقوله وعلى النحو الذي يودّ أن يقوله.
وهناك ثلاثةُ مصادرَ رَئيسةٍ شكّلت منبعًا لِفلسفته وهي: فلسفة كانط، ثم أفلاطون، ثم الأوبانيشاد.
لكنه خالفَ كانط في نظرية الواجبِ الأخلاقيّ فَالإلزامُ برأيه مقيّدٌ ومشروطٌ بالثواب والعقاب.
ومن أشهرِ كتبِه "العالم إرادة وتمثُّل" وهو "أنّ هذا العالم كله هو فقط موضوعٌ بالنسبةِ إلى الذات أو إدراك مُدرِك أو باختصار "تمثُّل" ويعني أنّ العالم هو مايبدو لنا ووجوده متوقف على الذات التي تقوم بإدراكه".
وللاطّلاع المفصّل : هنا
وهو يرى في الحياةِ أنّها صراعٌ مستمرٌّ وقتالٌ متواصلٌ لا يهدأُ، وممّا زادَ من تشاؤمِه عزوفُ النّاسِ عن كتبِه وانتحارُ أبيه عام 1805 وانقطاعُ علاقته مع أمّه منذ عام 1814 حتى النَفَس الأخير، بالإضافة إلى المزاج غير السوي الذي لازمه، والكراهية التي ملأتْ قلبه، وفقدانه للودّ فلا زوجةَ له ولا أصدقاء، ولم يكنْ له سوى كلبٍ أطلقَ عليه اسم (آتما) وهو يعني الروح الكلي عند البراهما.
وكان متأثرًا بالفلسفاتِ الشّرقيّة مثل البوذيّة، ولا يصلُ الإنسانُ للخلاصِ من الإرادةِ إلا بالوصولِ إلى "النيرفانا".
كما اتسمتْ شخصيّة شوبنهاور بالقلقِ والشّعورِ بعدمِ الأمانِ والاطمئنانِ، ولا ينام إلا بعد أن يتأكد من حشو مسدسه، كان يسيءُ الظنَّ بجميعِ النّاس ويرى نفسه هدفًا لتآمر الناس واللصوص.
وكان يمقتُ الضوضاء ويعدّها معيارًا للتخلف العقلي.
ورأى أنّ الإنسانَ يسعى جهده طوالَ حياته مُتحمِّلاً أشدّ صنوف العذاب والآلامِ باذلًا كلَّ ما في وسعه من طاقة، وكلّ ما يحصّله بعدَ هذا العناء هو أن يحافظَ على هذه الحياة البائسة بينما الموتُ ماثلٌ نصبَ عينيه في كلِّ فعلٍ وكلِّ آن.
وإنّ السعادة النسبية التي قد يتوّهم البعض بأنّهم يشعرونَ بها، فما هي إلا الإمكانيّةُ المُعلَّقةُ التي تضعُها الحياةُ أمامنا على سبيل الإغرارِ بالبقاء في هذا الشقاء، وهي السراب الذي يحثُّنا على الحرص عليها ويدعونا إلى التعلق بما فيها.
كما اتفق مع "بيرون" على سيادةِ الشرِّ على الخير، والألمِ على اللذة.
فالوجودُ في هذه الحياةِ خطيئةٌ، وخطيئةٌ أخرى أن نَحسبَ أنّنا وُجِدْنَا لنكونَ في هذه الدنيا سعداء وكلتا الخطيئتين صادرتان عن ينبوعٍ واحدٍ هو إرادةُ الحياةِ تلك التي تريد أن تؤكّد نفسَها.
ولا سبيل للخلاص في الحياة سوى الخلاص من الحياة.
المصادر:
شوبنهاور وفلسفة التشاؤم، وفيق غريزي، دار الفارابي
شوبنهاور، عبد الرحمن بدوي، دار القلم